الفقهاء والمتصوفة: صراع مرير على السلطة الدينية

أسباب انزعاج الفقيه مكارم الشيرازي من إنتاج مسلسل عن شمس التبريزي ملهم جلال الدين الرومي تعود إلى صراع تاريخي مديد بين الفقهاء والمتصوفة على السلطة الدينية على المجتمعات الإسلامية.

بقلم: علي المعموري

أصدر آية الله مكارم الشيرازي وهو أحد مراجع قم، فتوى بحرمة إنتاج مسلسل شمس التبريزي بداية هذا الأسبوع، وانتقد الحكومة الإيرانية لدعمها في إنتاج هكذا مسلسلات منحرفة حسب تعبيره.

وشمس التبريزي هو المرشد والقطب الأعلى للمتصوف الاسلامي الشهير جلال الدين الرومي. ولا توجد أدلة تاريخية تثبت وجود هذه الشخصية، ما دعا البعض يطرح فكرة أن الرومي قد اختلق هذه الشخصية ليستخدمها في ترويج أفكاره العرفانية.

ويعد الرومي أبرز شخصية صوفية اسلامية استطاع أن ينشر مدرسة ابن العربي الصوفية بين عموم الناس عبر مؤلفاته الشعرية الرائعة، مثنوي معنوي وديوان الشمس على وجه الخصوص.

يعود أسباب انزعاج مكارم الشيرازي من إنتاج مسلسل عن شمس التبريزي إلى صراع تاريخي مديد بين الفقهاء والمتصوفة على السلطة الدينية على المجتمعات الإسلامية.

وقد سبق لمكارم وغيره من الفقهاء مثل آية الله حسين نوري همداني وآية الله لطف ‌الله صافي گلپایگانی عارضوا إقامة مهرجان تكريمي لشخصية جلال الدين الرومي عام 2007، حين أطلقت يونسكو اسم الرومي على العام ذاته.

كانت هناك محاولات عدة لإصدار فتاوي تكفيرية أدت الى قتل المتصوفة من قبل الفقهاء، ومن أبرز من قتل، الحلاج، والسهروردي، وعين القضاة الهمداني وغيرهم، وهناك قائمة طويلة لمن تم إبعاده مثل صدر الدين الشيرازي الذي تم إبعاده من العاصمة الصفوية أصفهان إلى قرية كهك من أطراف قم.

وقد يعبر المتصوفة عن الفقه بأنه علم الدنيا - حسب ما يعبر عنه الغزالي في إحياء علوم الدين - من حيث أنه يختص بإحكام وقواعد مهتمة بالحياة الدنيا، وإما المتصوفة مهتمون بعلوم الآخرة نفسها. وهذا يعد تحدي صريح للسلطة الدينية الشاملة للفقهاء باعتبارهم مراجع دين ودنيا.

ومن هذا المنطلق يجري صراع مستمر بين الطرفين نشاهد محطات عدة له في التاريخ الاسلامي، وما نعيشه اليوم هو أحد محطات غلبة الرؤية الفقهية على الرؤية الصوفية، حيث أن الفقهاء يتمتعون بنفوذ ديني واجتماعي وسياسي واسع لم يسبق لهم في معظم فترات التاريخ الإسلامي، ولكن في نفس الوقت نفسه.

 هناك صعود بارز لموجات معارضة الفقهاء ومحاولة تحديد دورهم من منطلقات صوفية، ما قد يؤدي إلى ظهور موجة جديدة من غلبة التيارات الصوفية على التيارات الفقهية، مثل ما حدث ذلك سابقا في التاريخ الاسلامي، أدى بعضها إلى تأسيس امبراطوريات عظمى مثل الخلافة العثمانية والسلطنة الصفوية اللتان تبنا الفكر الصوفي في بداية الأمر قبل أن يضطرا لاحقا الى اللجوء الى الفقهاء لملأ الفراغ التسريعي للدولة التي قاموا بتأسيسها.

كاتب وأكاديمي عراقي

نُشر في صفحته على الفيسبوك