"الصياد" تسجل حقبة تاريخية كاملة من تاريخ الصين العريق

هبة سمير تترجم أول رواية للكاتب الصيني جاو لي هونغ.
أحداث الرواية تدور حول صبي صيني في الثانية عشرة من العمر يدعى دالو، واسع الاطلاع، يحب القراءة ومولع بالفنون
مجموعة من الأحداث والمغامرات المشوقة التي صاغها الكاتب بنجاح في طيات سرد سلس وحبكة درامية محكمة

تعد رواية "الصياد" للكاتب الصيني جاو لي هونغ، وترجمة هبة سمير؛ الرواية الأولى التي تترجم للعربية للكاتب على الرغم من أنه يعد واحدا من أهم الكتاب الصينيين المعاصرين، فهو شاعر وكاتب مقالة وقصة ورواية، ولد في 1952 بمدينة شنغهاي، وبدأ مشواره الإبداعي منذ مرحلة مبكرة في مطلع السبعينيات من القرن العشرين، بعد أن تخرج في قسم اللغة الصينية وآدابها بجامعة شرق الصين للمعلمين بشنغهاي عام 1982. 
قدم هونغ العديد من الأعمال الإبداعية في مجالات الشعر والنثر والقصة والرواية وأدب التقارير. وقد حصلت أعماله على أكثر من عشر جوائز محلية وعالمية، من أهمها: جائزة "أفضل مجموعة نثرية على مستوى الصين خلال الفترة الجديدة" عن كتابه "روح الشعر"، و"جائزة بينغ شين للنثر في دورتها الأولى" عن كتاب "ظل الشمس". 
اختيرت أكثر من عشرة مقالات له ضمن المناهج الدراسية للمراحل الابتدائية والمتوسطة والجامعية في الصين، بالإضافة إلى عدد من أعماله ضمن منهج اللغة الصينية بهونج كونج وسنغافورة. تُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات الأجنبية من بينها الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الكورية، البلغارية، الصربية والعربية وغيرها من اللغات. حصل جاو لي هونغ في عام 2013 على جائزة "المفتاح الذهبي لمدينة "ميديريفو" في صربيا"، و"جائزة الاسهام المتميز في الفنون والآداب بشنغهاي لعام 2014".
تدور أحداث الرواية الصادرة عن دار صفصافة للنشر حول صبي صيني في الثانية عشرة من العمر يدعى دالو، في الصف الخامس الابتدائي، واسع الاطلاع، يحب القراءة ومولع بالفنون، عاشق للتاريخ. يتمتع بخلق نبيل وثقافة عالية، هو أحد ثلاثة أبناء لأب يعمل كسائق في الميناء وأم تعمل معلمة في إحدى المدارس. أسرة متوسطة الحال، لها علاقة طيبة مع من يحيطون بها من الجيران والمعارف. يسوقه القدر للتعرف إلى والد زميلته بالصف السيد خان والذي يعمل كأستاذ جامعي سليل عائلة عريقة وغنية. هو أستاذ موسوعي ملم بكافة الفنون، ذو خبرة واسعة، وخلق كريم. يعيش السيد خان في قصر مهيب داخل حديقة الحكمة والتي تقع على مقربة من منزل دالو المتواضع. 

دمرت "الثورة الثقافية الكبرى" الكثير من التحف الأثرية، أما الصياد الصغير فلقد دخل في سبات عميق، وظل مختبًأ في الظلام

