'السلام الدافئ بين إسرائيل والأردنّ بين الإشراق والأفول' في كتاب جديد

الكتاب يناقش فترة محدّدة وهي السنوات التي سادتها علاقات السلام بين إسرائيل والأردنّ في عهد الملك حسين، ويطرح تساؤلات حول اذا كان تدهور العلاقات أمرًا لا مفرّ منه.

يناقش كتاب 'السلام الدافئ بين إسرائيل والأردنّ بين الإشراق والأفول الأداء السياسيّ الإسرائيليّ في عهد الملك حسين' فترة محدّدة وهي السنوات التي سادتها علاقات السلام بين إسرائيل والأردنّ في عهد الملك حسين. 
لقد طرأت تغيّرات كثيرة على منطقتنا المتوتّرة منذ تلك الفترة، كما طرأت تغيّرات على علاقات إسرائيل بدول الجوار، لم تكن هذه التغيّرات إيجابيّة بالأساس، إذ إنّ الكثير من القوى في الدول العربيّة تناضل من أجل صياغة طابعها، علاوة على أنّ الواقع الذي يسود اليوم مختلف عن الواقع الذي ساد في فترة بناء السلام مع الملك حسين. على الرغم من ذلك، إلّا أنّ مسألة العلاقات الإسرائيليّة الأردنيّة جديرة بالدراسة المنهجيّة، إذ أنّها غنيّة بالعبر والدروس بالنسبة إلى فنّ إدارة الدولة الإسرائيليّ، وتثمر عن تبصّرات بالنسبة إلى طريقة إدارة إسرائيل لشؤونها مقابل العالم العربيّ.
 إنّ التعرّف على هذه المسألة من شأنه أن يعزّز فهمنا لأنفسنا وللآخر. كتب اللورد أكتون ذات مرّة، "إذا كان الماضي يمثّل عائقًا وعبئًا، فإنّ معرفة الماضي هي الطريق الأكثر ضمانًا للتحرّر".
يركّز الكتاب على سؤال واحد هامّ، وهو كيف ولماذا فوّتت إسرائيل "السلام الدافئ" مع الأردنّ؟ أبدًا لم يكن، وهناك شكّ في أن يكون في المستقبل المنظور، زعيم عربيّ مثل الملك حسين الذي أراد صنع سلام "هدم الأسوار" مع الإسرائيليّين، سلام التعاون الواسع والعلاقات بين الشعبين.
 بالإضافة إلى ذلك، فقد أعلن مخطّطو هذا السلام المميّز، من كلا جانبي الحدود، بغبطة عن نيّتهم تأسيس العلاقات على منظومة ضخمة من المشاريع المشتركة في مسائل الاقتصاد والبنية التحتيّة التي سيتمّ إخراجها إلى حيّز التنفيذ على أساس الشراكة، وتُقدّم إلى المنطقة بأسرها مثالًا يُحتذى به. 
لم يضعوا نصب أعينهم "صناعة السلام" فحسب، بل أيضًا "بناء السلام" بكلّ ما تحمله الكلمة من معنًى، معبّرين عن ذلك في معاهدة السلام والاتّفاقيّات التي وقّع عليها الجانبان. 
كان من شأن نجاح هذا المشروع أن يتيح للسلام أن يضرب جذورًا قويّة، ويجعله أكثر صمودًا في وجه القلاقل، وربّما يترك لدى الشعوب المجاورة أثرًا إيجابيًّا في النظرة إلى السلام مع إسرائيل. 
لكن لم يمرّ وقت طويل منذ التوقيع على معاهدة السلام، حتّى تبيّن أنّ إسرائيل لا تعمل بجدّيّة من أجل تحقيق هذه الرؤية وأنّ ثمار السلام لم تُجْنَ. كما أنّ ميل السياسيّين إلى تكرار التصريح من على مختلف المنصّات عن أنّ السلام يحمل في طيّاته الازدهار، لم يُثمر لدى الأردنيّين الذين ساء وضعهم الاقتصاديّ، إلّا خيبات الأمل والإحباط. 
بالإضافة إلى ذلك، نجد أنّ حكومات إسرائيل اتّخذت، بين الفينة والأخرى خطوات تجاهلت، من منطلق اللامبالاة أو الاستخفاف، الضرر الذي تلحقه بالقيادة الأردنيّة والإحراج الذي تسبّبه لها.
 لقد شعر الملك حسين في أواخر أيّامه بعدم الارتياح، كما راوده شعور باليأس من "السلام الدافئ". لقد فتُر السلام، لتصل الأمور إلى درجة أنّ خَلَفَه في الحكم، عبدالله الثاني، وصف العلاقات في نهاية المطاف بأنّها "سلام بارد". 
