السودان.. عصر الدولة الدينية ولى بلا رجعة

مهمة الترويج للعلمانية لا تقتصر على التجمع بل أضحت مسؤولية على عاتق كل أنصار العلمانية في السودان الذين يؤمنون بضرورة اتخاذها نظاما سياسيا يكفل التداول السلمي للسلطة ويعزز العدل والمساواة بين مكونات المجتمع ويرسخ سلطة القانون ونزاهة القضاء ويمنع الاستبداد بالحكم.

بقلم: منصور الحاج

إن مهمة الترويج للعلمانية لا تقتصر على التجمع، بل أضحت مسؤولية على عاتق كل أنصار العلمانية في السودان الذين يؤمنون بضرورة اتخاذها نظاما سياسيا يكفل التداول السلمي للسلطة ويعزز العدل والمساواة بين مكونات المجتمع ويرسخ سلطة القانون ونزاهة القضاء ويمنع الاستبداد بالحكم.

لقد بات من الضروري على أنصار العلمانية الانتقال إلى مرحلة الجهر بالدعوة والترويج لها والدفاع عنها في كل المنابر والأركان ووسائل التواصل الاجتماعي والرد على التشويه المتعمد للمفهوم من قبل رجال الدين الذين يتحدثون فيما لا يفقهون.

آخر أولئك "الجهلاء" الذين خصصوا خطبة صلاة الجمعة لتشويه مفهوم العلمانية كان الشيخ محمد عبد الكريم، الذي مارس دور أقرانه من وعاظ السلاطين بالتبرير للبشير ونظامه وإلقاء اللوم على الشعب وجماهيره من المصلين على تدهور الأوضاع في البلاد بقوله في ذات الخطبة إن "الشؤم والمصائب التي تقع في البلاد والعباد هي بسبب ما فعل الناس" واستدل بالآية التي تقول: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم".

سخر عبد الكريم في خطبته التي حملت عنوان: "السودان ودعاوى العلمانية" من زعيم تجمع المهنيين دون أن يسمه باسمه ونقل عنه أنه قال: "إنني لا أدعو للعلمانية ولكنني أدعو إلى تجريد الدين عن الدولة حتى لا يستغل الدين". وقال عبد الكريم في معرض رده على زعيم تجمع المهنيين: "كأنه يقول لنا إن سبب مشكلاتنا اليوم هو وجود الدين في الدولة مع أن كل أحد يعلم بأن الدولة لم تلتزم بالدين ولو التزمت بالدين حقا لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه".

واتهم عبد الكريم تجمع المهنيين بـ"محاولة خداع الناس والجماهير بأن المشكلة هي مشكلة الدين" ووصف العلمانية بأنها "دين الغرب" وقلل من أهميتها قائلا: "وكأن الحل لمشكلاتنا يكمن في هذه الأداة السحرية: العلمانية"، مردفا: "وهذا كذب وزور لأن العلمانية لم تحقق السعادة للبشرية".

أتمنى من تجمع المهنيين إصدار بيان يفند زيف ادعاءات هذا الخطيب وجهله ونفي التهم التي أوردها في خطبته وتوضيح أسباب معاداته وأمثاله من وعاظ السلاطين الذين يعتاشون على فتات موائد الطغاة وقد عرف عنهم على مر التاريخ موالاتهم للحكام الظالمين الذين يستعينون بهم من أجل إسباغ الشرعية على حكمهم في مقابل منحهم هامشا من الحرية للترويج لجهالاتهم وخزعبلاتهم وفتاواهم التكفيرية.

وفي الوقت الذي حمل فيه الخطيب العلمانية ـ بدون أي رابط منطقي ـ مسؤولية الحروب والاستعمار واتهمها بنشر "الانحلال" في العالم وزيادة حالات الانتحار، فإنه لن يتوانى أبدا في نفي أن يكون الإسلام ـ كدين لم يقدم آلية واضحة للتداول السلمي للسلطة وفض النزاع بين الأطراف المتنازعة على الحكم ـ هو السبب في اغتيال الخلفاء عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب.

إن عبد الكريم وأمثاله من رجال الدين الذين يعادون العلمانية في منابر المساجد وفي الفضاء الإلكتروني يعلمون علم اليقين بأن سلطتهم الدينية ستزول مع زوال الأنظمة المستبدة وتبني الشعب للعلمانية كنظام للحكم يحترم الحقوق والحريات وعلى رأسها حرية التعبير والاعتقاد لأنها تشجع التفكير النقدي وتتيح المجال لأصحاب الفكر لمجابهة خزعبلاتهم وكشف جهلهم ونفاقهم.

إنه وأمثاله يعارضون العلمانية لأنها تمنح المرأة حقوقها، التي لا تعترف لها بها الشريعة الإسلامية، ولأنه وأمثاله يؤمنون بمبدأ الإكراه وعضل الناس على التقيد بعادات وعقائد وممارسات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عن صفحة الحرة
مختصر مقال: قل يا صلاح شعيب: نريد السودان دولة علمانية