"الظمأ والحنين" رواية تطالب بحل مشاكل الأمة بالعلم والوحدة

رواية صلاح شعير تنتمي إلى أدب الخيال العلمي الملامس للواقع دون المبالغة في التحليق للعالم السرمدي حتى لا يصاب العقل باللامعقول أو الخيال المبالغ فيه.
توافر عنصر الصراع الركن الأساسي الذي يبنى عليه أحداث الرواية والذي ظهر عبر الراوي العليم
من لا يملك الحلم لا يملك قراره، ومن لا يملك قوته لا يملك مصيره

رواية "الظمأ والحنين" للكاتب د. صلاح شعير تنتمي إلى أدب الخيال العلمي الملامس للواقع دون المبالغة في التحليق للعالم السرمدي حتى لا يصاب العقل باللامعقول أو الخيال المبالغ فيه، لأن بالواقعية المتزنة مع إطلاق العقل لعنان التحليق والسباحة في وادي التأملات، تظهر لنا أجيالٌ تتسم بالواقعية والتأمل من أجل عالم أفضل لغد أفضل.
سارت الرواية على هذا المنوال في أوقات عصيبة نحياها بين فقاقيع مدمرة تصيب العقول والأفئدة بالإحباط والقنوط، ليأتي الدور على الأدب والفن لإيقاظ الأمل المدفون وسط هذه الأنقاض المتناثرة من طيات القرارات الحارقة لبساط العالم من أجل حلم الهيمنة والسيطرة لقوى الإمبريالية بألوانها المختلفة.
من لا يملك الحلم لا يملك قراره، ومن لا يملك قوته لا يملك مصيره، هكذا كانت الرواية التي أرادت أن تنير لنا الطرق التائهة وسط ظلام المشاحنات المتزاحمة ما بين الفضائيات والمواقع والصحف الورقية والإلكترونية مع التباري في السبق للوصول إلى أسبقية إصطياد الخبر المجهول والمصير المحتقن من بين أنياب الأسود والنمور وقد وضع الكاتب اسم "واحة البلح" و"واحة الزيتون" كرموز للدالة على العربية. 
"فارس المختار" بطل الرواية الذي رسمه الكاتب باقتدار وأحد رموز واحة البلح جسد وقعية التاريخ في الانتماء للمقاوم الكبير عمر المختار، رمز الصمود الليبي ضد الغزو الإيطالي لمدة تقترب من العشرين عامًا.

العمليات الإرهابية التي تدبر من قِبل الغرب عبر التنكر المخابراتي تحدث عبر بعض سواعدنا نحن

أضفت تلك الشخصية بعدًا يحمل في جعبتها الأمل المنتظر حتى ولو بعيد المنال؛ فإنه يمكن تقريبه والوصول إليه إن سرنا على ما فعله العالم الشاب مع خطيبته الجميلة المثقفة العالمة وفاء حلمي المنتمية لواحة الزيتون، مستعينًا بروح (روميو وجولييت) في تخفيف وطأة الصراع من خلال قصة حبهما الدافئة تحت ظلال العلم والتكنولوجيا.
ضفر الكاتب تلك القصة الغرامية جامعًا بين جناحي الخيال والواقع، فالخيال تمثل في أجمل قصص الغرام (روميو وجولييت) والواقع في قصة حب نشأت بين أحضان العلم والمعامل كتلك القصة الممثلة في العالمة البولندية الفرنسية ماري سلودوفيسكا / كوري، وزوجها العالم الفرنسي القدير بيير كوري اللذين حصلا على جائزة نوبل في الفيزياء مناصفةً مع الفيزيائي الفرنسي القدير هنري بيكريل في العام 1903.
تأكدت صحة رسم تلك القصة الغرامية العلمية أيضًا بقصة الحب التي جمعت بين العالمة الكيميائية القديرة إيرين كوري ابنة ماري وبيير كوري مع العالم الكبير فريدريك جوليوت، لتلعب الجينات دورها في تكرار دورية التاريخ بحصولهما على جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1935 وهذا ما كان يأمله الأحبة في تهيئة المناخ المناسب لجيل يسير على العلم والثقافة والمعرفة.
لم يكن الكاتب في برج عاجي وقت تناوله لتلك الشخصيتين بل سبك الأحداث ما بين الواقع والخيال مع إبراز النتاج المدهش في وقف الأشرار عند حدهم مع إيقاف سمومهم للنيل من جسم المنطقة التي إن سنحت لها الفرص في التعبير عن نفسها، لتوقفت كل ملاحم أباطرة الشر في العبث بمصائر الجميع.
توافر عنصر الصراع الركن الأساسي الذي يبنى عليه أحداث الرواية والذي ظهر عبر الراوي العليم من خلال الحمام والغراب الملخصين لما يحدث بين الفريقين عبر التناول المسرحي في القالب الروائي للتفاصيل المتعددة بين الخير والشر، هادفًا إلى توصيل الرواية لجميع الأعمار كنوع من الإجتهاد في توصيل المعلومة القيمة والثقافة من أصغر إلى أكبر فرد في المجتمع.
هذا ما كان يفعله الكاتب الكبير محمود سالم صاحب سلسلتي "المغامرون الخمسة" و"الشياطين الـ 13" في جعل الثقافة وعاءً موحدًا بين الأجيال لإذابة الحواجز القائمة بينهم لخلق مجتمع يعرف معنى التواصل والتفاهم من أجل مجتمع متطور يحيا على نور المعرفة وقيمة العلم.
لا يوجد حلم بلا أعداء، ولا يوجد سرب من الحمائم دون مطاردة الغربان له، ذلك المعنى تجسد في أوقات تمازج الصراع بين مختلف الكائنات في صور متوازية توضح لنا تنوع المعنى في الصراع الدائر بين الخير والشر إلى أن وصلنا لفتك الحمائم بالغراب وقت الإنتصار المبهر للواحتين على أعداء الحياة.

