السودان.. الدعوة الإسلامية منظمة إخوانية النشأة

المعركة من أجل استعادة كل الأموال المنهوبة التي راكموها عن طريق نهب مؤسسات الدولة مثل: أصول القطاع العام والتسهيلات والرخص التجارية والإعفاء من الضرائب.

بقلم: تاج السر عثمان

 أصدرت لجنة "إزالة التمكين" الجمعة 10/4/ 2020 قرارا بحل وإلغاء تسجيل منظمة "الدعوة الإسلامية"، وحجز واستعادة ممتلكاتها وأصولها داخل السودان وخارجه لصالح الدولة علي أن تؤول لوزارة المالية، وإلغاء سجل الشركات المملوكة للمنظمة ومشاريعها الاستثمارية، والغت اتفاقية المقر، واغلاق مكتب السودان، مشيرة الي أن مقر المنظمة بالعاصمة شهد تسجيل البيان الأول لانقلاب الرئيس المعزول عمر البشير قبل استلامه للسلطة في يونيو 1989.

كان ذلك قرارا مهما، ويصب في مصلحة شعب السودان، وجعل البلاد خالية من الإرهاب والفساد باسم الإسلام، فمنظمة "الدعوة الإسلامية"، كانت بعيدة عن أهدافها في: نشر الإسلام، وقيم التسامح والتعايش، وإعانة المحتاجين.. الخ، بل كانت وكرا لنشر الإرهاب في السودان وافريقيا، كما أكدت تجربة 40 عاما من تكوينها، ومن داخلها تم تسجيل بيان انقلاب 30 يونيو 1989 الذي قوض الديمقراطية، ودمر البلاد والعباد، وتمّ نهب ثروات البلاد وأصولها، وفصل الجنوب، وتمت الابادة الجماعية في دارفور حتى أصبح راس النظام البائد ومن معه مطلوبين للجنايات الدولية.

معلوم أن منظمة "الدعوة الإسلامية" أنشاها تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة الترابي في العام 1980، وفق قانون الهيئات التبشيرية لعام 1961، وباتفاقية مقرة وفق قانون أجازه مجلس الشعب، ووقع عليه الرئيس نميري، وتم تجديد القانون بعد انقلاب الإسلاميين عام 1990 الذي منح المنظمة امتيازات وحصانات ضاهت البعثات الدبلوماسية، ومُنحت امتيازات وإعفاءات جمركية وضريبية، ومن العوائد، والتعامل بالعملات الأجنبية، وتم منحها الحق في تسجيل أراضي باسمها، علي سبيل المثال: تمّ منحها قطعة أرض بالخرطوم مساحتها 4 950 مترا مربعا، وتُقدر قيمتها بخمسة مليون دولار بهدف إنشاء أبراج الخير الوقفية، حتى اصبحت فعلا دولة داخل دولة، وقد شغل المشير سوار الذهب المعروف بميوله الإسلامية منصب رئيس مجلس أمناء المنظمة منذ تركه الرئاسة في 1985 وحتى رحيله في 2018 .

من أهم مؤسسات المنظمة الاقتصادية مؤسسة "دان فوديو القابضة" التي أسستها مع المنظمة الحركة الإسلامية عام 1981، وبعد انقلاب الإسلاميين في يونيو 1989، تحولت شركة دان فوديو إلى اخطبوط اقتصادي ضخم ومخلب للإسلاميين لنهب ممتلكات وثروات الدولة، تحت مظلة منظمة الدعوة الإسلامية، وسيطرت علي الغالبية العظمى من قطاع الانشاءات والنقل والترحيل، واصبحت الشركة في وضع احتكاري تُمنح لها العطاءات الضخمة دون منافس، وخرج بسببها الكثير من المقاولين من السوق.

علي سبيل المثال: من شركات دانفوديو: المقاولات والطرق، طيبة الهندسية، سوريبا، التجارية، خدمات البترول، مركز الدراسات الهندسية والتقنية، عابر ة للنقل، سالكا للنقل، مصنع الغازات الصناعية، الكنار للأدوية..الخ. هذا إضافة لمشاركتها باسهم في بعض الصناعات مثل: شركة أسمنت بربر التي ساهمت فيه بنسبة 20 %، وفي انشاء خط أنابيب صادر النفط الذي بلغ طوله 1610 كلم، وقطره 28 بوصة، وسعته حوالي 5 ملايين برميل، وتكلفته 1,2 مليار دولار، مما عزز وضعها الاحتكاري أنها امتلكت اسطولا ضخما من المعدات والآليات، وأنشأت أكثر من 500 من المشاريع الكبيرة في غياب المنافسة أهمها :صالات مطار الخرطوم، مبنى الخطوط الجوية السودانية، مبنى الشركة العربية لتنمية الثروة الحيوانية، هيلتون بورتسودان، مبنى سوداتل، مجمع سوق الذهب المركزي،، مجمع ساريا التجاري، البنية التحتية لخزان سد مروى..الخ ( للمزيد من التفاصيل: راجع صحيفة الشرق الأوسط : 16 / 10/ 2002). والجدير بالذكر أن شركة التطور العربية لصاحبها الشيخ جمعة بن فهد أعلنت عن استثمارها في دانفوديو بمبلغ 25 مليون دولار، ودخولها شريكا بمثل: بنسبة 50 % من رأسمال الشركة، وقدمت لها معدات ومقاولات ساهمت في دعمها .

