الصراعات الداخلية لأحزاب المعارضة تغطّي على إخفاقات العدالة والتنمية

أعداد الأصوات المؤيدة للمعارضة وحزب الشعب الجمهوري المنافس التقليدي لأردوغان ربما تشهد تراجعاً كبيراً إبان الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 مارس القادم؛ بسبب استقالة أعداد كبيرة من أعضائه.

بقلم: ذو الفقار دوغان

شنّ رئيس الجمهورية والرئيس العام لحزب العدالة والتنمية، رجب طيب أردوغان، هجوماً عنيفاً على أسواق الخضراوات وبائعي اللحوم، داعياً إلى محاسبتهم، بعدما وصل سعر كيلو الباذنجان إلى 20 ليرة، وكيلو الفلفل إلى 15 ليرة، وكيلو اللحم إلى 75 ليرة.

وفي سياق متصل، قامت اثنتان من أعضاء مجلس وزرائه، إحداهما وزيرة التجارة روهصار بَكجان، تعقيباً على تصريحات أردوغان، بتوزيع منشور على 81 محافظة ومديرية تجارة في عموم تركيا، يتضمن تعليمات للقيام بحملات تفتيش على الأسعار في الأسواق والسلاسل التجارية.

وقبل عدة أيام، قامت وسائل الإعلام الموالية للحكومة وحزب العدالة والتنمية ببثّ أخبار على صفحاتها وشاشات التلفاز التابعة لها أيضاً عن حملات الرقابة على الأسعار، التي قام بها المسؤولون في مديريات التجارة في مختلف المحافظات.

ومن ناحيتها، قامت السلاسل التجارية، بعد تهديدات أردوغان لها بقوله "لقد انخفض التضخم، وارتفعت قيمة العملة المحلية، وانخفضت الفائدة، فما المبرر إذن لرفع الأسعار؟"، بغلق الجناح المخصص لبيع الفواكه والخضراوات، كما أوقفت تماماً بيع الباذنجان والفلفل، على وجه الخصوص.

وفي حين تزداد التكهنات باحتمال تحول مبيعات الخضراوات والباذنجان إلى السوق السوداء، ومن ثم ارتفاع أسعارها عمّا هو موجود اليوم، طالعتنا الصحف والقنوات التليفزيونية التابعة للحكومة أيضاً، في معرض تناولها لموضوع إعراض الأسواق عن بيع الباذنجان بخبر عن انخفاض أسعار الباذنجان ليرة واحدة.

ومع هذا، فالوقائع تقول إن فقدان الليرة التركية ما يزيد عن 40% من قيمتها ترك تأثيره كذلك على تكاليف الإنتاج الزراعي والحيواني (من مبيدات وبذور ومخصّبات وكهرباء وغاز طبيعي ومصروفات الري وتكلفة النقل.. الخ) بنسبة تتراوح بين 40-80%.

هذا يعني أن تهديد أردوغان للمُنتِجين وتجار الجملة وأسواق الخضراوات والفاكهة، على الرغم من كل المؤثرات السابقة، كان من قبيل "قوموا بتخفيض الأسعار حتى لو تكبدتم الخسائر".

فضلا عن هذا، فقد غطت المياه مستودعات الخضراوات والفاكهة والحبوب في تركيا في مناطق شوكوروفا وأميك طوال العشرين يوماً الماضية، بسبب فتح أبواب السدود في أعقاب الأمطار الغزيرة التي شهدتها هذه المناطق، الأمر الذي أدَّى إلى تعرُّض مئات الآلاف من الهكتارات المزروعة بالمحاصيل والبساتين والصوبات الزراعية للتلف كذلك، كما دمرت الأمطار الغزيرة والعواصف التي تعرضت لها محافظتا أنطاليا وكوملوجا، اللتان تمثلان العمود الفقري لإنتاج الخضراوات والفاكهة في تركيا، جميع الصوبات الزراعية الموجودة بها، وسوَّتها بالأرض.

