
العراق يتألق على خشبات مسارح الدار البيضاء بالمغرب
بإسدال الستارة على فعاليات الدورة الثالثة عشر للمهرجان العربي للمسرح، الذي نظمته الهيئة العربية للمسرح، تعود الأعمال المعروضة لتشكل جزءا من التاريخ المسرحي العربي، وتجدد ماهيتها، ضمن واقعها المسرحي كونيا ومحليا، وقد كان من أبرز النقاط المضيئة خلال هذه اللقاء المسرحي العربي، العروض الثلاثة التي قدمتها دولة العراق، التي تم تمثيلها خلال هذا الملتقى بثلاث أعمال هي مسرحية "خلاف" للمخرج مهند الهادي، ومسرحية "ميت مات" للمخرج علي عبدالنبي الزيدي، ومسرحية "أمل" للمخرج جواد الأسدي.
حضور مسرحي عراقي متميز بشهادة أغلب النقاد ممن تابعوا هذه الفعاليات، حضور وإن لم يحض بالجائزة الكبرى للملتقى لكنه نافس وبقوة عليها، حضور توج ليلة الاختتام بالإعلان عن دولة العراق كوجهة قادمة للدورة الرابعة عشر للمهرجان العربي للمسرح العربي، للتأكيد على الحركية التي يعيشها المسرح العراقي بعد توقف دام طويلا وعطل الإبداع العراقي لسنوات كثيرة.
كان للجمهور موعد مع ثلاثة أعمال تمثل ثلاث اتجاهات مختلفة تماما في الرؤية الإخراجية والكتابة المسرحية، أولها للمخرج للعراقي مهند الهادي، وهي المسرحية الأكثر جرأة على مستوى التجريب نصا وسنوغرافياوإخراجا، بخطاب لا يراوغ للحديث بواقعية تجد نفسها مهمومة بالتغيرات الحاصلة بالمجتمع العراقي.

عن هذا العمل يقول الناقد البحريني يوسف الحمدان في ورقته التي قدمها خلال المهرجان "باحث مبدع مشاكس بحجم المخرج الشاب مهند الهادي، الذي أزعم أنه شكل منعطفا مهما في تاريخ الحركة المسرحية الحديثة والمابعدية في العراق، والذي تفرد برؤية مختلفة عن من سبقه من أساتذته المخرجين ومن أبناء جيله أيضا في العراق ...ومن حسن حظي أنني حظيت بمشاهدة تجارب مسرحية ثلاث للمخرج مهند الهادي، كانت أولاها مسرحية 'كامب' بمهرجان دمشق المسرحي عام 2010، والثانية مسرحية 'في قلب الحدث' والثالثة مسرحية 'خلاف' التي شاهدتها قبل شهرين في مهرجان الأردن المسرحي.. في التجارب المسرحية الثلاث يكون المبدع مهند الهادي هو المؤلف لها بجانب كونه مخرجا لها أيضا.. وما يحسب للهادي أنه يكتب نص العرض، لذا نرى هذا النص في كل جملة حركية أو مؤداة أو دالة على خشبة المسرح، ونستشعر ونتحسس كل التحولات وكما لو أن فضاء العرض يكتبها في حينه، لذا تجارب الهادي المسرحية مرشحة فقط لعروضه هو كمؤلف مخرج وليست مرشحة لمخرج آخر كما أرى ذلك من خلال وجهة نظري .ولو تأملنا هذه النصوص مليا، سنرى أنها تتكيء على محطات فكرية متقاربة في قراءتها للواقع العراقي".
من جهة ثانية، فإن مسرحية كـ "ميت مات" تضعنا في مواجهة حساسية النضج المسرحي والقوة الهادئة للمسرح، مع المخرج علي عبدالنبي الزيدي، بمسرحيته التي تحاكم وتسائل الواقع العربي الغارق في الإنتظارية والعاجز عن الوقوف، في رحلة نصية إخراجيةتصوفية، وهي مسرحية تعطي النص والمعنى الأسبقية، مسرح لا يراوغ ويتوجه للجمهور بإبداع قوي ومباشر،معتبرا إياه عنصرا من عناصر العرض المسرحي، حيث تتراجع كل العناصر المسرحية على الخشبة أمام قوة الكلمات.

عن هذا العرض يقول الناقد السوداني، السر السيد، خلال الندوة التطبيقية للعرض: "يمكنني القول إنَّ العرض قد صُمِّم وبُني على رؤية يكون فيها الممثِّل هو العنصر الأساس وباشتغال أكبر على أدائه الصوتي؛ حيث لم يكن لحركة الممثِّل الجسمانية حضور يذكر. الرهان على الأداء الصوتي للممثل، بجانب أنَّه كشف عن القدرات الاستثنائية للممثِّلين، وما خُفي من جماليَّات النص شكَّل بُعداً إضافياً للسينوغرافيا فقد منحنا إحساساً بالمكان من حيث الضيق والاتساع؛ لدرجة الشعور في بعض الأحيان وكأنَّنا نتنفَّس في الاختناق، ومنحنا إحساساً بالزمن من حيث الماضي والحاضر والمستقبل، بل منحنا الكثير من مشاعر الخوف والترقُّب والسكون والموت، ولعلَّ هذا بعض ما حاولت أن تجسده لنا السينوغرافيا كما أشرت آنفاً".
هذه الثلاثية المسرحية العراقية اختتمت عروضها على مسرح محمد زفزاف بالدار البيضاء، بمسرحية "أمل"، وهو عرض مسرحي بنفس شبابي وسينوغرافيا أبدع فيها علي السوداني. حيث شكلت الأرضية المبللة بالماء، ومئات الكتب المرصوصة بجوانبها، والجدران بنوافذها الشبيهة بالمكتبة، خشبة مسرحية حافلة بالحياة.
وبدورها فإن مسرحية "أمل" و على غرار مسرحية "خلاف" تحاول إضاءة المناطق المظلمة في واقع عراقي تعصف به الصراعات، وتتساءل المسرحية بكل وضوح عن الجدوى من جلب طفل للحياة في مجتمع يحتفي بالموت والدمار بدلا من الحب والحياة، وهي من المسرحيات التي شدت لها الانتباه، على اعتبار أن المخرج جواد الأسدي من الأسماء المسرحيةالمتيزة في العراق، بتاريخ طويل من العطاء.

عن هذه المسرحية كتب الناقد جمال ياقوت، في ورقته النقدية عن المسرحية: "العرض يؤكد فكرة أن العرض هو استكمال لحياة النص، والقارئ للنص يدرك المساحة التي تركها المؤلف للمخرج، قد يكون هذا هو السبب الرئيس الذي جعل النص المسرحي يختفي منه الإرشاد تمامًا، فلا توجد جملة إرشادية واحدة، إنما ولوج مباشر للحوار".
ورغم الاختلاف الواضح في تقنيات العمل المسرحي والخلفية الثقافية للمخرجين العراقيين الثلاثة الذين قدموا أعمالهم خلال الدورة الثالثة عشر للمهرجان العربي للمسرح، لكنها أعمال لفتت أنظار المتابعين والجمهور، وكلها كانت تصب في نهر واحد هو نهر الإبداع المسرحي الذي لا جنسية ولا هوية له غير الإنسان.