كان قصره كالمتحف يضم العديد من التحف التراثية التي يرجع تاريخها لأكثر من خمسة آلاف عام. ومن بين تلك التحف منحوتة خزفية على شكل صياد صغير. يشجع السيد خان دالو على المضي قدمًا في إثراء ثقافته بكثرة القراءة، كما ساعده على تنمية مواهبه المختلفة وأمده بالعديد من المعلومات حول تاريخ الصين، وفنونها. كما أنقذ السيد خان دالو من مأزق تعرض له. انبهر دالو بالتحف الموجودة بالقصر، وهام عشقًا بالصياد الصغير. وبعد تعلق دالو بالسيد خان وأسرته، حدثت الثورة الثقافية الكبرى في الصين. وقد استغل بعض الفاسدين الحاقدين فرصة الفوضى التي ضربت البلاد لإيذاء السيد خان والاستيلاء على أملاكه، بل وإهانته وأسرته وطردهم خارج القصر، وتحطيم كل ما يحتويه القصر من تحف وحرق ما فيه من كتب. 
وقد أبقى أحد أولئك الفاسدين الملقب بخو الأحول على الصياد الصغير ولم يحطمه رغبة منه في الاستيلاء عليه لما علم قيمته المادية. علم دالو ذلك فهرع إلى إنقاذ الصياد الصغير وحمايته في الوقت الذي تعرض فيه السيد خان لأشد أنواع الامتهان والإيذاء وظن أن كل شيء قد انتهى. حتى أصابه اليأس وكاد أن يموت لولا أن أنقذه دالو من الهلاك. ولما علم السيد خان أن الصياد الصغير قد تم إنقاذه على يد دالو، عاد الأمل إليه من جديد. وعمل بجد على حماية الهوية والتراث الصيني، حتى رحل خارج البلاد واستطاع أن يجمع العديد من القطع الأثرية الصينية التي تم تهريبها إلى الخارج وعاد بها إلى الصين بعد انتهاء الثورة ليقيم متحفًا بمساعدة دالو ليمنح الأجيال الجديدة فرصة التعرف على تراث الصين وفنونها القديمة. 
كل ذلك من خلال مجموعة من الأحداث والمغامرات المشوقة التي صاغها الكاتب بنجاح في طيات سرد سلس وحبكة درامية محكمة تتجلى فيها لغة الكاتب التي امتازت بعذوبتها والتي تخللها العديد من القصائد الشعرية. فالكاتب جاو لي خونغ هو كاتب وشاعر صيني معاصر صدر له العديد من الدواوين الشعرية من أهمها ديوان "الشعب المرجانية"، "مختارات من أشعار جاو لي خونغ" لذلك نلحظ التغلغل الواضح للشعر داخل متن الرواية، كما تميزت الرواية بالحرص على إبراز الأحداث التاريخية الواقعية داخل ثنايا السرد، حتى صارت الرواية وكأنها تسجل حقبة تاريخية كاملة من تاريخ الصين العريق.
يذكر أن جاو لي يشغل الآن عضو اللجنة الوطنية لاتحاد كتاب الصين ونائب رئيس اتحاد كتاب النثر بالصين، عضو الجمعية الدائمة للشعر الصيني ونائب رئيس اتحاد كتاب شنغهاي، ورئيس مجلة "أدب شنغهاي"، ورئيس تحرير مجلة "شعراء شنغهاي". وصدرت الرواية ضمن سلسلة "قراءات صينية" التي يشرف عليها ويراجع أعمالها د. حسانين فهمي حسين أستاذ اللغة الصينية والترجمة المساعد بكلية الألسن جامعة عين شمس.
فقرات من الرواية
بينما كان دالو منكبًا على التمثال يتفحصه في الظلام أسفل الدرج، جاء أحدهم فجأة من خلفه ثم مسح على كتفيه برفقٍ. انتفض دالو فزعًا، وضم التمثال إلى صدره في خوف. وأدار رأسه يتبين منْ خلفه فإذا به شياولو.
"أخي، أين كنت، لقد قلقنا عليك؟ ولقد بحثت عنك في كل مكان فلم أجدك!" كان شياولو يتحدث إلى أخيه ووجهه يتصبب عرقًا، كان قد عاد لتوه راكدًا إلى البيت. ثم لاحظ لفافة الورق التي يحتضنها دالو فسأله قائلًا: "وما هذا الشيء الذي بين يديك؟". 

