"العجيلي للإبداع الروائي" يناقش قضايا الرواية السورية

ريف الرقة الغربي شهد فعاليات مهرجان الأديب الراحل عبدالسلام العجيلي للإبداع الروائي، بدورته التاسعة.
الفعاليات انطلقت بمعرض تصوير ضوئي، ومعرض فن تشكيلي، ومعرض للكتاب، ومعرض التراث الرقي، وعرض فيلم وثائقي عن العجيلي
صلاح الدين يونس يرى أن المكان الفني يبدو منفصلاً عن المكان الطبيعي أكثر مما هو متصل به

شهد ريف الرقة الغربي فعاليات مهرجان الأديب د.عبدالسلام العجيلي للإبداع الروائي، بدورته التاسعة، وقد أقيم على مدار ثلاثة أيام، وجاءت تحت عنوان "تمثلات المكان والحوار والشخصية في الرواية السورية". 
انطلق اليوم الأول للفعاليات بافتتاح معرض تصوير ضوئي، ومعرض فن تشكيلي، ومعرض للكتاب، ومعرض التراث الرقي، وعرض فيلم وثائقي عن العجيلي، لتبدأ جلسات الحوارية التي شارك فيها نخبة من الأدباء والنقاد، والتي ناقشت عددا من المحاور من بينها: جماليات المكان في الرواية السورية، اللغة والحوار في الخطاب الروائي بين الفصحى والعامية، والكاتب وشخصياته.
في تناوله لجماليات المكان في الرواية السورية رأى الناقد د.صلاح الدين يونس أن المكان الفني يبدو منفصلاً عن المكان الطبيعي أكثر مما هو متصل به، وأما الاتصال فيقتصر على الإحالة التخييلية والتي يحاول الانعتاق منها، في سعي منه للتوضع الخاص في العمل الفني "تمثال، رواية، لوحة" وتبدو العلاقة أيضاً بين المكانين المذكورين كعلاقة الشيء بظله، كعلاقة الظل بالأصل، ورغم هذه العلاقة البادية فإن علاقة أخرى تبدو أقوى، وهي القوانين الداخلية التي تحكم كل جنس من أجناس الفن، ولا خلاف على الاختلاف بين القوانين الطبيعية التي صنعت المكان الطبيعي، والقوانين التي صنعت العمل الفني، فالمكان الطبيعي مخلوق بإرادة الطبيعة، مخلوق خارجي، أما المكان الفني فهو من صنع المخيلة البشرية، رغم أن المخيلة تحتفظ بكثير من صور الطبيعة.
وفي تناوله لرواية "الياطر" لحنا مينة قال: تبدو "الياطر" شكلاً للسيرة الذاتية، وقد صرّح المؤلف نفسُه بشيء من هذا. "كتبتُها دونما اعتبار لمفاهيمها النظرية والجمالية، أي إن هذه المفاهيم لم تكن يوماً مقاساً أفضّل عليه رواياتي". وتبدو – من جانب آخر- الرواية مهمة على صعيد اكتشاف العلاقة بين الإنسان السوري ومحيطه الطبيعي "الغابة، البحر"، ولهذه العلاقة أهميتها على غير صعيد، فهي تظهر فكرة الانتماء إلى الأرض، وتُظهر فكرة الحرية وجمال الطبيعة خارج المدينة، وتُظهر أهمية المدينة رغم شرورها، وتُظهر المدينة كضرورة من ضرائر نموّ المكان، ونموّ المعاناة الوجودية للإنسان فيه، حتى يستطيع البقاء، وعند القراءة الثانية للرواية ستفضي بناء سيرورة النقد إلى القيم الجمالية التي تتواجه الشخصيات تحت مسماها، وكأن عناصر الرواية "مكان، زمان، أشخاص، أفكار" تتوحد لتوحي بالحياة: شرورها وخيراتها، بؤسها وغناها، بشاعتها وجمالها، ولا يخفى أن الكاتب قد قام بتقويم الواقع، وتفسير ظواهره، في غاية منه لإظهار المثل الجمالية العليا التي يبدو وجودها في الرواية أغنى من وجودها في الطبيعة، فالإنسان مهما امتلأ شراً ففيه – فيما بعد اكتشافه لذاته- ملامح الجمال والفضيلة. 

