الشاعر العراقي سلام مكي.. بين اليومي والمتخيل

الوطن يحضر بكثافة في أعمال الكاتب والشاعر والصحافي العراقي المشغول في كتاباته بالرموز الفكرية والثقافية التي هجرت وطنها مرغمة والمهموم بالمتعبين والحالم على الدوام بعراق جديد ينبذ الطائفية والعنف والإرهاب.

قليلون هم من يمتلكون القدرة على الحضور الدائم في المشهد الإبداعي والثقافي، والإعلامي في آن، والكاتب والصحافي والشاعر العراقي سلام مكي، هو واحد من هؤلاء القلائل الذين تفردوا بذلك الحضور الذي لا يعرف الغياب في الكثير من الساحات الإبداعية، والمنابر الثقافية والإعلامية، فتجده شاعرا هنا، وصحافيا هناك، ومثقف نبيل يواسي هذا، ويهنئ ذاك.
أقرأ له في صحيفة الصباح، وأتابعه بصحيفة الصباح الجديد، تجربته الشعرية الجديدة "مثل نبي يتوسل معجزة"، وقد انعكس ذلك الحضور اليومي في المشهد الإبداعي والثقافي والإعلامي العراقي، على ديوانه "مثل نبي يتوسل معجزة " وذلك بحسب ما جاء في مقدمة الديوان التي كتبها الناقد والكاتب الكبير، ناجح المعموري، وصارت الطقوس اليومية، والحياة المحيطة، جزءاً من شعر وشاعرية سلام مكي... " شاعر النواتات الصغيرة، والخلايا المشكّلة لوحدات شعرية صلتها باليومي واضحة وهي من خاصياته المميزة له عن غيره المولع باليومي كذلك ".
يقول ناجح المعموري في حديثه عن نصوص " مثل نبي يتوسل معجزة " "تمظهر الشاعر سلام مكي أكثر حضوراً في حياة تدنو منه، ويلتقط منها ما تهفو إليه الشعرية وتلوذ به، حتى يتداخل اليومي والمتخيّل، لأنَّ الشعرية لن تحضر بعيداً عن المتخيّل، لأنَّ الطاقة الخفية الحاضنة للأحلام التي تطفو أحياناً فوق المألوف، وتتفتّت كي تتحوّل إلى جزيئات أسطورية مبرقة بتعدّد المعنى وتنوّع الدلالات. وتتوفّر لها بالمجاورة مع بعضها البعض صوت غرائبي يلوذ به الواقعي واليومي"
ويلفت  المعموري  إلى أن "سلام مكي في تجربته الشعرية الثالثة يلتقط ما هو مذوّب، ليجعل منه ما هو خاص به. وليس سهلاً الدنو من أسرار هذه التجربة بسبب عمقها والطافي، كالنور كاسياً لها".

لا يغيب عن مخيلته الشعرية تراث العراق الثري، فتبدوا "جلجامش" في الأفق، ويحضر سدنة الآلهة

 وأن شعره "يعيد إنتاج الارتباك في اللامعقول ويومئ به، أسطوريات محتشدة في كثير من نصوصه المفضية لأحلام العود الرمزي. ويشحن تفاصيل اليومي بالاندهاش والقبول بالذوبان في اللغة الشفّافة المنتجة لشعريات ضاجّة بالمغايرة من أجل مقامة الذوبان والتلاشي وسط الغرابات التي تؤسّسها اللغة بانزياحاتها".
وأضيف بأن سلام مكي في "مثل نبي يتوسل معجزة" لا يغيب عن مخيلته الشعرية تراث العراق الثري، فتبدوا "جلجامش" في الأفق، ويحضر سدنة الآلهة، وينبش في الجراح حينا، ويقترب من عوالم المرأة حينا آخر، في نصوص تميزت بلغة متفردة، وخيال خصب، ونصوص تحلق بنا في سماوات بعيدة.

'الطاقة الخفية الحاضنة للأحلام تطفو أحياناً فوق المألوف'
'الطاقة الخفية الحاضنة للأحلام تطفو أحياناً فوق المألوف'

وبالطبع فإن الواقع المعاش في العراق الشقيق، لم يغب عن ذهنية سلام مكي الكاتب والشاعر والصحافي.. فالوطن حاضر دوما فيما يكتب ما يطرح من رؤىً، وما يعالجه من قضايا في كتاباته.
وهو المشغول في كتاباته بتلك الرموز الفكرية والثقافية العراقية، التي هجرت وطنها مرغمة، لكنها ظلت برغم كل مغريات الحياة في بلاد المهجر مسكونة بالعراق وتراثه وثقافاته وفنونه، وحاضره وماضيه.

'يتداخل اليومي والمتخيّل في أعماله، لأنَّ الشعرية لن تحضر بعيداً عن المتخيّل'
'يتداخل اليومي والمتخيّل في أعماله، لأنَّ الشعرية لن تحضر بعيداً عن المتخيّل'

وهو المهموم بالمتعبين من شعب العراق الشقيق، والحالم على الدوام بعراق جديد ينبذ الطائفية، ويتخلص من كل صور العنف والإرهاب.
وهو في كل حين يتمتع بتلك القدرة على الحضور الدائم بوصفه شاعر، وبصفته كاتب وصحافي، وهكذا هو العراق الشقيق الغالي، بلد المبدعين، ووطن الثقافة والمثقفين، والغني بكل الفنون، والضارب بجذوره في أعماق التاريخ، صاحب أقدم الحضارات وأعرقها، والبلد الذي أمدّ العالم بالكثير من القامات في شتى المجالات من عمارة وعلوم، وثقافة وفنون... نعم إنه الذي أنجب معروف الرصافي، ومحمد مهدي الجواهري، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب، وسعدي يوسف، والكثير الكثير من كبار المبدعين على المستويين العربي والإنساني.