القضاء على الظاهرة الإيرانية ضرورة عالمية

العرب يحاولون الاستجابة اليوم لجرس الإنذار انطلقت دقات تحذيره في العراق قبل حوالي أربعين سنة.

اما كان ممكنا منع إيران من التدخل في الشؤون الداخلية للعالم العربي في وقت سابق؟

إيران التي ترفض أن تُعامل كدولة بل ترى نفسها ظاهرة عقائدية عابرة للحدود كان من الممكن أن لا تجد أرضا خصبة للفتنة الطائفية التي عملت على الاستثمار فيها لو أن النظام السياسي العربي كان قد أرسى مبدأ المواطنة ضمن علاقة قانونية ترعاها الدولة وتكون حقوق المواطنة وواجباتها محورها. لو كان ذلك النظام عادلا في طريقة النظر إلى المواطنين الذين يرعى ويصرف شؤونهم لما حققت إيران اختراقا لكل الجبهات الداخلية.

ذلك كله صار اليوم من الماضي الذي لا يمكن استعادته.

اليوم لم تعد الظاهرة الإيرانية مشكلة عربية حسب بل تحولت إلى مشكلة عالمية. ذلك لأنها تجاوزت حدود المسموح به دوليا. فهناك دول قد تم مسخها مثلما هو حال العراق وهناك دول معلق مصيرها بشعرة يمسك بها أتباع إيران مثلما هو حال لبنان. وهناك حروب في سوريا واليمن صارت إيران طرفا فيها. وهناك أخيرا دول أخرى تعيش على وقع التهديدات الإيرانية.

حلم الملالي في أن تتحول إيران إلى قوة عظمى ما كان في الإمكان تحقيقه إلا على حساب العالم العربي. وهو ما وضع الطرفين في حالة صدام ومواجهة. وهو ما أصبح أشبه بالقدر الذي لا يمكن تفاديه بالرغم من أن دولا عربية عديدة حاولت أن تدفع إيران إلى إقامة علاقات طبيعية معها. مشكلة إيران تكمن في أنها أصلا لا تعترف بتلك الدول من موقع الندية. فهي من وجهة نظرها ليست دولا كما أن أنظمتها السياسية غير شرعية.

كان العراق قد سبق الجميع في اكتشاف الطرق الوعرة التي شقتها إيران في مجال العلاقة مع الآخرين. ولكن ثمن ذلك الاكتشاف كان مريرا. حرب استمرت ثمان سنوات سقط من الطرفين أكثر من مليون قتيل ناهيك عن الخسائر المادية الهائلة.

هناك من يقول "إيران بلد صعب" وهو قول صحيح إذا ما أخذنا في نظر الاعتبار نظامها السياسي الذي تتبع فلسفة الحكم فيه مبدأ تصدير الثورة، وهو ما يعني جواز الاعتداء على سيادة الدول من أجل نشر الفكرة الخمينية.

ولو القينا نظرة هادئة على الأوضاع التي تعيشها البلدان التي نجحت إيران في اختراق نسيجها الاجتماعي لصُدمنا بالمشاهد المزرية والرثة التي انتهت إليها شعوب تلك البلدان بعد أن استجابت للمشروع الإيراني الذي يقوم أصلا على الاعلاء من ثقافة الموت المنطوية على نفسها على حساب قيم الحياة المنفتحة على العالم.

أصبح جليا أن تلك الشعوب انما تدفع ثمن خطأ استراتيجي ارتكبته الأنظمة السياسية التي لم تستجب لجرس الإنذار الذي انطلقت دقات تحذيره في العراق قبل حوالي أربعين سنة.

فالنظام الإيراني لم يغير من سياساته التي قادت إلى حرب ضروس، خرج منها مهزوما، بل فعل العكس تماما حين وضع ثروات إيران في خدمة مشروعه التوسعي من خلال انشاء وتمويل الميليشيات الإرهابية التي اعتبرها في وقت لاحق أذرعه في المنطقة التي يؤكد وجودها نجاحه في تحويل الفكرة الخمينية إلى واقع، صارت شعوب المنطقة ترزح تحته. وهو ما يهدد بتغيير الخارطة السياسية في منطقة هي الأكثر غنى في العالم.  

في مواجهة ذلك التدهور الذي يمكن أن يقود إلى نتائج كارثية على مستوى الاقتصاد العالمي صار من الضروري اليوم تصحيح الأوضاع من أجل أن لا تتمكن إيران من الهيمنة بشكل نهائي على عصب اقتصادي رئيس لتستعمله في تهديد السلام والأمن العالميين.

لقد تأخر العرب في التصدي للظاهرة الإيرانية إلى أن استفحلت فصار لزاما عليهم أن ينضموا إلى الجهد العالمي من أجل انهاء تلك الظاهرة الشاذة التي تهدد القيم الإنسانية في المنطقة بالفناء.