الضمير الدولي ينتصر لفلسطين ويعصف بصفقة القرن

التدخل الكويتي الحاسم في إجرائية التصويت بيّن أهمية العمل العربي المشترك في مواجهة تأثيم المقاومة.

لا شك أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أثبتت من جديد أنها منبر الأحرار في هذا العالم، حيث أنه في أقل من أسبوع تُسجل القضية الفلسطينية نصراً جديداً بعد سلسلة القرارات الهامة التي صدرت عن الجمعية يوم الجمعة الماضية، واليوم يتم التصويت مجدداً على قرارين هامين لصالح الحق الفلسطيني.

يتمثل القرار الأول في رفض المشروع الذي قدمته الولايات المتحدة لإدانة المقاومة الفلسطينية وتصويرها بأنها تمارس العدوان على الكيان الصهيوني وتمارس جرائم في حق الأبرياء.

وقد سعت مندوبة الولايات المتحدة إلى جعل التصويت على هذا المشروع بالأغلبية البسيطة أو العادية للأصوات المشاركة في الجلسة، ولكن مندوب الكويت الشقيق طالب بالتصويت وفقاً لمبدأ الثلثين لأن الموضوع يدخل ضمن قضايا الأمن والسلم الدولي، وهو أيضا وفق العرف الذي يجري عليه العمل في الجمعية العامة، مما دفع رئيسة الجلسة إلى اتخاذ القرار بالتصويت على هذه المسألة الإجرائية وتم تأييد الطلب الكويتي بأغلبية 75 صوتاً ضد 72 صوتاً معارضاً وامتناع 26 دولة عن التصويت.

وبعد سماع مداخلات بعض الدول تمت عملية التصويت وخسر مشروع القرار الأميركي بأغلبية 87 دولة ضد 57 دولة وامتناع 33 دولة أخرى على التصويت.

أما القرار الهام الثاني فهو القائم على مشروع قرار تقدمت به إيرلندا ومجموع أخرى من الدول للعمل على تحقيق سلام عادل وشامل في منطقة الشرق الاوسط، وقد حاز هذا القرار على تأييد 156 دولة، فيما عارضه ست دول، في حين امتنعت 12 دولة أخرى عن التصويت.

وهنا أود أن أُكد على أهمية القرارين الصادرين عن منبر الأحرار في الأمم المتحدة لجملة من الأسباب أسردها في النقاط التالية:

أولاً ـ جلسة الجمعية العامة بينت أن العالم لا يكل من دعم الحق الفلسطيني مهما كان التهديد الصادر عن إدارة الولايات المتحدة والصهيونية العالمية للدول التي تعارض التوجهات الأميركية والصهيونية، أو مهما كان حجم المغريات التي قد تصور أو تُسوق للدول المستسلمة للرغبة الأميركية.

ثانياً ـ أن التصويت اليوم جاء في الذكرى السنوية الأولى لإعلان ترامب الغير قانوني بشأن اعتبار القدس أنها "عاصمة إسرائيل" وإعلانه نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس وما تبعها من خطوات غير شرعية ضد الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة، فجاء القراران لتأكيد الرفض الدولي لكل الإجراءات الغير مشروعة التي قامت بها إدارة ترامب.

ثالثاً ـ لم تنجح الإدارة الأميركية في قلب ميزان العدالة، ومساواة الضحية بالجلاد، والعمل على نزاع الحق في الدفاع عن النفس من الشعب الذي يخضع لأبشع وأطول احتلال في التاريخ الحديث، وأن تجعل أحرار العالم "شهود زور" لتمرير هذه السياسة.

رابعاً ـ تصويت الجمعية العامة اليوم يرسل رسالة واضحة للبيت الأبيض نصها: نحن لا نثق بما أسمته إدارة ترامب "صفقة القرن" وأن السلام العادل القائم على مبادئ الأمم المتحدة أو الطريق لإنهاء حالة العدوان والاحتلال لدولة فلسطين، وما عدا ذلك لا يقبله المجتمع الدولي.

خامساً ـ الدول العربية ـ خاصةً الكويت والسعودية ـ أرسلت رسالة مدوية بأن التطبيع مع الاحتلال لن يكون مهما ـ بالغت السيدة هايلي بالقول إخواني العرب ـ إلا وفق ما نصت عليه المبادرة العربية للسلام الصادرة في بيروت في العام 2002.

سادساً ـ قرارات اليوم تبعث رسالة واضحة إلى المقاومة الفلسطينية بأنها في عين الهدف وأنها بحاجة إلى الدعم الدبلوماسي الفلسطيني طيلة الوقت، وأن هناك جهداً دبلوماسياً فلسطينياً مخلصاً قد خاض حرباً ضروساً من أجل حماية المقاومة لأنه يؤمن بفلسطين وحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال حتى التحرير الكامل، وهذا أمر يجب أن يُؤخذ بالحسبان ولا يمكن تجاهله أو التغاضي عنه.

أخيراً لا بد أن أُذكر الجميع بأن إطالة عمر الانقسام هي مصلحة خالصة للاحتلال، ودعماً لخطة ترامب في تصفية القضية الفلسطينية، فإلى متى يظل إحساسنا بالمسؤولية الوطنية يتضاءل بشكل مخجل أمام أحرار العالم الذين لازالوا يؤمنون بحقنا نحن الفلسطينيون بالحرية والاستقلال؟