يصف هذا الكتاب كيفيّة حدوث هذا التدهور، وخلال ذلك يروي قصّة حزينة، إن لم تكن مأساويّة بالفعل. في فترة صناعة السلام مع الأردنّ وصل التحسّن في علاقات إسرائيل مع العرب وتداخلها مع العالم العربيّ إلى مستوًى غير مسبوق
. على سبيل المثال فتحت الدول العربيّة في شمال أفريقيا والخليج حدودها أمام الزوّار الإسرائيليّين، وقد تمّ تبادل وفود بمستويات مختلفة معها. 
شارك الآلاف من الإسرائيليّين والعرب – من القطاعين الخاصّ والحكوميّ – في منتديات متخصّصة ناقشوا فيها معًا تطوير المنطقة والنهوض بها. 
سادت أجواء من التفاؤل بسبب احتمال حلّ الصراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ، وذلك في أعقاب اتّفاقيّة أوسلو، ليس في دول العالم فحسب، بل في الدول العربيّة أيضًا. 
مثّلت اتّفاقيّة السلام مع الأردنّ، كما ذكرنا، نموذجًا للسلام بين الشعوب يخترق حدود "السلام البارد". لوحظ في إسرائيل أيضًا التي قادتها حكومة رابين وجود تقارب بين اليهود والعرب وهو ما لم يكن معهودًا في الماضي. لكن من هذه النقطة فصاعدًا حدث التدهور الحادّ الذي ما زال مستمرًّا في أيّامنا هذه. 
لم تنجح إسرائيل في الاستفادة من هذه البدايات وتحفيزها بهدف توسيع نسيج السلام، كما أنّه لم يتمّ تحقيق الفرص الكامنة التي أنتجتها هذه البدايات.
 لم تقم الحكومات الإسرائيليّة السبع التي حكمت إسرائيل بعد التوقيع على اتّفاقيّة السلام بدفع العمليّة السلميّة مع جيران إسرائيل ولو بخطوة واحدة، ولم تدرك القدس بالقدر الكافي أنّ جودة السلام مع الأردنّ مشروطة بالفعل – إنْ لم يكن من الناحية النظريّة – بدفع العمليّة السياسيّة. كلّ ما تبقّى لنا هو أن نتمنّى أنّه في حال فُتحت نافذة فرص كهذه مرّة أخرى في أيّ وقت في المستقبل، أن تُطبّق وتُذوّت الدروس المستفادة من هذه الفترة.
الأساس التاريخيّ فضلًا عن الدروس التي يمكن استخلاصها من تجربة صناعة "السلام الدافئ" مع الملك حسين، فإنّ هناك قيمة لاسترجاع أحداث هذه المسألة في حدّ ذاتها، حيث يجسّد ذلك فترة متميّزة في تاريخ دولة إسرائيل. 
كتابة التاريخ، كما هو معلوم، ضرورة حتميّة غير مشروطة يحتاجها كلّ مجتمع مستدام. إنّ الإسهام الذي يريد هذا الكتاب تقديمه لعلم التاريخ الإسرائيليّ ينهل من مصدرين اثنين هما، شهادتي الشخصيّة، إذ كنت مشاركًا في هذه الأحداث، والدراسة الكاملة التي قمت بها على أساس مجموعة من المصادر الإسرائيليّة والأردنيّة. يمكن أن يكون ذلك أيضًا إسهامًا متواضعًا في مجال التاريخ الدبلوماسيّ.
تشكّل مسألة فشل "السلام الدافئ" التي يقوم عليها هذا الكتاب المبدأ الذي ينظّم فصوله. وقد أدخل وفقًا لذلك، بين الفصل الذي يناقش الجانب الأردنيّ في فترة حكم الملك حسين (وهو الفصل الثالث) وبين الفصلين اللّذين يتناولان فنّ إدارة الدولة لدى إسرائيل في عهد حكومات رابين وبيرس ونتنياهو (الفصلان الخامس والسادس)، فصلًا منفصلًا يركّز على القرارات الإسرائيليّة الأساسيّة الخمسة التي ألحقت الضرر بالقيادة الأردنيّة وعكّرت صفو العلاقات بين البلدين في الفترة موضوع البحث (الفصل الرابع). خصّصت في هذا الكتاب فصلًا خاصًّا لتراجع المشاريع والتعاون في مجالات الاقتصاد والبنية التحتيّة (الفصل السابع). أمّا الخاتمة، فتتناول اختصارًا التطوّرات التي طرأت حتّى أيّامنا هذه وتعرض للسؤال المطروح، خاصّة في ظلّ تحوّلات "الربيع العربيّ"، وهو هل كان تدهور العلاقات أمرًا لا مفرّ منه؟