الكاتبة الصينية وانغ آن يي تغزل خيوط الحب والجنس

"عشاق من الشرق" حرب لا أمل في أن تضع أوزارها بين العاشقين، وشهوة لا تقبل الاستسلام للقيود.
الحبَّ في الواقع حربٌ أبدية وشرسة حقًّا
الشخص الذي يعتمد على سلطته لإغراء النساء، لا يعد رجلا في الأساس
مقاربة ظاهرة الحب من منظور الثقافة الصينية

تكتب الكاتبة الصينية وانغ آن يي رؤيتها للحب في نوفيلاتها الثلاثة التي تضمنها كتابها "عشاق من الشرق" باعتباره حربا لا أمل في أن تضع أوزارها بين العاشقين، وشهوة لا تقبل الاستسلام للقيود، إنها حرب شرسة لكنها تعمق الشعور باللذة وتكشف المستور من مكنونات الجسد، حتى لتقول "إن الحبَّ في الواقع حربٌ، تلك الحربُ أبدية وشرسة حقًّا". وهي تقدم هذه الرؤية بشفافية وصبر ونقاء نساج، تفرد الخيوط وتلقطها بأصابع عارفة وتغزلها، ترسم مشاهد نمو الحب في الجسد والروح، تطارد حركة الحواس والأعضاء وترصد شبقها الجنسي، تكشف بهاء النظر واللمسة والكلمة وشهقة اللذة.
"وانغ آن يي" في النوفيلات الثلاثة: "حب البلدة الصغيرة"، و"حب الجمال"، و"حب الجبل العاري"، الصادرة أخيرا عن أكثر من دار نشر بالتعاون مع بيت الحكمة للثقافة والإعلام بترجمة آية طلعت وتحرير وتقديم محمد ماهر بسيوني، تحاول مقاربة ظاهرة الحب من منظور ثقافتها الصينية، وهي في سبيل ذلك تحكي عنه عبر ثلاث تجارب مختلفة، بوعي منها لتعقد تلك الظاهرة وعدم قابليتها للتكرار، فكل علاقة حب هي تجربة خاصة وفريدة لا تتكرر وإن بدت غير ذلك. فالحب لا يولد في فراغ، بل هو يعبر عن نفسه كحدث يجري في إطار اجتماعي ونفسي يتغير حسب سيرورة المجتمعات وتطورها، فعلاقة الحب المكتوب لها النجاح في مسار اجتماعي ما قد تعد مستحيلة في سياق اجتماعي آخر.
وأضاف بسيوني في مقدمته أن الكاتبة تطرح قضية الحب مجسدة في شخصيات روائية، تحمل بالتأكيد ظلالا من خبرتها الشخصية مع تلك العاطفة الإنسانية، وتعرض تفاعلات متناقضةً تناقُض النفس الإنسانية في جدليتها مع المؤثر الواحد الذي تنتج عنه استجابات متغايرة، شارحة حقيقة أن كل قصة حب هي عالم قائم بذاته ومستقل بنفسه وإن تشابهت العناصر وتماثلت الحوادث، التي تعطي لكل تلك التجارب العاطفية مسمى واحد. 
حين نقرأ تلك النوفيلات الثلاثة - الأقرب إلى سيمفونية من ثلاث حركات، تمنحنا كل حكاية منها تجربة حب مختلفة وفريدة - سوف نجد وصفا لتلك العاطفة التي خضناها يوما ما - أو ظننا أننا خضناها- دون أن نقدر على التعبير عنها أو تفسيرها، وذلك هو سحر الأدب الذي يتكلم عنا وينطق بلساننا عما ذقناه وعرفناه وسبرنا أغواره، مع عجزنا عن الإفصاح عنه.

تحتقر أصحاب الطبقة الأرستقراطية، فتشعر أنهم طائشون، مثل الديك الذي تعلم الصياح للتو، ولم ينم شعر ذيله بشكل كامل.

