السينما التونسية تعري ظاهرة التطرف والإرهاب

"فتوى" و"ولدي" يدوران حول علاقة الآباء بالأبناء، وعن السبب الذي جعل الآباء غافلين عن أبنائهم ، بحيث يصبحون لقمة سائغة للفئات المتطرفة التي تجندهم بحجّة الجهاد.
ظاهرة الإرهاب والتطرف، ستبقى مسيطرة على المضامين السينمائية العربية ما دام الإرهاب فارضا سيطرته وسطوته
أحداث فيلم "فتوى" تروي قصة عائلة الشاب المنقسمة فكريا وأيديولوجيا

بقلم: لمى طيارة

يبدو جليا أن ظاهرة الإرهاب والتطرف، ستبقى مسيطرة على المضامين السينمائية العربية ما دام الإرهاب فارضا سيطرته وسطوته، وتونس من بين البلدان التي ما زالت تعاني من الإرهاب، حتى ولو كان مجرد ظاهرة تختفي في لحظتها، فالأمن والأمان اللذان تعيشهما اليوم يجعلانها تفكر وتعمل مليا في سبيل الحفاظ عليهما.
قد ينتاب المشاهد الحاضر لفعاليات مهرجان قرطاج في دورته الـ 29 سؤال وحيد، لماذا يسيطر الفكر الإرهابي وظاهرة التطرف على مضامين الكثير من الأفلام المشاركة في دورة هذا العام، ربما لو انعقدت دورة مهرجان قرطاج السينمائي قبل الحادث الإرهابي الذي سبقها بأيام في العاصمة التونسية، تحديدا قرب المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة، وهو الشارع الذي يضم جل فعاليات المهرجان، لكان وقع التساؤل أقوى حول تلك الظاهرة، لكن الحادث بحد ذاته كان مبررا كافيا لكل السينمائيين، وخاصة التونسيين، للتطرق إلى الفكر الإرهابي والجماعات المتطرفة.
ضمت المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة في مهرجان أيام قرطاج السينمائية فيلمين تونسيين تدور أحداثهما حول ظاهرة التطرف والالتحاق بالجهاديين سواء داخل تونس أو خارجها، الفيلم الأول بعنوان "ولدي" للمخرج محمد بن عطية، والثاني بعنوان "فتوى" للمخرج محمود بن محمود.
الفيلمان يدوران حول علاقة الآباء بالأبناء، وعن السبب الذي جعل الآباء غافلين عن أبنائهم، سواء كانوا بعيدين عنهم أو بقربهم، بحيث يصبحون لقمة سائغة وسهلة المنال، للفئات المتطرفة التي تجندهم بحجّة الجهاد والدفاع عن الدين الإسلامي وغيرها.

