القيادة التحويلية... المحمدان نموذجا

ليس كل من جلس على كرسي القيادة أصبح قائدا فعالا. فالمطلوب منه أفعال كثيرة وسمات شخصية كثيرة أهمها الوضوح والشفافية والانخراط الكامل في عملية البناء.

يقسم خبراء إدارة الأعمال القيادة إلى نوعين: تنفيذية Transactional وتحويلية Transformational ويعتبرون القادة الذين يحدثون فرقا يحول الدولة إلى شكل أفضل قادة تحوليين. وقد حظيت دولة الامارات العربية المتحدة بقيادة تحويلية جعلتها متميزة في جميع نواحي الحياة. فقيادتها وضعت رؤية واضحة وشرحتها للجميع لكي يسهم الجميع في تحقيق هذه الرؤية كل من موقعه، وتلخصت هذه الرؤية ببناء دولة قوية وشعب قادر على إحداث التنمية المستدامة، وفي هذا الاتجاه، سار الجميع حتى شوهدت نتائجها في معظم جوانب الحياة في الدولة. ولم يكن هذا ليحدث لولا وجود القادة التحويليين، بدءا بالشيخ زايد واستمرار بالشيخ محمد بن راشد والشيخ محمد بن زايد. فهذان القائدان لا يهدآن ولا يكفان عن السعي، فهما دائما مع الناس وبين الناس، في الداخل والخارج، ينشران ثقافة العمل والسعي ويرفعان مستوى الحماس ليشجعا الجميع على العمل لتحقيق الرؤية الوطنية.

إن القيادة التحويلية هي ما يحتاجه العرب، فليس كل من جلس على كرسي القيادة أصبح قائدا فعالا. فالمطلوب منه أفعال كثيرة وسمات شخصية كثيرة أهمها الوضوح والشفافية والانخراط الكامل في عملية البناء، فالقائد يجعل نفسه مرئيا ومتوفرا للجميع للتواصل معهم، يستمع إليهم بصبر واحترام، ويأخذ آراءهم بعين الاعتبار. وأبرز مثال على ذلك، قيام الشيخ محمد بن راشد بإنشاء موقع الكتروني يتلقى من خلاله اقتراحات وآراء الناس من مواطنين ومقيمين حول كيفية الارتقاء بعملية التعليم في الدولة، ثم أنشأ لجنة ترتب هذه الآراء التي بلغت الآلاف من المشاركات، وقام بدراستها واتخاذ القرارات المناسبة.

لقد جعل المحمدان نفسيهما مشرفين على كل خطة للتطوير والبناء. ويكفي أن يكون صندوق أبوظبي الاستثماري السيادي ثاني أكبر صندوق سيادي في العالم لدولة عدد مواطنيها مليون نسمة. مما يعني أن أموال الدولة وإيراداتها بأيد أمينة، ولا خوف عليها من الضياع. وليس هذا فقط، بل أن هذا الصندوق يحظى باهتمام القيادة بشكل لافت، فقد قامت باختيار جيش من الطلاب ذوي التميز الأكاديمي لتعليمهم وتدريبهم على إدارة الصندوق، وهي عملية شاقة وطويلة الأمد، ولكنها استثمار للمستقبل، إذ أن إدارة الصندوق عملية محفوفة بالمخاطر والتداخلات السياسية والاقتصادية، ويحتاج الشاب لعشرات السنين من التعلم والتدريب تحت إشراف الخبراء لكي يتمكن في المستقبل أن يستثمر بشكل مربح حفاظا على هذا الصندوق لأنه كنز الشعب وادخاره للأجيال القادمة.

