الفشل في درسي التاريخ والجغرافيا

الحرب المتجددة بين واشنطن وطهران هي من اختراع النظام الإيراني مثلما كانت حرب تحرير الكويت من اختراع النظام العراقي.

حسب تصريحات كبار المسؤولين الإيرانيين تبدو إيران كما لو أنها هي التي فرضت العقوبات على الولايات المتحدة وليس العكس.

فالأخيرة هي التي تعاني من العزلة حسب محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران وإن عقوباتها سترتد عليها، بما يعني أن تلك العقوبات ستؤثر سلبا على الاقتصاد الأميركي الذي يشكل ربع اقتصاد العالم.

إيران التي تتبنى خطابا ثوريا في مواجهة إجراءات اقتصادية ستؤدي بها إلى أن تواجه عزلة مالية وعجزا بيناً عن استيراد الأغذية والأدوية تخفي عن شعبها وعن شركائها الطائفيين حقيقة المأزق الاستثنائي الذي وقعت فيه جراء عنادها العقائدي في اعتماد سياسات عنوانها السعي لتطوير أسلحة الدمار الشامل من أجل تثبيت نفوذها السياسي والعسكري خارج حدودها.
لم يُخطئ الإيرانيون في ذلك تقدير الموقع الجغرافي الذي هم فيه حسب بل أنهم كانوا حمقى في قراءة التاريخ السياسي القريب الذي كانوا هم وليس أحدا سواهم من ساهم في صناعته.
ما كان للعراق أن يقع فريسة بين أيديهم لولا ان الرئيس العراقي صدام حسين أدخل بلاده في دوامة التسلح وصدق أن ميزان القوة صار لصالحه فأغرته أوهامه بالتمدد خارج الحدود العراقية وأحتل الكويت وكانت النتيجة أن أنتهى الامر بالشعب العراقي وهو يستجدي الغذاء والدواء في واحدة من أكثر حكايات العصر الحديث مأساوية.

يردد المسؤولون الإيرانيون اليوم الشعارات نفسها التي كان يرددها المسؤولون العراقيون في الوقت الذي كانوا فيه يبحثون من غير أمل عمَن يفتح أمامهم أبواب الحوار مع أصغر مسؤول أميركي بعد أن فوتوا على أنفسهم فرصا كثيرة للحوار مع صانعي القرار في الولايات المتحدة.

لا يمكننا هنا أن ننسى اللقاء الشهير بين وزير الخارجية العراقي طارق عزيز ووزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر قبل أيام من وقوع حرب تحرير الكويت عام 1991 وحكاية رسالة الرئيس الأميركي جورج بوش التي رفض عزيز حملها إلى الرئيس العراقي.

كانت عنجهية العراقيين أكبر من أن تسمح لهم برؤية الواقع الميداني الذي كان جورج بوش الابن حريصا على أن يوضحه في رسالته التي أصبحت بعد ذلك في ما أظن واحدة من النفائس التاريخية التي يمتلكها الفندق السويسري الذي جرى فيه ذلك الاجتماع الذي استغرق ست ساعات ونصف.

كان ذلك الاجتماع الفرصة الأخيرة لإنقاذ العراق.

وكما يبدو فإن الإيرانيين يمشون على خطى أعدائهم العراقيين في إضاعة الفرص التاريخية مغيبين بتأثير أوهام القوة ومتراس الصمود العقائدي والعون الإلهي الذي هو من نصيبهم وحدهم.  

بالنسبة للولايات المتحدة فإن كل شيء محسوب على أساس علمي لا يقبل الخطأ. ليست إيران بلدا غامضا بالنسبة لهم. وإذا ما تعلق الأمر بالاقتصاد فإن العقوبات التي أعيد العمل بها الآن قد وضعت من قبل خبراء في الاقتصاد، يعرفون كل شاردة وواردة عن الاقتصاد الإيراني. وهو ما يعني أن الثغرات التي يبحث عنها النظام الإيراني من أجل اختراق نظام العقوبات قد تمت دراستها بعناية بما لا يسمح لأحد بالاستفادة منها.

إنها حرب غير متكافئة، لم يكن النظام الإيراني مضطرا إلى أن يورط الشعب في تحمل نتائجها الكارثية. كما أن من الانصاف القول إن هذه الحرب هي من اختراع النظام الإيراني مثلما كانت حرب تحرير الكويت من اختراع النظام العراقي. ففي الحالين ليست الولايات المتحدة دولة معتدية. إنها تنفذ القانون الدولي الذي يحض على منع تدخل الدول في شؤون دول أخرى، فكيف إذا كان ذلك التدخل أشبه بالاحتلال كما هو حال إيران في العراق ولبنان واليمن؟

لقد تغولت إيران بما جعلها تشكل خطرا على السلام العالمي.

الجغرافيا التي لم يفهمها الإيرانيون سياسيا صارت تستدعي تدخلا دوليا لردع إيران وتحجيمها بل واحتوائها واعادتها إلى صوابها. وفي ذلك خدمة لشعبها الذي صار أتباع آيات الله يتباكون عليه لأنه سيدفع ثمن العقوبات.