كما أشرنا سابق، لم تكن منظمة "الدعوة الإسلامية" رافدا فقط لنظام الانقاذ أو الإسلاميين، بل تحولت إلي أحد روافد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، بحكم أن قطر كانت الداعم الرئيسي، وأن اعتمادها الرئيسي علي مكتب قطر، بهدف تنفيذ مخطط قطر وتركيا للتغلغل في جنوب السودان وأفريقيا باسم العمل الإنساني لنشر المنظمات الإسلامية المتطرفة الإرهابية فيها، بحكم عمل المنظمة في أكثر من 40 دولة افريقية وآسيوية.. الخ، مما ربط الكثيرون منظمة الدعوة الإسلامية وجامعة أفريقيا بنشر الإرهاب في أفريقيا: وتكوين تنظيمات إرهابية مثل: بوكو حرام، والشباب الصومالي، وتم تصنيف السودان كدولة راعية للإرهاب.

 كان السودان مرتعا للإرهاب، عندما دعا الترابي في منتصف تسعينيات القرن الماضي التنظيمات الارهابية للسودان ضمت بن لادن وكارلوس، وكل صنوف الارهابيين من العالم، وساهم قادة النظام في محاولة اغتيال حسنى مبارك، بالتالي ارتبطت منظمة الدعوة الإسلامية بالإرهاب الدولي، بالتالي فان حلها يصب في مجرى تصفية السودان من الارهاب، وضرورة استكمال استعادة الموال المنهوبة .

ما يؤكد أن منظمة "الدعوة الإسلامية" إخوانية النشأة ما ذكره حسن الترابي في مؤلفه "الحركة الإسلامية في السودان: التطور والمنهج والكسب، الشركة العربية العالمية باكستان، 1989 في حديثه عن الفترة( 1977- 1984) عن منظمة الدعوة الإسلامية، يقول في هذه الفترة: إنهم "أقاموا المؤسسات الاقتصادية الإسلامية، واهتموا بالجنوب منظمة الدعوة الإسلامية: تبشير، خدمة اجتماعية، عمل خيري فرع من العمل التبشيري، وتحدى المنظمات الطوعية التي أقبلت علي السودان بسبب اللاجئين والمجاعة، وتكثيف العمل الاجتماعي الطوعي ليستوعب طاقات الشباب المقبلين علي الحركة في ظروف لا يتسر فيها التغيير السياسي الكامل"(ص 37- 38).

كما يقول الأمين الحاج محمد أحمد حول منظمة الدعوة الإسلامية في كتابه " الحركة الإسلامية في السودان: السلبيات والايجابيات، 1944 – 1989مركز الحق الالكتروني للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، 1994، الذي أشار فيه للمرحلة الثالثة من مراحل التنظيم : مرحلة التغلغل والبناء أو مرحلة الانفتاح : ( 1976 – 1989) التي تم فيها انشاء منظمات مثل :

  • منظمة الدعوة الإسلامية
  • الوكالة الإسلامية للإغاثة
  • جمعية رائدات النهضة
  •  جمعية شباب البناء
  •  جمعية الإصلاح والمواساة
  •  مؤسسة دان فوديو الخيرية ... الخ 

كما أقاموا مؤسسات تعليمية مثل:

  • إنشاء المركز الإسلامي الأفريقي 
  •  كلية القران الكريم
  •  عدد من المدارس الابتدائية ورياض الأطفال التابعة لمنظمة الدعوة الإسلامية ( لمواجهة التعليم الكنسي والتجاري) 

أيضا: اقتحموا السوق والتجارة، وهاجروا للخليج بعد انقلاب مايو 1969 م حتى توسعوا في العمل التجاري، كما انشأوا المصارف الإسلامية (بنك فيصل الإسلامي، التضامن الإسلامي)، كما انشأوا عددا من شركات التأمين والمؤسسات التجارية والعقارية مما خلق بديلا للمصارف الربوية حسب ما كانوا يزعمون (انظر: الأمين محمد احمد: الحركة الإسلامية في السودان: السلبيات والإيجابيات، الصفحات: 32 – 44) .

كما يؤكد المحبوب عبد السلام، إنشاء الحركة الإسلامية لمنظمة الدعوة الإسلامية، في مؤلفه الناقد لتجربة الحركة بعنوان " الحركة الإسلامية السودانية : دائرة الضوء وخيوط الظلام، ص 338، بعد حرب الخليج الثانية، وموقف نظام الانقاذ الداعم لاحتلال الكويت: "أصابت العلاقة العربية المتدهورة المؤسسات الإنسانية والتعليمية التي أنشأتها الحركة بدعم الأنظمة العربية، لا سيما الخليجية، وقد وقع أكبر الضرر علي منظمة الدعوة الإسلامية، وذراعها الإغاثي الوكالة الإفريقية الإسلامية للإعانة، كما أصابت جامعة أفريقيا، اذ تأثرت جمعيها بانسحاب بعض دول الخليج من مجالس الأمناء".