وبفضل هذه القيادة التحويلية، فقد أصبحت الشخصية الإماراتية متميزة، فهي تسعى للتطوير بفضل التعليم المجاني كما أن التدريب والتطوير جزء من جميع المؤسسات والأجهزة الحكومية، ولا يشمل التطوير والتدريب الجوانب الأكاديمية والفنية، بل أيضا السلوكية، وأصبح الموظف الاماراتي اليوم يقوم على خدمة العملاء ببشاشة وتعاون تام. وهذا التدريب والتهذيب ينتقل تلقائيا إلى شخصية الفرد ليصبح الصبر والتعاون والإنجاز والبشاشة جزءا من طبيعة الإنسان مع مرور الوقت، كما أن فرض التكنولوجيا الذكية ارتقت بالموظف إلى مستويات أعلى وأكسبته مهارات فائقة.

لم يكن هذا التطور ليحدث لولا وجود القيادة التحويلية. فالشيخان محمد بن راشد ومحمد بن زايد يقودان عمليات التنمية بالحضور الشخصي في مواقع المشاريع وفي المؤسسات العاملة وبشكل متكرر، فيشعر كل موظف أنه مهم وأن القيادة تشاركه في أعماله، ويصف البعض هذه السلوكات من قبل القادة بأنها تواضع ولكنها في الواقع هي ما يجب أن يكون الحال عليه، لأنها جزء من القيادة الفاعلة، ومع ذلك فالقيادة فعلا متواضعة، وأرقام هواتف المحمدين منتشرة بين الناس من مواطنين ومقيمين.

ومن الدلائل القوية على التغيير الايجابي في الشخصية الاماراتية هو دخول الامارات الحرب في اليمن برجالها وليس بجنود مستأجرين، واستشهاد عدد منهم، للتصدي للمد الإيراني الذي يريد أن يفرض على الناس حياة دينية ذات طابع طائفي يغرس الكراهية والتفرقة بين الناس. فالإمارات تعمل وتنجز لتصبح دولة حديثة يعيش الجميع فيها تحت حكم القانون بصرف النظر على العرق واللون والديانة والمذهب والطائفة. وإيران تريد أن تفرض نظاما دينيا يقتل الناس فيه بعضهم البعض لأن كل واحد يعتقد أن دينه أو طائفته هي الصواب والبقية مخطئون. وهذه الحرب هي مهمة شاقة للدولة، فهي تحرص على سلامة المدنيين وتقوم بإغاثتهم وفي نفس الوقت تواجه عصابات لا تعرف الرحمة ولا تميز بين عسكري ومدني.

لقد سعت دولة الإمارات منذ نشأتها إلى تأسيس قطاع إنتاج قوي، وقد أظهر التقرير السنوي لوزارة الاقتصاد (2017) أن الناتج المحلي للقطاعات غير النفطية بلغ 1067.3 مليار درهم بارتفاع معدله 3% عن السنوات السابقة. أما مساهمات القطاعات المختلفة كما جاء في التقرير فهي 16.7% من النفط والغاز و12.8 % من تجارة الجملة والتجزئة و10.3% من البناء والتشييد و10.1% من القطاع المالي و9.5% من الصناعات التحويلية. وتبين هذه الاحصاءات أن قطاع النفط والغاز لم يعد عمود اقتصاد الدولة، وهذا إنجاز عظيم، ولا يزال الهدف النهائي بعيدا ويحتاج إلى مزيد من الجهود حتى تصبح الدولة لا تعتمد على النفط أبدا، بل على الإنتاج من خلال الصناعة والزراعة. عندئذ، لا يخشى المواطن الاماراتي من كساد سوق النفط ويشعر بالأمن الاقتصادي المستدام في بلاده.

بدأت القيادة التحويلية منذ عهد الشيخ زايد، ويبدو أن من جاء بعده حفظوا الدرس جيدا، وهو أنه لكي تكون قائدا ناجحا، يجب أن تكون الرؤية والخطة الاستراتيجية واضحة لديك وتقوم بتوضيحها كل يوم للمجتمع، للتذكير بها وعدم التساهل بشأنها والإشراف الشخصي الدائم على عمليات البناء.