رواية صينية
هام عشقًا بالصياد الصغير

أراد شياولو أن يتبين ذلك الشيء بين يدي أخيه، وهمَّ دالو أن يقص عليه ما حدث، قبل أن يقاطعهما صوت وجلبة قادمة من أمام بوابة المنزل، استرق دالو نظرة إلى الخارج، حيث رأي خو جونغ نيان ومعه زمرة من الرجال قادمين نحوهما. فرجع إلى أخيه يدفع به وهو يقول: "هيا أسرع يا أخي، أصعد إلى البيت، اجعلهم يتبعونك!" قالها ثم انسل إلى حيث الركن الأكثر ظلمة تحت الدرج.
رأى شياولو ما عليه دالو من قلق وتوتر، ففهم أن الأمر جد خطير. فأسرع ليعتلي الدرج متجهًا إلى أعلاه، مخلفًا وراءه صوت وقع أقدام على درجات السلم.
وفي تلك اللحظة، دخل خو جونغ نيان ورجاله من بوابة المنزل، فتبعوا شياولو إلى الأعلى ولم ينتبهوا إلى دالو الذي تقوقع في الظلام أسفل الدرج.
تمهل دالو حتى تأكد أنهم صعدوا جميعًا إلى الأعلى، ثم انسل في هدوء إلى خارج المبنى.
اتجه إلى الشارع بصخبه المعهود، وقد بدأ دالو يهدأ قليلًا. كانت أعمدة الإنارة قد ألقت بضوئها الأصفر الخافت على أوراق الأشجار، وهو يسير بمفرده على الطريق ممسكًا بالصياد الصغير بين يديه، لا يدري كيف يتصرف أو إلى أين يذهب. ظل يفكر في مكان آمن يخبأ به التمثال، لكن أين هو ذلك المكان الآمن؟
أخذ جولة على الطريق، ثم أعادته قدماه إلى حيث بدأ، عند بوابة بيته. تسلل بهدوء إلى أسفل شجرة الكافور حاملًا حقيبته بين يديه، لعل ظلال الشجرة تستره في جنح الظلام، فيكون بمأمن عن أعين الناس. لكن يبدو أن حركة دالو أسفل الشجرة قد أزعجت طيور العقعق أعلى شجرة الكافور، فاستفاقت الطيور من نومها لتزقزق في رقة، لكنها سرعان ما هدأت واستسلمت للنوم من جديد. وما أن وصل صوت زقزقتهم الهادئة إلى مسامع دالو، حتى قفزت معها فكرة إلى رأسه، صحيح، لم لا أخبئه في عش الطيور!
ظل الصياد الصغير في أمان داخل الصندوق. لقد دمرت "الثورة الثقافية الكبرى" الكثير من التحف الأثرية، أما الصياد الصغير فلقد دخل في سبات عميق، وظل مختبًأ في الظلام. 
وبعد انتهاء تلك السنوات الصعاب، استعاد دالو الصياد الصغير من بيت الجدة. واجتمعت عائلة دالو حينها لتقرر مصير الصياد الصغير من جديد. فرأت جيوان جيوان أنه يجب أن يعود اليشم سالمًا إلى إمارة جاو، فلا بد أن يرجع التمثال إلى السيد خان. وافقها الجميع الرأي. لكن أين هو السيد خان، لا أحد يعلم مكانه، أو حتى وسيلة الاتصال به. ولقد ذهب دالو إلى حديقة الحكمة أكثر من مرة، وخلال السنوات الأخيرة خططت بلدية المدينة لتشييد جسرًا عظيمًا بمدينة شنغهاي سيمر من خلال حديقة الحكمة، ولقد بدأت عمليات الهدم لأجزاء من القصر التي كانت تعترض بناء الجسر الجديد. 
وفي أول مرة ذهب فيها دالو إلى حديقة الحكمة، لم يجد فيها أي أثر للسيد خان، وجد المكان مهجورًا تماما لا أثر فيه لأي انسان. وفي المرة الثانية، رأى المكان وقد تحول إلى موقع عمل، يمتلأ عن أخره بالعمال، وقد أصبح المشروع قيد التنفيذ. وفي المرة الأخيرة، لم يعد للحديقة آثر يُذكر بعد أن انتهى العمل من تشييد الجسر. واقترحت الأم أن يقوموا بتسليم التمثال لإدارة المتحف الوطني، لكن جيوان جيوان اعترضت معللة: وما العمل إذا ما عاد السيد خان؟".