السودان.. اقتلاع دولة الإخوان وليس نظام البشير

لابد من وضع الأمور في نصابها وعدم الانسياق وراء دعاية تنظيم الإخوان الفاشل والتعامل مع الموقف في السودان على أنه اقتلاع نظام البشير لأن الحقيقة أن الذى تم اقتلاعه هو دولة التمكين التي أسسها تنظيم الإخوان.

بقلم: نصر محمد عارف

يحاول تنظيم الإخوان الفاشل عبر أذرعه الموجودة في قطر وتركيا أن يجعل من الرئيس السوداني السابق عمر البشير كبش فداء لتبييض وجه الجماعة، وتحقيق عملية هروب كبير من تحمل مسئولية فشل دولة التمكين في السودان، تلك الدولة التي سوق لها تنظيم الإخوان عبر أكثر من عقدين من الزمان على أنها التجربة الأولى لتحقيق تمكين تنظيم الإخوان من حكم دولة بحجم وأهمية السودان.

إن الهجوم على الرئيس البشير بهذه القسوة خصوصاً من قيادات وأدوات تنظيم الإخوان الهاربين من مصر يستبطن حالة معقدة من الغدر والخيانة والبراءة من الأخلاق، لأن نظام البشير هو الذى ضحى بكل تاريخ وعمق العلاقة مع الدولة المصرية؛ ووقف مع الإخوان منذ 25 يناير 2011 وحتى سقوطه، فعمليات تهريب الإرهابيين من مصر واليها تمت من الحدود الجنوبية، تحت سمع وبصر وبمساعدة نظام البشير، ومعظم الموجودين في تركيا وقطر من إخوان مصر خرجوا هروبا عبر الحدود مع السودان، وبدعم ومساندة من نظام البشير.

على الرغم من أن نظام البشير كان له الفضل في إنقاذ حياتهم من أحكام الإعدام أو السجن فإنهم صبوا جام غضبهم وسخطهم على نظام البشير، كل ذلك من أجل تبييض وجه التنظيم الفاشل، وصناعة كبش فداء كبير يُضحى به على مذبح الجماعة وقيادتها، فلا ينسب الفشل في السودان الى تنظيم الإخوان، وإنما لنظام البشير. وهذا الموقف من قيادات وأدوات تنظيم الإخوان الفاشل يعبر عن أعلى درجات الغدر والنذالة والخيانة والطعن في الظهر لمن قدم لهم المعروف وساعدهم بكل ما يملك من قوة، ووضع من أجلهم مصالح دولته على المحك مع الشقيقة مصر.

الشعب السوداني اقتلع دولة تنظيم الإخوان وليس نظام البشير، الرئيس البشير كان واجهة لدولة التنظيم، فمنذ انقلاب 1989 الذى أطلق عليه تنظيم الإخوان الفاشل ثورة الإنقاذ، والسودان يحكمه تنظيم الإخوان في نسخته الثورية التي صنعها حسن الترابي رحمة الله عليه، وكل ما تم بعد ذلك كان تطبيقاً لنظرية الحكم عن الإخوان، وتنفيذا كاملا لرؤية الإخوان، فقد تمت أخونة الدولة منذ اليوم الأول لانقلاب 1989، وهيمن التنظيم على كل مفاصل الدولة حتى الجيش والقوى الأمنية، وأذكر أنني حضرت احتفالات العيد الأول لثورة الإنقاذ في أغسطس 1990، وحينها ذهب الضيوف لزيارة معسكر القطينة لقوات الدفاع الشعبي التي كانت تحارب في جنوب السودان، واستقبلنا عقيد من الجيش الوطني السوداني، كان معه ملازم أول من أتباع التنظيم، وكانت المفاجأة أن العقيد لا يتكلم الا بإشارة من الملازم الأول الذى يفترض أن يقف (انتباه) في حضرة قائده.

بعد ذلك تم احتكار قيادة الجيش والشرطة والأمن للكيزان، أتباع التنظيم، فأصبح الالتحاق بهذه الكليات مقصورا على الكيزان، والكوز أو السطل في لغة بعض مناطق مصر يطلق على أتباع تنظيم الإخوان، فقد وصف الدكتور حسن الترابي علاقة تنظيم الإخوان بالإسلام فقال: الدين بحر ونحن كيزانه، أى أنهم هم الوسيلة الوحيدة التي يرتوى بها البشر من الدين، وهو الطريق الوحيد للدين، هذه الرؤية جعلت الكيزان يحتكرون الدين ثم الدنيا، فبدلا من أن يغرفوا من الدين ليرتوى من أيديهم الناس العطاشى للروحانيات، أخذوا يغرفون من الدولة والمال العام فجاع أهل السودان الغنى، وعطشوا وهم نبع الماء والخير لغيرهم.

منذ انقلاب 1989 ونظام دولة التمكين في السودان يدعى لنفسه تمثيل الإسلام وقيادة الإسلام في العالم، فقد أنشأ الدكتور الترابي المؤتمر الشعبي الإسلامي ليكون بديلا عن الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي في حينها، وجمع ممثلين عن الدول والمجتمعات المسلمة، ووضع نفسه في موقع القيادة للعالم الإسلامي، وفتح هذا النظام أبواب السودان لأتباع تنظيم الإخوان من كل أنحاء العالم، خصوصاً من الدول التي تعاملهم بما يستحقون. كذلك تمت صياغة العلاقات الخارجية للسودان طبقاً لرؤية تنظيم الإخوان الفاشل ابتداء من تمكين إيران من موقع في البحر الأحمر الى تمكين تركيا من حدود جزيرة سواكن، والانخراط في الحرب الأهلية في ليبيا لدعم تنظيم الإخوان هناك...إلخ.

منذ 1989 وحتى 2019 والذى يحكم السودان هو تنظيم الإخوان، وكل القيادات من تنظيم الإخوان، والذى نهب ثروات السودان هم أفراد تنظيم الإخوان، والذى قسم السودان وتنازل عن نصفه هم قيادات تنظيم الإخوان، والذى أشعل حروبا أهلية في شرق السودان وغربه وجنوبه هم رموز تنظيم الإخوان.

 لذلك لابد من وضع الأمور في نصابها وعدم الانسياق وراء دعاية تنظيم الإخوان الفاشل، والتعامل مع الموقف في السودان على أنه اقتلاع نظام البشير، لأن الحقيقة أن الذى تم اقتلاعه هو دولة التمكين التي أسسها تنظيم الإخوان، وتحولت الى أفشل وأفسد نظام للحكم في تاريخ العرب والمسلمين، فقد أضاعوا نصف إقليم الدولة وفككوا الباقي، ونهبوا الثروات، وحولوا أغنى دولة في إفريقيا الى حالة من الفقر يحتاج شعبها للإعانات.

نشر في الأهرام