الفشل الايراني ليس في العراق فقط!

تريد إيران انتخابات عراقية على مقاسها او لا انتخابات.

حصلت انتخابات في العراق في الثاني عشر من ايّار – مايو الماضي. بعد شهر على الانتخابات لا يزال الخلاف كبيرا في شأن نتائجها. ليس معروفا من فاز، على الرغم من ان قائمة "سائرون" لمقتدى الصدر حلت في الطليعة. هناك مبررات مختلفة تساق لمنع الصدر من قطف ثمار النتائج التي حققتها "سائرون". كلّ ما في الامر انّ مقتدى الصدر، على الرغم من كل الاخذ والردّ في شأن تصرفاته منذ الاحتلال الاميركي للعراق في 2003 ولعبه أدوارا مختلفة لمصلحة ايران في الماضي، اظهر اخيرا نوعا من الوطنية العراقية. كشف الرجل عن رغبة واضحة في التخلص من اليد الايرانية الثقيلة التي تسعى الى تحويل العراق مجرّد مستعمرة تدار من طهران.

ربّما انّها المرّة الاولى في العالم، التي يشكك مجلس للنواب منتهية ولايته، في المجلس الجديد وبشرعيته بعد حصول انتخابات وفق القوانين المرعية. استغل المجلس القديم الوضع القائم، نظرا الى انّ ولايته تنتهي في الثلاثين من حزيران – يونيو الجاري، لالغاء النتائج المعلنة للانتخابات الأخيرة. يريد إعادة فرز لكل الصناديق في كل البلاد وعدّا يدويا للاصوات. هناك ضرب لفكرة الانتخابات من أساسها. بالنسبة الى ايران، لا تعني الانتخابات العراقية شيئا ما دام المجلس الجديد خارج سيطرتها. هذه فضيحة مدوية تعبر عمليا عن الإفلاس الايراني وعن عجز عن إدارة العراق، بما في ذلك عملية الانتخابات فيه. هناك بكل بساطة عجز عن متابعة سياسة تقوم على التحكّم بالبلد وبكلّ مفاصل الحياة السياسية فيه. هناك فشل إيراني ليس بعده فشل لا يظهر في العراق فقط. يظهر هذا الفشل في كلّ مكان تدخّلت فيه ايران مباشرة او عبر ميليشياتها المذهبية. بل يظهر في ايران نفسها حيث يعاني شعب بكامله من نظام ليس لديه ما يقدّمه له باستثناء الهرب المستمر الى خارج حدود البلد... والوعد بالجنّة.

عمليا، الغت ايران الانتخابات العراقية. تريد انتخابات على مقاسها او لا انتخابات. في غياب القدرة الايرانية على التحكم بالناخب العراقي وتوجهاته، وعلى الرغم من كلّ النفوذ التي تمتلكه ميليشيات الأحزاب المذهبية المنضوية تحت تسمية "الحشد الشعبي"، لم تستطع ايران تحقيق النتائج التي كانت ترغب فيها. هناك عوامل عدّة لعبت ضدّها بما في ذلك الانقسامات داخل "الحشد الشعبي" نفسه حيث بدأ طعم السلطة يروق لقياديين فيه.

اذا كان صعود نجم مقتدى الصدر في العراق يعبّر عن بداية وعي لدى العراقيين بان بلدهم يجب ان يقاوم الهيمنة الايرانية والابتعاد عن فخّ لعبة اثارة الغرائز المذهبية، فانّ الهجمة الايرانية على الانتخابات العراقية تعكس ضعفا. في أساس هذا الضعف الايراني ان ليس لدى النظام في طهران ما يقدّمه للعراق والعراقيين. اذا كان هناك من امل ما في استعادة العراق وحدته يوما، او لنقل نوعا من الوحدة في ظلّ دستور وقوانين على علاقة بما هو حضاري في هذا العالم، فان هذا الامل محصور في الرغبة في الابتعاد عن ايران الحالية بكلّ ما تمثّله على كلّ صعيد.