تدور أحداث فيلم "فتوى" حول الأب إبراهيم الناطور، يلعب دوره باقتدار كبير الممثل أحمد الحفيان، يقرر إبراهيم العودة من فرنسا مكان إقامته إلى تونس، لحضور عزاء ابنه مروان الذي لقي مصرعه في حادث دراجة نارية، ليبحث عن سبب الوفاة، أو بالمعنى الأصح ليكتشف العالم الخاص بابنه الذي كان بعيدا عنه بحكم غيابه خارج تونس، والمخرج حين يطرح تلك القضية، يضع نصب عينيه اتهام الأسرة بانحراف هذا الشاب، وهو لا يخفي ذلك، حين يرى أن العائلات التونسية التي سافر أولادها إلى بؤر التوتر عاشت مأساة وألما كبيرين، وأن "الحل لن يأتي إلا بالتربية والتوعية والثقافة، وأن توريث القيم النبيلة هي السلاح الأنجح لمقاومة هذه الكارثة التي عشناها في تونس".
فعبر أحداث الفيلم، نتعرف تدريجيا على عائلة الشاب، المنقسمة فكريا وأيديولوجيا، فالأب يميل إلى نوع من الالتزام والتدين، بينما الأم سيدة أشبه بالعلمانية، ويبدو أن هذا الانقسام العائلي بكافة أنواعه مكانيا وفكريا وأيديولوجيا، قد دفع الابن ليكون لقمة سهلة لدى بعض الجهاديين والمتطرفين لضمه إلى صفوفهم، ولكن مع أول خطأ يرتكبه، تصدر بحقه فتوى تودي بحياته.
يكتشف الأب عبر مجرى الأحداث أنه لا يعرف شيئا عن ابنه، حتى أن الأم التي تقيم مع ابنها، بعيدة كل البعد عن تفاصيل حياته وعقيدته.
وكان الفيلم قد حصل على التانيت الذهبي في ختام الدورة الـ29 للمهرجان في حين حصل بطله أحمد الحفيان على جائزة أحسن ممثل.
والفيلم من إنتاج تونسي بلجيكي، تقصّد المخرج أن يجعل تاريخ أحداثه في العام 2013، حتى لا يظلم الواقع أو الحاضر التونسي على حدّ تعبيره، "فالوضع الأمني في تونس تحسن، والدليل على هذا، عودة السياحة لبلدنا، ولكن مع الحادث الإرهابي الذي حصل مؤخرا في شارع الحبيب بورقيبة والذي استهدف فريقا من الشرطة، تأكدنا أننا لسنا في مأمن من عودة الإرهاب، لذلك علينا أن نبقى يقظين ومجندين حتى نتصدى لهذه الآفة، والسينما تلعب دورا ككل الإنتاجات الثقافية، فهي تفتح عيون الشباب وتقيهم من هذه الانحرافات الإجرامية الدامية التي تستهدف البلاد".
ولدي

أما الفيلم الآخر فهو فيلم "ولدي" للمخرج محمد عطية، ولكن هذه المرة ورغم وجود الأم والأب في منزل واحد مع الابن، والعناية الفائقة التي يلقاها ذلك الشاب باعتباره وحيد أسرته، إلا أن ذلك لم يمنعه من السفر إلى سوريا والالتحاق بالجهاديين، مخلفا وراءه والدة ثكلى بفقدان ابنها. 
تدور أحداث الفيلم حول رياض، ويلعب دوره محمد ظريف، الذي يعمل جاهدا برفقة زوجته لتوفير سبل الراحة لابنهما الوحيد الذي يعاني من مرض عصبي، وفي نفس الوقت يستعد لامتحانات الثانوية العامة، ولكن هذا الشاب اليافع في السن، يضرب بعرض الحائط كل ذلك ويقرر الرحيل إلى سوريا، تاركا رسالة يعترف فيها بذلك.
لم يترك الوالد أيّ فرصة للبحث عن ابنه إلّا وانتهزها، حتى أنه في النهاية تحمّل عناء السفر إلى سوريا عن طريق تركيا، عبر مهربين، لكن كل تلك المحاولات باءت بالفشل، لأن الابن لم يعد مع والده، بل لاحقا سيتزوج وينجب طفلا، ثم يموت.
الفيلم لا يقدم ما هو جديد، على الأقل من حيث الأحداث الروائية، فلقد سبق وأن قدم المخرج التونسي رضا الباهي فيلما شبيها بعنوان "دمشق حلب" من بطولة هند صبري، التي ترحل إلى سوريا مدعية الانتساب إلى الجهات الجهادية في سبيل الوصول إلى ابنها وإعادته معها إلى تونس، ولكنها أيضا تفقده، ورغم أن الفيلم لا يرمي باللوم على الفقر والقهر أو حتى تشتت العائلة ليكون أيّ منها ذريعة لهروب بعض الشباب والالتحاق بالجهاديين، إلا أنه من جانب آخر، لم يقدّم لنا الأسباب ولا حتى المبررات الدرامية والنفسية التي قد تكون وراء ذلك الرحيل المفاجئ لهؤلاء الشباب.
كاتبة سورية