Literary festival
الدورة التاسعة

أيضا حلل صلاح الدين رواية "ساعتان.. ساحتان" لزهير جبور، وأشار إلى أن المكان مدينة حمص، والزمن النصف الثاني من القرن العشرين، مع الامتداد خلفاً إلى عام 1939 وهو عام احتلال الأتراك لـ "لواء اسكندرون" بتواطؤ فرنسا المستعمرة، وتنتقل الأمكنة والأزمنة بالكاتب من اسكندرون إلى حمص إلى اللاذقية إلى دمشق إلى القنيطرة، فالكاتب عاش مع والده الجندي في القنيطرة حيث كانت إحدى حواجز الجبهة مع الكيان الإسرائيلي، تعود الأسرة إلى حمص نزوحاً ثانياً بعد الاسكندرون وبعد نكسة 1967، وفي حمص تستقر الأسرة في حي شعبي، ويعيش البطل حالة حب مع فتاة تُدعى جوادة، وخلال حياة البطل في حمص يخصص مجالاً واسعاً للأمكنة الشعبية ومحيط حمص من البساتين المروية من العاصي.
وتناولت الناقدة د. زبيدة القاضي "الانزياح اللغوي في رواية "لحظة الفراشات" لمحمد أبومعتوق، حيث قالت إن محمد أبو معتوق يعد واحداً من الروائيين الذين خاضوا مغامرة التجريب في الرواية، من خلال طرحه أسئلة جديدة، بحثاً عن إجابات غير تلك السائدة، إجابات تمثل علاقات الواقع على نحو أعمق، لكنها تحمل بذور أسئلة أخرى يترك المجال لطرحها من قبل أدباء آخرين. 
وأوضحت أن رواية أبومعتوق تعتمد على خرق أنماط اللغة التقليدية في الرواية بانزياح لغته عن السائد، من خلال تكسير الميثاق السردي المتداول، والتخلص من نمطية بنيانه، والنظام الذي يشكل منطق السرد، باستخدام طرائق الاستطراد والتوالد والتداعي والحلم. مما يسبب اهتزاز نسق السرد والحكي التقليدي، وتكسر تسلسله التتابعي على مكونات الخطاب كافّة، فيتكسر المنطق الخارجي للزمن، وتتداخل الأزمنة. وإن كان الصوت السردي أحادياً هنا "البطلة هي الراوية في "لحظة الفراشات"، تتنوع هيئة الخطاب السردي بتوظيفها طرائق متعددة في إرساله كالذاكرة والتخييل والسرد الذاتي، في شكل لحظات متقطعة يتداخل فيها الحلم بالواقع، وتتزامن الأحداث، وتتداخل الأصوات والشخصيات والخطابات.