لا يظهر الضعف الايراني في العراق فقط حيث طهران مضطرة الى ابطال نتائج الانتخابات من منطلق انّها لم تناسب مرشّحيها لتولي موقع رئيس الوزراء، على رأسهم نوري المالكي. هناك سوريا حيث لم تعد ايران تدري ما الذي عليها عمله. عاجلا ام آجلا، سيترتب على ايران الخروج من سوريا. الأكيد انّها لا تستطيع ذلك على الرغم من تأكدها من ان لروسيا حسابات خاصة بها. ترتبط الحسابات الروسية في سوريا بما تريده إسرائيل من جهة والحاجة الى إيجاد تفاهم مع إدارة دونالد ترامب من جهة أخرى.

ما أدت اليه السياسة الايرانية في سوريا افلاس ليس بعده افلاس. لم يعد امام ايران من خيار آخر غير الكلام الكبير للتغطية عن حال من العجز. في الواقع، لم يعد امام ايران سوى الانسحاب في سوريا او الذهاب الى تفجير المنطقة كلّها. تسعى ايران الى فتح ثلاث جبهات هي جنوب لبنان وغزّة والجولان، فضلا عن ممارسة ضغوط على الأردن. وهذا ما تنبّه اليه الخليج لحسن الحظ.

تريد ايران، بكل وقاحة، التسبب بكارثة أخرى في غزّة التي ما زالت فيها بيوت مدمّرة منذ حرب أواخر 2008 وبداية 2009. من الواضح ان هناك في غزّة من لا يريد ان يتعلّم من تجارب الماضي القريب وان لا يقتنع بان كلّ ما تفعله ايران هو متاجرة بالقضية الفلسطينية والفلسطينيين. من يريد مثلا حيّا على ذلك في إمكانه استعادة الخطاب الأخير للامين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله في مناسبة "يوم القدس"، وهو اليوم الذي تبلغ فيه المتاجرة الايرانية بالقضية الفلسطينية ذروتها. حرص نصرالله، الذي بات قائد "فيلق القدس" في "الحرس الثوري" الايراني قاسم سليماني يطلق عليه لقب "آية الله" على التوجه الى الاسرائيليين بقوله: "الى الصهاينة الغزاة المحتلين، اركبوا سفنكم وطائراتكم وعودوا من حيث جئتم... يوم الحرب الكبرى قادم وهو اليوم الذي سنصلي فيه جميعا في القدس".

يكمن الخوف، كلّ الخوف، في ان وراء اسباغ سليماني لقب "آية الله" على نصرالله، على الرغم من اعترافه بانّ ذلك لا يحق له، يستهدف زجه في الحرب التي تنوي ايران شنّها تفاديا للخروج من سوريا. سيكون ضحايا هذه الحرب، في معظمهم، من اللبنانيين والسوريين والعراقيين. كيف يمكن لحزب، هو في نهاية المطاف مجرد ميليشيا مذهبية تشكل لواء في "الحرس الثوري" الايراني تحرير القدس التي لا يوجد من يقاوم المحتل الإسرائيلي فيها غير أهلها والعرب الشرفاء من اهل الخليج والاردن الذين يرسلون اليهم المساعدات كي يتمكّنوا من البقاء في ارضهم؟ كيف يمكن لحزب يشارك في الحرب على الشعب السوري من منطلق مذهبي ويلعب كل الأدوار المطلوبة منه في مجال تدمير المدن السورية، من حلب الى حمص وحماة، لعب دور في تحرير القدس؟

من يدعو الى تحرير القدس عبر حلب وحمص وحماة ودمشق والقصير، انّما يضحك على الفلسطينيين والعرب. انّه بيع للأوهام من اجل تغطية الإفلاس الايراني الذي تظل الانتخابات العراقية افضل تعبير عنه. في النهاية لم تمتد يد ايران او ادواتها الى مكان الّا وساد فيه الخراب. المؤسف في الامر انّ الهرب من الواقع الى الشعارات صار سمة من سمات السياسة الايرانية. الأخطر انّه لا يزال هناك بين العرب من يصدّق. صحيح ان عدد المصدّقين قل كثيرا، لكنّ الصحيح أيضا أيضا انّ عصر الميليشيات الايرانية لم ينته بعد بدليل ما يعاني منه العراق وسوريا ولبنان واليمن. متى ينتهي هذا العصر الذي لا مفرّ من نهاية له؟ من الأفضل طرح السؤال بطريقة مختلفة: ما الثمن الذي سيدفعه العراق وسوريا ولبنان واليمن قبل الوصول الى ذلك؟