The Egyptian novel
لا يوجد حلم بلا أعداء

فريق الخير (الموازي للحمامة) تمثل في سيف المختار ووفاء حلمي، فريق الشر (الموازي للغراب) تمثل في هاشم العقرب وهند الحافي أي الصراع بين الوطنية والعمالة والتي نراها الآن في مختلف البقاع العربية منذ هبوب عواصف الفتنة؛ مع وجود الشخصيات الثانوية التي تدعم تحريك الأحداث والتي تمثلت في الجنرال الوزير سيف وخليفته جورج ديفيد.
وضحت لنا الرواية بأن الصراع القائم الآن هو صراع العلم والطاقة طبقًا للمقولة الإنجليزية التي تقول: "هذا العصر هو عصر العقل والعلم وليس عصر العضلات والفتوة".
تجسدت هذه المقولة في الفارقة بين أبناء المنطقة العربية (واحة البلح وواحة الزيتون) والعالم الغربي (مدينة الأثرياء) ومدى تعامل كليهما مع الصراع حسب التعامل مع الواقع إلى جانب إشارة الكاتب لنبوءة تسير في التحقق وهي إن السيادة القادمة بلون النمور الصفراء، بإشارته بتعليم سيف المختار بجامعة شنغهاي الصينية ووفاء حلمي بجامعة بونباي الهندية.
برز لنا معنى اسم هاشم العقرب الموازي للغراب مع واقعية معنى اسم هند الحافي التي أصيبت بالحفاء لغرقها في الفساد بكل معانيه لغياب الضمير عن قلبها وروحها في ظل سعيها لإتلاف أخلاق الشباب تحت ستار الترفيه والسعادة بأبخث الأثمان وهذا ما نعانيه الآن، والعلاج الناجع هو سلاح العلم والثقافة كما قال سيف المختار في أكثر من مناسبة.
كل هذا لن يأتي إلا بالوحدة المبنية على أسس لا تعرف الوهن والتففت إن وحدنا الأهداف وأكملنا النواقص فينا كعملية تكاملية تسير على منوال الوحدة الحقيقية دون ظواهر صوتية وشعارات رنانة لا تجلب لنا سوى الحنين الهادر للبكاء على اللبن المسكوب.
بجدية العلم تم التوحيد بين الواحتين المتنازعتين عبر إكمال الناقص لكليهما وقت المجاعة والتصحر مع تفعيل العقول العربية في إيقاف نزيف الشر كما فعل سيف المختار ووفاء حلمي مع هاشم العقرب وهند الحافي.
العمليات الإرهابية التي تدبر من قِبل الغرب عبر التنكر المخابراتي تحدث عبر بعض سواعدنا نحن؛ وذلك من خلال بعض الجماعات المتطرفة، وهذا ما وصفه مهندس الدبلوماسية الإسرائيلية موشيه شاريت لأستاذه بن جوريون قائلاً: "لا داعي لقتال أعدائنا بأنفسنا بل دعهم يتقاتلون مع بعضهم البعض للوصول لأهدافنا المرجوة".
صَدَّق بن جوريون على كلام تلميذه في كتابه "الصراع العربي الإسرائيلي" في العام 1955 قائلاً: "إن عظمة إسرائيل لا تكمن في أسلحتها الذرية ولا ترساناتها النووية بل في القضاء على أعظم ثلاثة دول عربية (العراق – سوريا – مصر)".
الصراعات الدائرة الآن في الدول المتناحرة بخطط صهيوغربية وأيدي عربية حتى لا نفكر في مقاومة أعدائنا وبالتالي لا بد من النظر بالتوازي الواقعي لما يحدث على الساحة دون أن نُمني النفس بالأوهام المعسولة التي تخفف من وطأة إخفاقاتنا.
تسير الرواية بانسيابية في تدرج أحداثها حتى مشهد فداء أم وفاء لفارس المختار زوج ابنتها يوم عرسهما كنوع من التكفير عن ذنب رفضها له في البداية وسعيها لتزويجها من هاشم العقرب، مما يؤكد لنا على أن الأيام لا تسير على وتيرة واحدة بل تتعاقب بمختلف التفاصيل كتعاقب الليل والنهار.