العراق، سيادة الدولة أم سيادة الحشد؟

جماعتان مسلحتان للعامري ومقتدى شكلتا قوة سياسية برلمانية قادرة على تقرير كل شيء مع معرفة الشعب الأكيدة بأن هذين يأتمران بأوامر ولاية الفقيه الحاكمة في إيران.

بقلم: إسماعيل شاكر الرفاعي

 لا سيادة لبلد فقد القدرة على اتخاذ قرار الحرب والسلام، فامتلاك هذا القرار بعيداً عن اي تأثير خارجي هو: العنصر الأساس من بين عناصر السيادة. لقد فقد العراق هذه القدرة، وعلى اثر ذلك فقد القدرة على المناورة في المحيطين: الإقليمي والدولي، وبفقدان القدرة على المناورة الخارجية، يكون العراق على رأس قائمة الدول التي فقدت القدرة على صناعة سياستيها الخارجية والداخلية، وان قوى أخرى في المحيط الإقليمي والدولي هي التي تقرر وترسم له اتجاهات سياستيه: الداخلية والخارجية. حدث ذلك منذ ان بدأت فصائل الحشد الشعبي، وتحديداً تلك التي تأتمر بأوامر الولي الفقيه الإيراني، تتخذ بالنيابة عن العراق والعراقيين، قرار الحرب على أمريكا.

وأمريكا حين ترد على هذه الفصائل: لا تملك الا ان تنتهك سيادة العراق، لأن هذه الفصائل ببساطة موجودة في العراق وليس في مكان آخر، وان ايران نفسها - التي أعلنت هذه الفصائل الحرب على امريكا من اجلها - لا تسمح لهياكلها العسكرية بدخول ايران، وان الحكومة العراقية تغذي هذه الفصائل قانونياً ولوجستياً ومالياً.

اصبحت هذه الفصائل بعد انتخابات 2018: القوة الاولى في البلاد، ففصلين منها: احدهما يملكه مقتدى الصدر، والآخر يملكه هادي العامري، يستطيعان بالتوافق فيما بينهما: تعيين رئيس الحكومة وخلعه في اي لحظة يشاءان.

أي أن الشعب العراقي منح: عبر التصويت الطوعي، لهذين التشكيلين العسكريين قوة سياسية برلمانية قادرة على تقرير كل شيء، مع معرفة الشعب الأكيدة بأن هذين الفصيلين يأتمران بأوامر مؤسسة ولاية الفقيه الحاكمة في إيران.

باستطاعتنا القول بأن غالبية العراقيين لا يحبون وطنهم ويكرهون استقلاله، وهم جميعاً الآن ذيول لإيران، وحين انتفض البعض منهم من اجل استعادة سيادة وطنهم كما يقول شعارهم: نريد وطناً، اغتيل هذا الشعار الوطني السليم، لأنه ليس من العقول ان تستعيد "الفريسة" من انياب الوحوش الضارية بطبول السلمية والسلام.

أم ان الأصح القول: بأن التفكير السياسي الطائفي يقود في النهاية الى التخلي عن الاسترشاد بالمنظومة الفكرية الوطنية لصالح الاسترشاد بالمنظومة الفكرية الطائفية التي تعتبر أولويتها الأولى: الدفاع عن الطائفة وعن امتداداتها الخارجية.

حين تتحدث بعض الفئات العراقية عن وجود سيادة ووجود حكومة ورئاسة دولة وبرلمان، وعن وجود مؤسسات دولة مستقلة، فإنها تتحدث عن مصلحتها بوجود هكذا بنى هشة ومفككة. وهي لا تخدع نفسها ابداً في ذلك، فحين يدر التصور حتى لو كان وهماً، ما لا يدره اي نشاط آخر من ثروات ونفوذ: يصبح الوهم هو الحقيقة الواقعية، وهو المعقول الوحيد وسواه مجرد اوهام: ان معظم الأوهام التي ترسبت من الحضارة الزراعية وما زال تأثيرها فاعلاً في الحضارة الصناعية، يقوم على وهم وقوع معجزة خارقة لنواميس الكون الطبيعية والاجتماعية: لم تقع ابداً ولن تقع. ومع ذلك يؤمن الناس بوقوعها او بانها راهنة الوقوع لا محالة .

كاتب عراقي