العراق.. عُسر ولادة الجديد

الجدية السياسية ليست شللية وانفعالات الكترونية.

رحلة أي جماعة طامحة للتغيير تبدأ محطتها الاولى من الأحداث الكبرى التي ينقاد لها المجتمعات وتؤثر فيهم، فكلما أشتدت الظروف وتناسلت الأزمات كلما زادت الجماعة من محاولاتها لإحياء كيانها ولا تنتهي مع انتهاء القناعة بينها وبين احد اعضائها او مجموعة تابعة لها، بل ينبغي هنا ان تبدأ من تقاطعاتها الداخلية وتفرز من المراجعة ما ينفعها وما يضرها.

رغم انزعاجي المُعلن من أهداف الأحزاب التقليدية ذات العنوان الإسلامي، ومعارضتي لتجربتها في الوصول للسلطة قبل الدولة، الا انني لا استقبح الاستفادة من المناخ الذي نشأت فيه حيث الإغلاق التام ضدها، والمشانق التي كانت تلاحق قادتها، والنفي والاعتقال لمن يهمس او يلمس برؤيتها، وبالرغم من ذلك فهي استطاعت التداول السري ثم العلني ثم الصمود ثم المواجهة ثم الاستمرار وصولاً الى فرصتها في الحكم.

اي كيان جديد ما لم يحول المعضلة إلى سهولة لا يمكن ان يستمر، أي كيان جديد يقدس رأس واحد بدون منهجية وتوزيع ادوار لا يمكن ان يستمر، اي كيان يختزل الناس وعقائدهم بأيدولوجيته لا يمكن ان يستمر، اي كيان لا يدرك ان الفعل السياسي حين تحكم خطاباته قواعد مطلقة، علمانية او إسلامية، فهو لا يمكن ان يستمر. من لا يتأقلم مع الواقع ببيئته السياسية والأيديولوجية كونها بيئة شتات من أحزاب وقناعات وعقائد ومذاهب ولغات مختلفة لا يمكن ان يستمر.

الكيانات البديلة هي التي لا تنظر إلى تاريخ الناس، بل إلى حاضرهم، وما يمكن ان تصنعه من أهداف قادرة على رفدهم بالحقوق دون اشتراطات، حاجات المواطنين ليست مستحيلة، لكن المستحيل هو تحقيقها من أحزاب تشترك في الأهداف بينما لا تجتمع أدوارها في الوصول الى ما تشترك فيه.

لا بد ان تدرك الكيانات الجديدة أن البراغماتية المعاصرة غايتها إدراك للمصالح الجماعية بواقعية اوسع من عناوين "الليبرالية" او "العلمانية" أو "الإسلامية".

تشكيلات "النموذج الجديد"، أي الأحزاب الناشئة، يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار ان من هم خارج منصة التواصل الاجتماعي يشكلون مجتمعات غير معنية بهذا الحراك او تلك التنسيقية، ولا تهتم لعناوين ناشط مدني، او مدافع عن الحريات، ولا تعرف ولا تسمع لشعارات نائمة على جدران الفيسبوك، ولا تعنيها كم لايك تحصل عليه بوستاتكم، ولا منازلاتكم او سيلفياتكم، ستقول لي هذا رجم لفرصة قد جاءت بها انتخابات 2021 لصالح قوى "الإحتجاج" او "المستقلين"، وانا اقول كونها فرصة قد تأتي مرة ولا تتكرر مرة اخرى ما دامت لم تحفز بعد الجماعات الشبابية للإنتقال من التنظيمات الشللية والانفعالات الكترونية إلى صناعة الجدية السياسية.