وطرح سهيل تركي الذيب سؤال: من أين يستمد الكاتب شخصياته؟ ولفت إلى أن الشخصية الروائية "هي التي يخلقها الكاتب من خياله على الأغلب الأعم، ومن تفاعلها الخارجي والداخلي تتكون الرواية ومنها تستمد الأحداث التي تقوم الرواية بمداميكها عليها، هي من يحمل خيوط الأحداث فيشدها تارة ويرخيها تارة أخرى ليظهر العمل الإبداعي بحالته النهائية، وهذه حال الشخصية المركزية أو البطل والبطلة، وفي أي عمل روائي هناك مجموعة من الشخصيات الضرورية التي تكوّن ما يريد الكاتب أن يقوله على لسانها، فهو من يستنطقها ويحركها، أما أنواعها فكثيرة فمنها المركزية والثانوية والمهمشة والمهملة والمتممة والمدورة، وأكاد أقول إنها بعدد الشخصيات الموجودة في الواقع المعيش على اتساعه، كذلك فهي إما حقيقة وإما متخيلة، ويندرج تحت لوائها الشخصيات الأسطورية وشخصيات العوالم الأخرى وشخصيات الخيال العملي وكلتا الشخصيتين المتخيلة والحقيقية هما في اعتقادي بنات الخيال إلا ما ندر كما في الروايات التوثيقية والتاريخية التي تستند إلى أحداث حقيقية كما في الرواية مقبرة العظماء.. للأديب السوري مقبل الميلع الذي استند في روايته على شخصيات تزعمت القرن العشرين كستالين وديغول وروزفلت وأنطقها بما يناسب تفكيره وكذلك الأمر بالنسبة لروايتي "زناة" و"آثام" حيث اعتمدت فيهما على شخصيات حقيقية في مدينة عدرا العمالية خاصة وكذلك ففي رواية جنوب القلب لمحمد الحفري فالنقيب أمجد الأسطورة المقاومة كان ممن عايشهم الكاتب وفعل الأمر ذاته محمد أحمد الطاهر في روايته ماري التي استند فيها على قصة حب حقيقية عاشها البطل مع البطلة وان استبدل الأسماء الحقيقية بأسماء وهمية، وعلى هذا فالكاتب يوجه اهتمامه إلى قارئين أحدهما حقيقي والآخر متخيل، وللقارئ الحقيقي دور أساسي في فهم النص الأدبي وتفسيره ما يسهم في الإبداع الأدبي.

وفي دراسته "الحوار أنواعه ومشكلاته" رأى الروائي والناقد نذير جعفر أن الحوار يعدّ من أبرز المشكلات والتحديّات الفنيّة التي تواجه الروائي. فهل يصوغه باللغة الفصحى كونها اللغة القومية المعيارية الموحِّدة؟ أم باللهجة العاميّة وتنبيراتها ورطاناتها المحليّة والمهنيّة كونها مستوى من مستويات التفكّك الداخلي لتلك اللغة، وطريقة تعبير عن الخصوصية الاجتماعية والفردية لمنطوق الشخصيّات ومراميها الحيوية؟ إن الإجابة عن هذا السؤال قد لا تحيل للوهلة الأولى إلا على أحد الاختيارين: الفصحى أو العامية. لكن هناك اجتهادات عدّة في هذا المجال دعا بعضها إلى تبسيط الفصحى باتجاه تقريبها من العاميّة دون المساس بأبنيتها، وتفصيح العاميّة ماعدا المأثورات الشعبية، واعتماد العاميّة في الحوار مشروطا بشرح المفردات في الهامش. لكن ما يمكن ملاحظته بخصوص إشكالية الحوار لا يتوقف عند مسألة الفصحى والعاميّة، بل يتعدّى ذلك إلى السؤال الجوهري: إلى أي حدّ يمكن للروائي أن يقدم لغات شخصياته في المشاهد واللحظات الحوارية بما يعزّز واقعيتها، وينسجم مع مستواها الثقافي، والمهني، والعمري، وموقعها الاجتماعي، وسلوكها، وطباعها المضمرة والمعلنة؟ ذلك أن: إنشاء صور تلك اللغات هو المهمّة الأسلوبية الأولى للجنس الروائي ـ على حدّ تعبير باختين ـ الذي يرى في الحوار هدفا بذاته وليس مجرّد وسيلة فنيّة، ومن هنا تأتي أهمية تجسيده للخصوصية الاجتماعية والفردية والمهنية والإيديولوجية للشخصيّة الروائية، في كل لحظة من لحظات وجودها. فكلام الشخصيّة الروائية في الحوار لا يمكن تقييده بالفصحى أو بالعامية أو بما بينهما، إنما بمدى تلاؤمه مع حضورها المشخّص فنيّا، عبر ذهنيتها، وبنيتها النفسية، وزاوية رؤيتها، ودرجة تعليمها، ونوع مهنتها. ومن هنا يمكن لشخصية أن تتحدّث الفصحى في أحد مستوياتها، ولأخرى أن تتحدّث العاميّة، ولثالثة أن تتحدّث بلغة وسيطة، ولكن لا يمكن للشخصيّة ذاتها أن تتحدّث بكل هذه المستويات ما لم يكن هناك مسوّغ فنيّ لذلك. فالحوار إلى كونه هدفا بذاته فهو يؤدي وظائف فنيّة ودلالية عدّة. منها مسرحة السرد وكسر رتابته، وتعطيله أو إبطاؤه. وفي الحالتين يغيب الراوي ويحضر كلام الشخصيات. كما يسهم في الكشف عن دوافع ونوايا الشخصية، وتشخيص هويتها وسلوكها وطباعها وبيئتها، ما يعزّز واقعيتها ومصداقيتها الفنيّة.
