قرارات المجلس المركزي وشعرة معاوية

الأطراف المختلفة الضالعة في قضية الصراع الفلسطيني مع إسرائيل تحتاج أن تنزل عن شجرة العناد السياسي.

يبدو أن الكثير منا لا يعرف من أقوال الخليفة السادس للمسلمين إلا جزءاً من مقولته الشهيرة "لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت"، وإن كانت هذه الجزئية تبرز الحكمة والدهاء معاً إلا أن المقولة كاملةً تبرز بوضوح فن الحكم لديه (رض). فهو القائل: "لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا أضع سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، كنت إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها". ولعل من أجمل ما قال أيضا: "المروءات أربع: العفاف، وإصلاح الحال، وحفظ الإخوان، وإعانة الجيران". وقوله: "الغريب من لا أدب له".

أميل إلى معاوية هنا بمناسبة انتهاء أعمال المجلس المركزي الفلسطيني في دورته العادية الثلاثين، والتي أكدت على المقررات السابقة للمجلسين الوطني والمركزي، ولكنها خولت الرئيس محمود عباس واللجنة التنفيذية متابعة وضمان تنفيذ ذلك.

هذه الدورة التي واجهت خلافاً أكبر حول انعقادها وغياب أوضح من بعض الفصائل والشخصيات، وإن كنت أعترض على الغياب ـ في رأيي المتواضع ـ فالاعتراض الأنجع يكون بالمشاركة والمواجهة، لا بالهروب والتذرع بأسباب لا قيمة لها في ظل الأخطار المحدقة بقضيتنا الفلسطينية بشكل غير مسبوق.

من المهم أن الجلسة قد انتهت وأبقت على "شعرة معاوية" في قراراتها وأبقت على "فن الممكن" ولم تأخذ قراراتها على سبيل المجازفة وإلا أصبحت القضية الفلسطينية على المستويين الوطني والدولي في مهب الريح.

ولعل من أوائل من التقط هذه البادرة هم الإخوة في جمهورية مصر العربية الذين اعتبروا هذه النتائج داعمة لجهودهم في المصالحة الوطنية إذ لم تفرض "عقوبات" جديدة على غزة.

كذلك فإن حماس عبرت عن رأيها في مخرجات هذه الجلسة والتي على الرغم من هجومها على قرارات المجلس المركزي، أبدت الحركة ترحيبها بما اعتبرته "خطوات تصحيحية"، في إشارة إلى قرار تعليق الاعتراف بإسرائيل حتى اعترافها بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو بعاصمتها القدس الشرقية، ووقف التنسيق الأمني والاتفاقات الاقتصادية؛ وقالت إنها: "تؤيد وتطالب بالتمسك بتنفيذ كل الخطوات التصحيحية التي تؤدي في النهاية عملياً إلى تبني خيار المقاومة ووقف التنسيق الأمني المقيت وسحب الاعتراف بالاحتلال وفك الارتباط به "، مع أن القرار كان واضحاً بتبني "كافة أشكال المقاومة وفقاً للقانون الدولي."

أما الجانب الأميركي والذي عبر متحدثاً باسمه حول ما دار في الاجتماع قائلاً: "إن واشنطن على دراية بقرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ملمحاً إلى أن الفلسطينيين أبقوا المجال مفتوحا للتراجع."

يبدو لنا أن "شعرة معاوية" قد فتحت آفاقا مهمة لكل المهتمين بالشأن الفلسطيني "للنزول عن الشجرة" ومتابعة البحث عن حلول واقعية ومجدية للقضية الفلسطينية، فعلى المستوى الداخلي وانهاء المأساة الفلسطينية المتمثلة في الانقسام، لعل لقاء اليوم بين الرئيسين الفلسطيني والمصري يسهم في خلق ظروف أفضل لتطبيق المصالحة.

ولعل "التراجع" الذي واصفه المتحدث الأميركي يكون من نصيب إدارة حكومته بعد "الخطوات الغبية" التي اتخذتها ضد الفلسطينيين، والعودة إلى الساحة كطرف محايد يدعم السلام في المنطقة.

ولعل "الإخوة كارامازوف" يتوقفون عند هذا الحد ويميلون إلى فهم "فن الحكم" عند معاوية كما يظهر من القيل من أقواله التي أوردناها، لأنه لن يصلح حال هذه الأمة اليوم إلا بما صُلح به أولها.

رحم الله معاوية وألهمنا صواب رأيه.