العراق.. على صفيح ساخن

الخاسر الأكبر لن يكون إيران أو الولايات المتحدة أنما العراق الذي سيكون ساحة المواجهة فهناك أوساط عراقية عديدة موالية لإيران تدفع باتجاه عدم الالتزام بالعقوبات.

بقلم: حسن البياتي

إن المتتبع للأحداث التي تجري في المنطقة، يرى أنها تذهب أحيانا للحرب التي لا مفرّ منها، وأنها واقعة اليوم أو غداً، خصوصاً بعد حرب التصريحات المتتابعة والتهديدات المتبادلة بين إيران من جهة، والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى؛ فواشنطن تعمل بورقة العقوبات الاقتصادية، وإيقاف تصدير النفط الإيراني بما يصل إلى الصفر. أما إيران فهي تهدد بإغلاق مضيق هرمز أمام تجارة العالمية، وإلغاء التزاماتها بما يخص اتفاق الملف النووي.

إذا ما أردنا استحضار طريقة تعامل واشنطن في صراعاتها في المنطقة، وخصوصاً صراعها بالأمس القريب مع نظام صدام حسين، إذ بعد أن أنهكته حرب الثماني سنوات مع إيران وسماحها له بأن يبني قواته العسكرية والأمنية ليظهر كقوة عظمى، أوقعته في فخ الكويت وعزله عن محيطه العربي، ثم جاءت ورقة الحصار التي امتدت لثلاثة عشر عاماً أنهكت البلاد والعباد.

أخيرا تم احتلال العراق وهو في أضعف حالاته بما لا يقوى على أحداث خسائر تذكر في القوات المحتلة. وبالمقارنة مع صراع الولايات المتحدة مع طهران، فأنها تسعى إلى إعادة تجربتها الأسلوب نفسه. وإذا ما اتفقنا مع هذه النظرية فإن شبح الحرب من المبكر الحديث عنه في هذه المرحلة، لأن القادة الأمريكان يريدون إنهاك إيران أولا؛ فهي تغض الطرف عن التغلغل الإيراني، وتحاول استنزافه بتمدده في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وهي بهذا تسعى لتحقيق هدفين في نفس الوقت: الهدف الأول، إضعاف إيران اقتصادياً وتمزيق هذه المناطق. وثانيا، زرع بذور الفتن الطائفية والقومية فيها بما يخدم الكيان الصهيوني والقضاء على مصادر التهديدات التي تستهدفه.

إذن، أمريكا ليست في عجلة من أمرها، أنما تحتاج مزيداً من الوقت لتحقيق أهدافها. بذلك في تعمل على عزل طهران عن أذرعها في هذه الدول بإيقاف تمويلها المادي والتسليحي باستخدام ورقة العقوبات، وإبعاد أي تهديد لقواعدها ومصالحها في المنطقة، وقد تستعين أحيانا بوكلاء يقومون ببعض التحركات نيابة عنها حتى لا تظهر في خط المواجهة الأول.

على سبيل المثال (إسرائيل) من خلال استهدافها لمخازن الأسلحة التابعة لبعض فصائل الحشد الشعبي المتهمة بارتباطها بإيران. في مقابل ذلك، تعتقد إيران أن لديها الكثير من الأوراق لتلعب بها إذا ما استمرت الأمور على هذا المنوال؛ فهي تسعي بدايةً لجر الولايات المتحدة للمواجهة العسكرية بشكل مبكر، مستغلة العديد من نقاط القوة التي تمتلكها ومنها ورقة حزب الله وإمكانية تهديد (إسرائيل)، وفصائل الحشد والفصائل المسلحة الأخرى في العراق وسوريا، فضلا عن الورقة الحوثية وقدرتها على تهديد الملاحة في باب المندب. كما أن إيران لديها من الحلفاء ما يمكن أن يكون ورقة رابحة خاصة روسيا والصين وبعض الدول الأوربية، لذلك فإن إيران في سعيها للمواجهة المبكرة مع أمريكا، تعمل بحذر حتى لا تقوم بأي عمل غير قانوني، يمكن أن تخسر فيه هذه الورقة.

أما إذا حدثت المواجهة، فالسؤال المطروح: من هو الخاسر ومن هو الرابح؟ ما يعنينا هو الخاسر الأكبر الذي هو بالتأكيد لن يكون إيران أو الولايات المتحدة، أنما العراق الذي سيكون ساحة المواجهة؛ فهناك أوساط عراقية عديدة موالية لإيران تدفع باتجاه عدم الالتزام بالعقوبات. وهذا خيار قد يجعل العراق في دائرة الاستهداف الأول، ويعيده إلى المربع الأول، بما يعطي فرصة لإمكانية التدخل الأمريكي المباشر في الوضع العراقي وإجراء تغيير على الساحة السياسية، وإعادة هيكلة النظام السياسي العراقي.

أما على الصعيد الاقتصادي، فقد ربطت إيران الاقتصاد العراقي بها، بشكل كبير؛ إذ يعتمد العراق على إيران بالطاقة والمواد الإنشائية والصناعية والغذائية الحيوية. وطالبت الحكومة العراقية باستثناء العراق من تلك العقوبات، وقد وافقت واشنطن على استثناء استيراد الكهرباء لفترة محدودة. ويجب على الحكومة العراقية إيجاد البدائل المناسبة في هذه الفترة. ومن هذه البدائل الربط الكهربائي مع تركيا أو دول الخليج العربي، إلا أن قوة الروابط الاستراتيجية المذهبية مع إيران تقف حائلا في طريق تلك البدائل. وفي ظل هذه التجاذبات لا تمتلك الحكومة العراقية خيارات كثيرة أو استراتيجية واضحة المعالم، لعدم وجود اتفاق بين الكتل السياسية حول الدور الذي يجب أن تسلكه الحكومة، التي تعمل الآن كساعي بريد بين الطرفين المؤثرين كثيراً في المشهد السياسي العراقي.

السؤال المطروح: هل يستطيع العراق مسك العصا من منتصفها في حلبة الصراع الأمريكي الإيراني؟ فهناك أطراف تميل لترجيح الكفة الأمريكية ترى بأن على العراق تغليب العقل على العاطفة والوقوف مع الطرف الأمريكي الأكثر تأثيراً في المشهد السياسي العراقي. في حين ترى الأطراف القريبة من طهران ضرورة الوقوف إلى جانب إيران، بحكم الانتماء العقائدي والمصالح المشتركة، وبين هذا وذك يبقى العراق على صفيح ساخن.

نُشر في العالم البغدادية

أستاذ جامعي ـ كلية الرشيد