السودان يخرج من حفرة الاخوان

في خضم الكارثة التي كان الشعب السوداني يعيشها كان الرئيس الاخواني عمر البشير يعلن عن انتصاراته الكئيبة.
البشير كان يقود ثورة اخوانية حاملا عصاه وهو يرقص
السودان بحاجة ماسة إلى يد العون لكي ينسى ماضيه الاخواني المظلم ويلتحق بالعصر
من المضحك أن يتحدث البعض بغضب عن إقبال السودان على تطبيع علاقاته مع إسرائيل

كانت سنة 1989 سنة شؤم بالنسبة للسودان، دولة وشعبا. فبعد أن قام عمر البشير بانقلاب عسكري أطاح من خلاله بحكومة الصادق المهدي المنتخبة بدا واضحا أن البلد قد سلم قياده لجماعة الاخوان المسلمين. وكان الاخواني حسن الترابي الأب الروحي للانقلابيين وفي مقدمتهم البشير نفسه.

يومها سار السودان في الطريق التي لا رجعة منها وهي طريق الارهاب. اختلط الدين بعالم الجريمة وصار السودان يبتعد عن العالم حتى اختفى نهائيا وهو يحمل على عاتقه مسؤولية عدد من الجرائم الكبرى التي نفذها منتسبو تنظيم القاعدة حول العالم. اما لماذا ارتبط السودان بتلك الجرائم؟ فلأنه كان الملاذ الامين لأولئك القتلة.

لقد رفع البلد الذي يعاني سكانه من مشكلات معقدة راية الجهاد. ولم يكن ذلك الجهاد سوى الاسم الحركي لقتل المدنيين بحجة محاربة الشيطان الأكبر حسب التسمية الإيرانية. لقد أدخل الترابي من خلال تلميذه الوفي الذي انقلب عليه في ما بعد عمر البشير السودان في دوامة لم يكن البلد الفقير يقوى على مواجهتها أو الخروج منها.

وهذا ما حدث حين تم ضم السودان إلى قائمة الدول الراعية للإرهاب. يومها فرضت عليه عقوبات دولية فتحت أمام البشير باب الحروب الاهلية التي لم يجد أمامه بديلا عنها من أجل أن ينهي حالات التمرد التي صارت الحركات الثورية تتسابق في الالتحاق بها. وفي سياق تلك الحروب ارتكب نظام الحكم بقيادة البشير جرائم ضد الإنسانية كانت الابادة البشرية عنوانها.

وفي ظل الاهمال الدولي الذي أحيط به السودان كان البشير يقود ثورة اخوانية حاملا عصاه وهو يرقص محاطا بحشود من مناصريه الذين صاروا يتنقلون بخفة بين تحولاته في الطريق المظلمة التي لا نهاية لها. في هذه الاثناء فرغت سلة الغذاء وصار السودان محكوما بقوانين الشريعة المكان الأمثل الذي تشير إليه جماعة الاخوان باعتباره نموذجا لنجاح تجربتها في عزل شعب عن الحياة الحديثة.

في حقيقته فقد خسر السودان وقتا عزيزا لا يمكن تعويضه وفي واقعه فقد شهد نزوحا لكفاءاته العلمية والفكرية لا يمكن استعادتها. ولم يربح إلا حيل الترابي وألعابه اللغوية فيما عمل البشير على تمزيق نسيجه الاجتماعي واضعا الولاء للجماعة الاخوانية فوق الولاء للوطن الذي صار سياجه أعلى من أن يتم التطلع من خلاله إلى العالم.

لم يكن البشير مستبدا يملك مشروعا وطنيا، بل كان جاهلا أميا انتزعه فكر الاخوان من الواقع وصار يغريه بالخلافة في عالم خيالي. وهو ما يسر له تبني الجماعات الارهابية ودعمها على حساب مصير الشعب السوداني الذي لم يعد قادرا على رؤيته. في خضم الكارثة التي كان الشعب السوداني يعيشها كان الرئيس الاخواني يعلن عن انتصاراته الكئيبة.

الآن يقبع البشير في السجن وأعادت الدولة الجديدة النظر في علاقة الدين بالدولة. تلك خطوة ثورية كان لابد منها من أجل أن يخرج السودان من الحفرة الاخوانية التي وقع فيها منذ أكثر من ثلاثين سنة ومن أجل أن يخرج إلى العالم باعتباره دولة ضائعة في حاجة إلى اعادة تأهيل ليكون صالحا للانتساب إلى العائلة الدولية.

ومن المضحك فعلا أن يتحدث البعض بغضب عن إقبال السودان على تطبيع علاقاته بإسرائيل. ذلك لأن اسرائيل كانت مرنة ولينة حين قبلت بأن تقيم علاقة دبلوماسية مع دولة مثل السودان. ينبغي أن نرى بعيون مفتوحة وأن لا نسمح للعمى العقائدي بأن يمنعنا من رؤية الحقائق كما هي.

صحيح أن السودان قد تم اخراجه من لائحة الدول الراعية للإرهاب غير أنه في حاجة ماسة إلى مَن يمد له يد العون لكي ينسى ماضيه الاخواني المظلم ويلتحق بالعصر. ذلك ما لا يمكنه القيام به بنفسه. إنه في حاجة إلى دول متقدمة يتبادل معها المصالح. لديه ما يقدمه مقابل ما يُقدم إليه. وهو لا يملك وقتا لكي يراجع أجندات الجماعات الدينية التي أثبتت عبر أكثر من ثلاثين سنة أنها قادرة على تعقيد صلته بالعالم وتدميره.

السودان اليوم بلد ينبغي عدم مساءلته فهو في حاجة إلى إعادة تأهيل لا على مستوى علاقاته الخارجية حسب بل وأيضا على مستوى بنيته الداخلية. إنه يحتاج إلى الاشتباك بالمفاهيم العصرية التي يمكنه من خلالها أن يتخلص من آثار تراثه الاخواني وإلا لن يكون نافعا القبول به عضوا في العائلة الدولية فيما لا يزال مجتمعه متصلا بالفكر الاخواني.

الخروج من الحفرة الاخوانية معناه تنظيف المجتمع من آثار الاخوان.