وقال: في حكايتها الأولى "حب البلدة الصغيرة" تقص علينا الروائية حكاية عن الحب في انفجارته العصبية، أو ذلك النمط من الحب الذي أسماه عالم علم النفس الشهير إريك فروم: "التجربة البذيئة للوقوع في الحب"، وإذا ما نظرنا إلى بطلي الحكاية الأولى نجد البطلة تعاني الوحدة، حتى إن جارتها في الغرفة تشعر بالقرف منها، وتعتقد أنها تقريبًا تحوي قملاً وما شابه، وترفض أن تقترب منها بسريرها أو أن تنام بجوارها نظرا لرائحتها الكريهة التي تشبه بول الثعالب، الأمر الذي يحزن بطلتنا ويشعرها بالنقص وإن أظهرت خلاف ذلك. وكذلك نجد البطل يشاركها تلك الوحدة، فلا نعرف له حياة خاصة خارج غرفة التدريب على الرقص. وحين تتوطد علاقتهما ويبدأ في الشعور بالانجذاب الجنسي يدخلان في الطور الثاني من ذلك النمط من أنماط الحب. وقد وصفت الكاتبة الخطوات البذيئة والانفجارات العصبية التي شكلت حب بطلينا في مشهد بديع لا يمكن لمن يقرأه أن يتخيل أن يكون فاتحة لقصة حب: 
"وحين يساعدها في فتح قدميها، تتولد في قلبه أفكار شريرة، فيريد إيذاءها، ويبذل قوة خارقة؛ فتصرخ صراخًا حادًّا كالصفارة، يصيبه بالذعر، وتلين يداه، ويترك ركبتيها؛ فتقرب ركبتيها من بعضهما، وتحتضنهما بذراعيها أمام صدرها، وتستمر في الصراخ، ثم تشتمه، تشتمه بكلام قبيح للغاية لا يتفوه به سوى الرجال، على سبيل المثال: اللعنة عليك. إنها لا تفهم مطلقًا المغزى الحقيقي لذلك، فقط، تهاجمه بكل قوة، وتنفس عن غضبها، ولم تتوقع أن هذا سيثير خياله، ويجعله أكثر قلقًا، فيشتمها بالكلام القبيح نفسه، لكن هذا يمثل المغزى الفعلي الحقيقي، الذي لم تفهمه بعد، وما زالت تستند على الأرض ولم تقم، محتضنة ركبتيها لكن ليس احتضانًا صادقًا، فأحيانًا تمد إحداهما، وتحتضن واحدة فقط، وأحيانا تمد الثانية، وتحتضن الركبة الأخرى. وأثناء مدها لساقها، تحدث تقلبات قوية جدًّا لصدرها وبطنها بالكامل. وتعاود شتمه حين تراه. 
وكلما غضبت، شتمت بكلام قبيح مروع وغير منطقي، على سبيل المثال: "اللعنة عليك!"؛ فيزيد هذا من إثارته، ويرد عليها بكلام أكثر قبحًا ذي مغزى حقيقي. ولم تدعه هي يتحدث ثانية، فكانت تشتمه باستمرار، وصوتها حاد وطويل، محاولة قمع صوته الموبخ. صوته منخفض وقوي، فقدرته على التغلغل بطيئة. وحين تعتقد أنها نجحت في إسكاته وسيرتاحون، يتردد صوته بقوة. وهنا تدرك حقًّا أن لعناته لن تتوقف أبدًا، فيلاحقها كفرقة تشيلوا الموسيقية، على الرغم من ضعف اللحن، فإن الصوت لم يختف. 
ورأى بسيوني أن الحكاية الثانية "حب الجمال"، تمثل نمطا آخر من أنماط الحب، وهو ذلك الحب المفاجئ الذي يأتي فجأة وعلى غير انتظار، حتى ليعد ظرفا قدريا للسعادة، بقدر ما يبدو غامضا، مقاوما لكل أشكال العقلنة، لا يدري أحد سببه، أو كما قال بطلا الحكاية بطريقة مرتبكة ولكن في لهجة حاسمة، وقد أصيبا بالدهشة لوقوعما في الحب: "الحب لا يحتاج سببا". لقد منحتنا الكاتبة فرصة التأمل فيما تضمنته حكايتها الثانية من درس قدري عن عبثية الحب العابر، فقد نشأ حب بطلينا نتيجة لقاء استثنائي، رحلة عمل، كان يمكن ألا تكلف بها، ولكنها حدثت، وأعقبها كل ما كان. أما ما يجعل ذلك الحب غير مرغوب فيه، فهو حقيقة أن بطلتنا متزوجة. ولكن ما هو غير مرغوب فيه اجتماعيا، سوف يكون دافعا لها للوقوع في هذا الحب، فهو حصاة يقذفها القدر في موج أيامها الروتينية، بعد أن ملت من الحياة الزوجية التقليدية، فالكاتبة تصفها قائلة: 