معلوم أن الرأسمالية الطفيلية الإسلامية نمت وتطورت بعد المصالحة الوطنية عام 1977 التي شارك فيها الإخوان المسلمين بقيادة الترابي، وكان التقدير أن للإخوان المسلمين حوالى 500 شركة من كبيرة وصغيرة في عام 1980 م، وتصل حجم رؤوس أموالهم لأكثر من 500 مليون دولار متداولة من بين هذه الشركات في الداخل(عصام الدين مرغني: الجيش السوداني والسياسة، القاهرة 2002 ص 225).

وبعد انقلاب 30 يونيو 1989، سيطر الأثرياء من الإسلاميين على مفاتيح الاقتصاد الوطني عن طريق البنوك الإسلامية وشركات التأمين والاستثمار الإسلامية وشركات الصادر والوارد والتوزيع والشركات المساهمة الكثيرة، والمنظمات التي تلتحف ثوب الأعمال الخيرية مثل: منظمة الدعوة الإسلامية، وذراعها الاقتصادي دانفوديو كما وضحنا سابقا، والشهيد، السلام والتنمية.. الخ،

وكانت تلك المؤسسات قبل الانقلاب وراء تزوير الانتخابات في عام 1986 م عن طريق الفساد والرشوة، وخلق الأزمات الاقتصادية والأزمات في المواد التموينية من اجل نسف استقرار النظام الديمقراطي، وكانت وراء تخزين قوت الناس في مجاعة 83 / 1984، وحملات ومواكب أمان السودان، حتى تغلغلوا وسط الجيش باسم الإسلام ودعم القوات المسلحة خلال فترة الديمقراطية الثالثة حتى نفذوا انقلاب 30 يونيو 1989 م الذي سجلوا بيانه داخل مباني منظمة الدعوة الإسلامية، بواسطة تنظيمهم العسكري داخل الجيش وبالتنسيق مع مليشيات الجبهة القومية الإسلامية، بعد تكوين الحكومة الموسعة والاقتراب من الحل السلمي لمشكلة الجنوب دفاعا عن مصالحهم الطبقية والاقتصادية الأنانية الضيقة ومؤسساتهم المالية، وهذه المصالح هي التي حركت هذا التنظيم لتقويض الديمقراطية، وفرض نظام شمولي فاشي ظلامي دفاعا عن تلك المصالح ولتنمية وتراكم ثرواتها على حساب الشرائح الرأسمالية الأخرى .

بالتالي مهم مواصلة المعركة من أجل استعادة كل الأموال المنهوبة التي راكموها عن طريق نهب مؤسسات الدولة مثل: أصول القطاع العام، والتسهيلات والرخص التجارية والإعفاء من الضرائب، والاعتداء علي المال العام، والمرتبات العالية لكادر الدولة الإسلامي المدني والعسكري، الذي يشغل وظائف قيادية في جهاز الدولة، والصرف المفتوح تحت البنود لهذا الكادر، والإعفاء من الجمارك والضرائب والعوائد، والبذخ في الصرف على مكاتب هذا الكادر، وتكثيف جباية الضرائب والفساد ونهب موارد الدولة المالية والعائد من الضرائب والزكاة والأرباح الهائلة التي يحصل عليها تجار الجبهة الإسلامية من حرب الجنوب ودارفور..الخ(تجار الحرب) وبعد استخراج الذهب والبترول اصبح ذلك من أهم مصادر تراكم الرأسمالية الطفيلية الإسلامية مما يتطلب ضم كل شركات الذهب والبترول وشركات المحاصيل النقدية للدولة، وضم كل شركات القوات النظامية للدولة والمالية، ووقف تجارة العملة وسيطرة بنك السودان علي النقد الأجنبي، والسوق الأسود واحتكار قوت الناس والسلع الاستراتيجية، والاستيلاء علي شركات التوزيع الأساسية وتمليكها لتجار وشركات الجبهة الإسلامية، والاستثمار في العقارات والمضاربة على الأراضي، ومشاريع الزراعة الآلية والثروة الحيوانية والتوسع فى تصدير الثروة الحيوانية، واستيلاء مؤسسات الجبهة الإسلامية على مؤسسات تسويق الماشية، ونهب أموال وعقارات المعارضين السياسيين (الغنائم).

خطوة لجنة إزالة التمكين حول حل منظمة الدعوة الإسلامية واستعادة 153 من قطع الأرض منها وأن جاءت متأخرة الا أنه يجب الإسراع في تفكيك التمكين واستعادة كل ممتلكات الشعب المنهوبة.

كاتب سوداني