وفي شهادته "اللحظات الثمينة.. بحث في شخصيات رواياتي" أوضح الروائي داود أبوشقرة "حين حاولت توصيف الشخصيات وجدتها تندرج في حقول عدة: شخصيات مثيرة للخيال. لا تشبهنا ـ شخصيات مساعدة لإبراز أفعال البطل ـ وشخصيات حيادية تشبه شخصيات الحياة ـ شخصيات تشبهنا وتندرج في أدب الاعترافات واليوميات والمذكرات ـ شخصيات روائية نحملها شخصياتنا ـ شخصيات لا تشبهنا نحملها أفكارنا. ولكي نتجنَّب الدخول في متاهات التوصيفات، يمكننا أن نصنفها في ثلاثة خطوط رئيسة: شخصيات تحمل لغة الكاتب وأسلوبه وأفعاله ـ شخصيات معاكسة تماماً ـ شخصيات فيها من طباع الكاتب. لكن في الحقيقة هناك من يقول: إنه ليس هناك شخصيات محايدة لا يتدخل فيها الكاتب، في الوقت نفسه نجد ما يعاكس هذا القول بمئة وثمانين درجة إذ نرى شخصيات رواية لكاتب ما وكأنها كله هو نفسه. تتحدث لغته. تمارس أفعاله. تتقمص أسلوبه. بمعنى أننا نجد مثلاً الفلاح في روايته يتحدث بلغة راقية تماما كالفيلسوف. بشكل أوضح: كل أصوات الرواية هي صوت الكاتب. هذه مثلبة كبيرة تحسب ضد الكاتب، لأن من أهم سمات الأدب الراقي هو أن يبرز الفوارق في التفكير بين الشخصيات الروائية. إن هذا الفرز هو أحد درجات الذكاء، وهي التي تولد الذكاء لدى القارئ أيضاً. إنها السبب الأول في جعله يفكر بالأسباب التي جعلت هذا متخلفاً عن ذاك. وهي تكرس لديه القدرة على النقد. هي أيضاً تجعله يتعرف إلى الكوميديا. 
وكشف الروائي محمد الحفري في شهادته إن شخصية رجل يدعى محمود المطور قد هيمنت عليّ في ثلاث روايات متتالية "بين دمعتين ـ العلم ـ البوح الأخير". هذه الشخصية تخلصت منها في روايتي الأخيرة "ذرعان" ومن قبلها رواية "جنوب القلب" ورواية "صندوق الذكريات" وراوية "كواكب الجنة المفقودة" لكنني بالمقابل أعترف أنني قد عشت نصف أحداث رواية جنوب القلب، وأن امرأة  قد حكت لي  بعضاً أو جزءاً من رواية "صندوق الذكريات"، ولعلي في مجال المسرح قد أخذت بعض الشخصيات من السوق وألبستها القالب التاريخي في مسرحية "مازال حياً" كما أنني كنت ألعب الشطرنج بمهارة وحب عندما حولت حجارته إلى شخصيات على الخشبة في مسرحية "تداعيات الحجارة" وقد رأيت ذلك الشخص الذي يحرض على العنف في مسرحية "الخروج من الجنة" التي قدمت العام الفائت على مسرح الحمرا بدمشق. وعن المكان أقول فقط أنني كنت أتقصد أن أمشي في شارع معين في بلدة مجاورة لبلدتي أثناء كتابتي لرواية "كواكب الجنة المفقودة" من أجل أن أقنع نفسي أن هذا هو شارع الطين الذي مشت فيه كواكب بطلة الرواية ذات وقت.