من ناحية أخرى، كان أردوغان، الذي لم يتوقف عن إطلاق تهديداته اليوم لمحاسبة تجار الخضراوات بقوله "ما المبرر إذن لرفع الأسعار؟"، هو نفسه الذي أكَّد من قبل أن الخسائر التي خلَّفها الإعصار الذي ضرب أنطاليا قد تعدَّت 100 مليون ليرة تركية.

في سياق متصل، صرّح رئيس البنك المركزي التركي مراد جتين كايا، في أول تقرير له عام 2019عن نسبة التضخم في تركيا، قائلاً "ستنخفض نسبة التضخم من 15.4%، وهي النسبة التي أعلنا عنها من قبل، إلى 14.6% بنهاية عام 2019، ومن المتوقع أن تواصل انخفاضها خلال الأعوام المقبلة لتصل إلى 8.2% عام 2020، و5.4% عام 2021 لتستقر على المدى المتوسط عند 5%".

بيد أن الصورة الحالية لا تدعو إلى التفاؤل الذي يتحدث عنه رئيس البنك المركزي، إذ تعكس بوادر ارتفاع أسعار السلع الغذائية اتجاه الأوضاع نحو التأزّم الحادّ في شهر فبراير والشهور التالية له.

من ناحية أخرى، كشف مؤشر الثقة الاقتصادية لشهر يناير الصادر عن مؤسسة الإحصاء التركية أنه من غير المتوقع أن تنجح الحكومة، خلال الفترة الحالية، في التوصل إلى حل لمشكلة الثقة في ظل السياسات الاقتصادية المُطبقة في الوقت الراهن، وأن الأمور تتجه، على العكس من ذلك، نحو مزيد من التأزم. 

يعرض التقرير تطور المؤشرات الفرعية خلال شهر يناير، التي يتألف منها المؤشر العام للثقة الاقتصادية، على النحو التالي:

انخفض مؤشر ثقة المستهلك إلى 58.2

انخفض مؤشر الثقة في القطاع الحقيقي (الصناعة التحويلية) إلى 95.4

انخفض مؤشر الثقة في قطاع الخدمات إلى 78.3

تراجع مؤشر الثقة في قطاع تجارة التجزئة إلى 92.5!

في تعليقه على الأزمة الحالية، قال النائب عن حزب الشعب الجمهوري والمستشار الأول للرئيس العام للحزب أردوغان توبراك "اضطرت السياسة، التي تتبعها حكومة أردوغان، المواطنين الأتراك إلى أكل أغلى لحوم وبصل وبطاطس في العالم، وبدت مثل دون كيخوتي، الذي كان يصارع طواحين الهواء، وهي تركز جلّ اهتمامها على حربها مع الفلفل والباذنجان، متغافلة مشكلات المنتجين والعاطلين في تركيا. هل تعلمون أن أعداد المتقدمين إلى مكاتب القوى العاملة من أجل الحصول على معاش البطالة تجاوزت 622 ألف شخص؟ إلا أن اهتمام الحكومة المذعورة كان منصباً على توجيه الاتهامات إلى البائعين والسلاسل التجارية مع اقتراب موعد الانتخابات المحلية".  

يؤكد توبراك أن الحكومة الحالية تتخذ من "سياسة الإرهاب الاقتصادي" الاقتصادية وسيلة لها لكسب مزيد من الأصوات في الانتخابات، ويضيف "لقد اختلقت السلطة الحاكمة اليوم الأزمات، وراحت تتشاجر مع المربين ثم الجزَّارين، ووضعت من بعدهم منتجي البصل في مرمى نيرانها كذلك، وها هم يهاجمون اليوم أيضًا بائعي الخضراوات والفاكهة والسلاسل التجارية، في محاولة منهم لخفض التضخم بأية وسيلة كانت، في الوقت الذي  بدأ فيه المقاولون، الذين استدانوا مليارات الدولارات من البنوك المملوكة للدولة بدعم من الحكومة لتنفيذ مشروعات عملاقة بين القطاعين العام والخاص، في بيع أسهمهم واحداً تلو الآخر. في البداية بدأ مقاولو المطار الثالث في بيع حصصهم، والآن يقوم الشركاء المساهمون في بناء جسر عثمان غازي ببيع حصصهم أيضًا.  

