الفساد الممزوج بالطائفية يتجسد في غرق عبارة الموصل

حادث العبارة يكشف للعراقيين حجم الفساد لكنه يذكرهم أيضا بالطريقة الغامضة التي تدار بها موازنة الموصل البالغة 800 مليون دولار.
قوات كردية تلقي القبض على مالك الجزيرة السياحية
أموال الموصل تحت تصرف مكاتب تدعي الانتماء للحشد الشعبي
رجال أعمال حصلوا على ملايين الدولارات من بيع الأنقاض
الفساد كبّد العراق 228 مليار دولار منذ اسقاط النظام السابق

بغداد - طفت ملفات الفساد الذي تعاني منه الموصل، أكبر مدن شمال العراق، الى السطح بعد حادث غرق عبارة الموصل الذي تسبب بمقتل حوالي مئة شخص، ما دفع السلطات الى إصدار أوامر بتوقيف المحافظ وملاحقة مسؤولين محليين في المدينة التي ما زالت تنتظر إعادة الأعمار بعد أن دمرتها حرب ضارية مع تنظيم الدولة الإسلامية.
وكانت الصدمة كبيرة بعد غرق العبارة الأسبوع الماضي ومقتل مئة على الاقل فيما لا يزال 63 آخرون مفقودين، وغالبية الضحايا من النساء والأطفال من سكان الموصل التي استعادت القوات العراقية السيطرة عليها من الجهاديين في تموز/يوليو 2017.
ويعاني العراق منذ سنوات من فساد استشرى في مؤسساته. ويحتل العراق المرتبة 12 بين الدول الأكثر فساداً في العالم، وقد تسبّب هذا الفساد خلال السنوات الـ15 الماضية بخسارة 228 مليار دولار ذهبت الى جيوب سياسيين وأصحاب مشاريع فاسدين، وفق مجلس النواب العراقي. ويمثل هذا المبلغ اليوم ضعف الميزانية وأكثر من الناتج المحلي للبلاد.
ولم يتعرض إلا قلة من المسؤولين الى المساءلة، وهرب أغلبهم خارج العراق ونجا آخرون مستغلين امتيازات خاصة. وحتى الذين أدينوا منهم، كان القانون متساهلا معهم ولم يعاقبوا وخرج البعض بحكم "عفو" أو بعد مبلغ يمثل جزءا صغيرا من الأموال المسروقة، وفقا لمصادر قضائية.
لكن حادثة غرق العبارة في الموصل أعادت الى الواجهة كل هذه التجاوزات، وخرج ذوو الضحايا في تظاهرات رددوا خلالها "الفساد يقتلنا".

مؤشر على وجود احتقان طائفي خطير وعوامل على ظهور ما يسمى بيعة جديدة لداعش

وذكر تقرير برلماني أن هناك "مؤشرا على وجود احتقان طائفي خطير سببته الممارسات السلبية" وعوامل على "ظهور ما يسمى بيعة جديدة لداعش الإرهابي واستنهاض عناصرها مرة أخرى" في محافظة نينوى.
والفساد أيضا يحول دون أن تبدأ حتى الآن عمليات إعادة إعمار محافظة نينوى التي خضعت أكثر من ثلاث سنوات لحكم الجهاديين، وشهدت معارك دامية لاستعادة السيطرة عليها.
هذا ما أكده التقرير البرلماني الذي شارك في إعداده 43 نائبا بعد مقابلات استمرت أربعة أشهر مع السكان والمسؤولين، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية مقتطفات منه.
وكشف التقرير الذي يتألف من 40 صفحة، حجم الفساد في المحافظة التي تصل موازنتها الى 800 مليون دولار. فتحدث عن "هيمنة لجان اقتصادية تدعي الانتماء الى الحشد الشعبي، وتسيطر على المشاريع والاراضي والمزادات".
ودخل الحشد الشعبي المؤلف من فصائل شيعية تقاتل الى جانب القوات الحكومية، الموصل بعد طرد الجهاديين منها. ولم يلق ترحيبا من سكان المدينة الذين اتهموا البعض من رجال الحشد بالسعي للاستفادة من الحروب.
ولم تتمّ إعادة بناء أي شيء في الموصل، لكن تمّ تدمير عدد كبير من المباني بذريعة رفع الأنقاض. ويقول مسؤول محلي إن رجال أعمال حصلوا على ملايين الدولارات من خلال إعادة بيع حديد التسليح وأطنان من مخلفات المباني.
وذكر المسؤول، وفقا للتحقيق البرلماني، أن "المكاتب الاقتصادية قامت بنهب ممتلكات المحافظة كالحديد وغيره ، وتقدر قيمته بالمليارات. للأسف فإن مكتب الامانة العامة لمجلس الوزراء هو من يمنح الموافقات ويرسل البرقيات بالموافقة".

تقرير البرلمان: نوفل العاكوب أنشأ طريقين لتهريب مشتقات النفط
تقرير البرلمان: نوفل العاكوب أنشأ طريقين لتهريب مشتقات النفط

كما كشف التقرير أن محافظ نينوى نوفل العاكوب الذي أقيل وصدرت بحقه مذكرة توقيف، قام بـ"بناء طريقين يتعارضان مع القواعد البلدية بهدف تهريب مشتقات نفط من حقول تقع الى الجنوب من الموصل".
وأدى غرق العبارة التي كانت مكتظة بالنساء والأطفال الذين كانوا يحتفلون بعيد نوروز وعيد الأم، رغم تحذيرات رسمية بارتفاع منسوب مياه نهر دجلة، الى إشعال فتيل النار في ملفات فساد كثيرة أخرى.
وقال النائب عبد الرحمن اللويزي الذي شارك في التحقيق إن "المحافظ أقيل بناء على توصيات اللجنة البرلمانية التي كانت تعمل قبل الحادثة، لكنها جاءت تحت تأثير حادثة العبارة.
من جهة ثانية، أعلنت السلطات المحلية توقيف مالك الجزيرة السياحية التي شهدت حادثة غرق العبّارة. وذكرت خلية الأزمة بمحافظة نينوى في إنه تم إيقاف عبيد إبراهيم علي، وابنه ريان، بالتنسيق مع سلطات إقليم كردستان العراق.
وأشار البيان أن عملية الإيقاف نفذها جهاز مكافحة الجريمة التابع للاقليم الكردي.
ويقول ناجون من الحادث إنه كان بالإمكان تجنب وقوع كارثة العبارة، لكن بالنسبة الى العراقيين، بات هذا الحادث مؤشراً على ضرورة منع تولي "فاسدين" مناصب مهمة.
وكتب ناشط عراقي على حسابه على موقع للتواصل الاجتماعي "غرق العبارة كشف عشرات ملفات الفساد في الموصل". وتابع "كم يتطلب من ضحايا وغوارق أن تقع للكشف عن ملفات الفساد في المحافظات الأخرى في العراق"؟
وفيما تواصل قوات الشرطة مطاردة المحافظ العاكوب في عموم البلاد، يرى وزير الدفاع السابق عبد القادر العبيدي أن آخرين يتنافسون على خلافته في المنصب، لا يترددون في السير على الطريق ذاته.
وذكر العبيدي في لقاء عبر إحدى القنوات المحلية أن أحدهم "اقترح على عدد من أعضاء مجلس المحافظة مبلغ 250 مليون دينار (اكثر من 200 ألف دولار) لكل واحد منهم، مقابل دعم ترشيحه" لمنصب المحافظ.