القروي من رجل أعمال إلى ظاهرة سياسية

اعتقال واحد من مرشحي انتخابات الرئاسة هو بداية سيئة لانتخابات توقع الكثيرون أنها ستكون مفصلية في التاريخ التونسي الحديث.

نبيل القروي تم اعتقاله على خلفية اتهامه بالتهرب الضريبي وتبييض الأموال. غير أنه كان ولا يزال واحدا من المرشحين لانتخابات الرئاسة في تونس.

كيف يمكننا أن نحل ذلك اللغز؟

لو كان الرجل ملاحقا من قبل القضاء لما قبلت الهيئة المشرفة على الانتخابات بترشحه. كان من اليسير استبعاده كما تم استبعاد العشرات.

علينا أن نعترف أن شبهات كثيرة أحاطت بالقروي بسبب اهتمامه "الملتبس" بالفقراء. تلك خطيئة ينبغي أن يُحاسب عليها.

ما يقوله الآخرون إنه افتتح مهرجانه الانتخابي قبل ثلاث سنوات من ترشحه لمنصب الرئاسة. تلك ظنون ليس إلا. ما هو ثابت ان الصراع بينه وبين الحكومة قد انفجر يوم قررت الحكومة اغلاق قناته التلفزيونية "نسمة". وهو صراع لن تربح منه الحكومة شيئا، بل ستكون خسارتها فيه مضمونة.

السياسيون الحكماء لا يدخلون في صراع مع الإعلام. ذلك صراع يمكن ان يدخل بيسر ضمن الحرب على الحريات العامة.

وكما يبدو فإن القروي وهو رجل أعمال قد استفز الأجهزة الحكومية يوم فلت من الاستبعاد وبقي مرشحا مؤهلا للفوز.

تصرفت تلك الأجهزة بانفعال غير موفق من جهة التوقيت. وهو ما سيضمن خروج القروي من الحلبة منتصرا. فالمسألة صارت تُحسب باعتبارها تدخلا في المسار الديمقراطي للعملية الانتخابية.
ذلك ما سيزيد من رصيد القروي الشعبي وما سيقربه من الفوز.
اما إذا خسر القضية فإن الأصوات التي رشحته لن تذهب في أية حال إلى سلة يوسف الشاهد المتهم بأنه يقف وراء المكيدة بل ستذهب إلى عبدالفتاح مورو نكاية بالتيارات المدنية التي لم تتدخل لمنع وقوع تلك المهزلة.

يومها تكون الخسارة كبيرة.

وعلى العموم فإن كل التوقعات تخلص إلى أن ما حدث سيضفي قدرا من البطولة على ظاهرة نبيل القروي "نصير الفقراء" الذي سعت الحكومة إلى تعطيل حملته الانتخابية.

ما يُغيظ المرشحين الآخرين أن الأضواء كلها قد سلطت على القروي لمناسبة اعتقاله. سيكون الرجل أشبه بضحية لمؤامرة قد يكون مرشح بعينه قد ساهم في التخطيط لها. تلك كلفة باهظة ستذهب أرباحها إلى القروي الذي لم يفقد مكانه بين المرشحين بسبب اعتقاله. بل أن ذلك الاعتقال وهب الرجل فرصة أن يبدأ حملته الانتخابية مبكرا في وقت عقدت الدهشة ألسنة منافسيه الذين سيتسابقون في الدفاع عنه حرصا منهم على الديمقراطية.

وهكذا تكون الأجهزة الحكومة قد وضعت نفسها في مكان غير لائق من خلال خطوة غير موفقة ستبعدها عن موقع الحياد الذي يجب أن تقف فيه وهي مسؤولة عن حماية الانتخابات وانجاحها ومنع وقوع توترات جانبية في محيطها.

لذلك كان على الحكومة أن تنتظر إلى نهاية الموسم الانتخابي. فملف القروي بين يديها وفي إمكان القضاء أن يفتحه في أية لحظة.  

فلو صحت الاتهامات الموجهة إلى القروي فإن وصول القروي إلى منصب الرئاسة (إذا ما حدث) لا يمنع القضاء من مواجهته وعزله إذا ما تطلب الأمر. وهو ما معمول به في الدول الديمقراطية.

اما أن يتم اعتقاله تمهيدا لمنعه من دخول السباق الانتخابي فإن ذلك يعد تدخلا غير مقبول في العملية الانتخابية من خلال الانحياز ضد طرف لصالح أطراف أخرى وهو ما يؤكد وجود مؤامرة لتصفيته سياسيا.

اعتقال واحد من مرشحي انتخابات الرئاسة هو بداية سيئة لانتخابات توقع الكثيرون أنها ستكون مفصلية في التاريخ التونسي الحديث.

فالقروي هنا لا يمثل بطبيعة الحال نفسه بل هو يمثل الأصوات التي ينتظر الحصول عليها في رهانه للذهاب إلى قصر قرطاج.

لذلك فإن اعتقاله يمثل اعتقالا لحرية تلك الأصوات في الإدلاء برأيها.

ذلك ما يهب الدفاع عنه نوعا من الشرعية ما كان القروي يحصل على شيء منها لو أنه تُرك حرا حتى نهاية الانتخابات.