ملت من الحياة الزوجية التقليدية
ترسم مشاهد نمو الحب في الجسد والروح

"إنها امرأة متزوجة، وبسبب كونها متزوجة، اعتادت كثيرًا على الرجال، لدرجة أنها لم تعد تشعر بالفرق واللقاء الجنسي. فقد عاشت تحت سقف غرفة ضيقة مع رجل طيلة حياتها، ولم يعد هناك غموض بينهما منذ زمن، فكشفا كل شيء، ولم يعد هناك سرّ يمكن قوله. لقد فقدت هي وهو الاختلاف الجنسي مبكرًا، تبعه فقد الارتجاف الفضولي الناشئ عن هذا الاختلاف أيضًا بينهما. لقد نست ذلك الارتجاف الفضولي وأصبح غريبًا، وعند مجيء هذا الارتجاف ثانية، تولد لديها شعور الحب الأول. وكأنه أول جنس آخر لها. لكنه في النهاية ليس جنسها الآخر، فقد دفنت ذلك الارتجاف الذي مرت به في أعمق مكان بذاكرتها وجسدها، واستعادت تجربتها تلك كالشبح، ورحبت بدعوتها تلك المرة، لذلك، تجاوزت هذه الهزة جميع هزاتها السابقة. واقتلعت عدة حبال، فشعرت بقوة هذه الهزة، لكنها لا تعرف خفاياها. 
لقد تحمس شعورها النائم طويلاً تحمسًا شديدًا، بسبب راحتها الكافية، وبسبب وحدتها الكثيرة أيضًا، ويحتاج فقط إلى حركة قليلة ليحفز السعادة الملموسة بكامل جسدها. لقد استغرقت في النوم لفترة طويلة بعد زواجها، وانكشفت جميع أسرار الجنس الآخر، فلا تحتاج لاستهلاك الخيال والفضول لاكتشافه ومعرفته. لقد كُشف كل شيء بين الزوجين، ولا يحتاج إلى بذل الجهد الكبير، ولا يحتاج أيضًا للخجل، بل هناك الكثير أو القليل من الشعور بالراحة يصاحب الخجل، فإذا لم يوجد الخجل، سيصبح كل شيء مملاً رتيبًا".
أما الحكاية الثالثة "حب الجبل العاري"، فأكد بسيوني أنها تحوي حكاية عن الحب يظهر فيها التأثير الاجتماعي والثقافي على مسار الحب ومصيره، فهي قصة صينية خالصة لا يمكن تصور حدوثها إلا في الصين، بما تحمله من أصداء للأعمال الكلاسيكية العظيمة، مثل: "رحلة إلى الغرب"، و"حلم القصور الحمراء"، وغيرها. فجندي الجيش مثلا حين يحاول أن يلفت انتباه بائعة الثمار المجففة (تلك التي تراهن صبيان مجمع مجلس الثورة بالمدينة - أن من يتحدث معها ثلاث جمل، يذهب للجبل يوم الأحد للعب الدومينو الصينية وليس بحاجة لإخراج المال، والمياه الغازية، والخبز، فيأكل ويشرب دون مقابل، كما يضرب المسدس هباء، دون تألم مهما بلغت كمية الضرب) يسألها عن جبل يطل عليهما من عل، قائلا: "أليس هذا جبل الأزهار والثمار في (رحلة إلى الغرب)؟"، بينما هي لا تعيره انتباها وتنشغل بغناء الأناشيد الوطنية بينما تبيع له ما يحتاجه! 
كما أن مشاعر بائعة الثمار المجففة تمتلئ بتراث الصين الذي يحدد ما تحبه وما تكرهه في الرجال، فهي "ترفع عينيها وتنظر لكل شيء داخل المنضدة، لا تحرك ملامح وجهها، لكن قلبها يضحك بسخرية. من لا يعرف هؤلاء الجماعة من الطبقة الأرستقراطية؟ لكن، من يحبهم أيضًا! إنها تلعب مع الأولاد لأنهم أولاد، بغض النظر عن كونهم أبناء الإمبراطور أو فقراء، فهي لا تلعب مع آبائهم. بالإضافة إلى، ما بهم الأباطرة؟ وما بهم الفقراء أيضًا؟ الإمبراطور يتزوج، والفقير أيضًا يتزوج. الإمبراطور ينجب أطفالا، والفقراء ينجبون أطفالا أيضًا. يرى الإمبراطور المرأة ناعمة الساق والقلب، ألم تتلاعب المحظية يانغ بإمبراطور أسرة تانغ، وكاد يفقد دولته. إن جميع الرجال يتشابهون أمام المرأة. 
لقد رأت أولادًا كثيرين، جميع الأشكال والأنواع، لكنها تحتقر هؤلاء أصحاب الطبقة الأرستقراطية، فتشعر أنهم طائشون، مثل الديك الذي تعلم الصياح للتو، ولم ينم شعر ذيله بشكل كامل، إنها تحب الرجال الكبار، الذين عاشوا عمرًا، وعلى وجههم التجاعيد، وذقنهم صلبة سوداء، مروا بصعاب كثيرة، وتحملوا معاناة كبيرة. هذا ما يشبه الرجال. إن زي هذا النوع من الرجال، يسمى زي المهارة، ويدعو الناس للحماسة. 
من وجهة نظرها، الشخص الذي يعتمد على سلطته لإغراء النساء، لا يعد رجلا في الأساس. إن الرجل الجيد يجب أن يكون أعزل، لا يعتمد على أي شيء خارجي، يعتمد فقط على كونه رجلا، للحصول على المرأة".