يستعد الآن المقاولون ورجال الأعمال، الذين تضخمت ثرواتهم بدعم مباشر من الحكومة الحالية، للقفز من السفينة التي توشك على الغرق.  وبدلاً من أن تقوم الحكومة بتحري سياسة حكيمة، وتبتكر حلولاً حقيقية للمشكلات، التي يعاني منها الاقتصاد اليوم، فإنها تحاول إيجاد مخرج لنفسها قبيل انعقاد الانتخابات عن طريق اختلاق المشكلات، عن طريق ما يسمى بالرعب الاقتصادي، وهي لا تدري أنها تجرّ البلاد بسياستها تلك، الرامية إلى تحقيق أهدافها السياسية في المقام الأول، إلى كارثة محققة".

وعلى الجانب الآخر، لن يكون مستغرباً أن تشهد أعداد الأصوات المؤيدة للمعارضة وحزب الشعب الجمهوري، المنافس التقليدي لأردوغان، تراجعاً كبيراً، إبان الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في 31 مارس القادم؛ بسبب استقالة أعداد كبيرة من أعضائه، وإهدار طاقتها في التناحر الداخلي فيما بينها؛ مما قد يسفر في النهاية عن فقد بعض من البلديات المهمة من ناحية، وإفساح الطريق أمام أردوغان من ناحية أخرى؛ فقد استقال من حزب الشعب الجمهوري مصطفى صاري غول بعد إصراره، أثناء اجتماعات الحزب لاختيار مرشحيه، على الترشح عن منطقة شيشلي، وانتقل على إثر ذلك إلى حزب اليسار الديمقراطي؛ ليترشح على قائمته عن منطقة شيشلي أيضاً، وتبعه في ذلك عدد آخر من رؤساء البلديات المنتمين إلى حزب الشعب الجمهوري، الذين تركوا الحزب كذلك بعد أن تمّ استبعادهم من الترشح في الانتخابات المقبلة؛ ليترشحوا كذلك على قائمة حزب اليسار الديمقراطي، مما يعيد للأذهان متلازمة حزب الشعب الجمهوري أثناء الانتخابات في الفترة  بين 1994-1999.

بالفعل أدت حالة التأرجح بين عدد من أعضاء حزب الشعب الجمهوري البارزين، وخاصة صاري غول، الذي ظل يتأرجح مرات عديدة بين حزب الشعب الجمهوري وحزب اليسار الديمقراطي؛ فتارة يستقيل وتارةً أخرى يعود إلى الحزب، حتى أنه أسس في عام 2008 حركة التحول المجتمعي لتنافس حزب الشعب الجمهوري، ثم ما لبث أن قام بحلها في 2010 ، وانضم لصفوف حزب الشعب الجمهوري مرة أخرى، وها هو الآن يستقيل من الحزب مرة أخرى، على الرغم أنه لم يتبق سوى سبعة أسابيع فقط على الانتخابات المحلية، إلى تبديد مخاوف أردوغان من احتمال فقد محافظات مهمة مثل أنقرة وإسطنبول؛ لأن هذا النزاع الداخلي داخل أحزاب المعارضة كان بمثابة روح جديدة له.

لهذا السبب، يمكن أن نطلق على حملة الدقائق الأخيرة، التي بدأت بانسحاب صاري غول من حزب الشعب الجمهوري، بزعم تعرضه "للخيانة"، وانتقاله إلى حزب اليسار الديمقراطي، الذي لا يكاد يعرف الشعب اسم رئيسه، وما قد يتبعه من استقالات أخرى لرؤساء أحزاب وأعضاء في أحزاب أخرى، اسم "مشروع أردوغان- حزب العدالة والتنمية" في كواليس السياسة.

عن أحوال تركية