"الكافرة" خط متصل بين الغرب والشرق

الرواية وليدة مناخ اجتمعي سمح بخيال الكاتب التسرب أكثر وأكثر لاختلاق أحداث تتفوق على الواقع بسنوات ضوئية من التخييل والمحاكاة الذاتية للشخوص.
أحداث الرواية تدور في مدار مخصب بالدماء إذ تعيش البطلة أطوارا مختلفة من أشكال العنف تعاينها بصيغة أولية في علاقة أبيها مع أمها
رواية "الكافرة" تناقش فكرة المجتمعات البطرياركية بين الشرق والغرب المنبينة على نفس المبدأ "الذكورية" حيث لا فرق إلا في جدلية المجتمع المدني

يقال إن الرواية وليدة مناخ اجتمعي سمح بخيال الكاتب التسرب أكثر وأكثر لاختلاق أحداث تتفوق على الواقع بسنوات ضوئية من التخييل والمحاكاة الذاتية للشخوص، من دون أن يغمض جفن للحوار المحتدم فيما بينها في ذهنية الكاتب الروائي، الأعمال السردية الروائية نزيف لما بعد الحدث الحقيقي ذلك الإنطباع الذي تخلفه الأماكن والأزمنة في المهاتفة بين البرانية والجوانية / القرب والبعد / القبل والبعد.
انتقلت الرواية العربية من أقطاب عدة فمن محاربة الكلنيالية نحو بناء وطن قومي متحد مع من يقاسمونه العروبة والدين والمعتقد، إلى تيار التلاحم مع الغرب مع جيل الستينيات، إلى السيرة الذاتية التاريخية، غير أن كل هذه الإنتقالات لا يمكن فصلها بحكم استمراريتها في عدد من الأعمال لحد الساعة.
وصولا للعنف الذي صارت تؤسسة جماعات متطرفة منفصلة عن الدول والمؤسسات لزعزعة السلم والأمن داخل محيطات مجمتعية تشكل بالنسبة لهم موضوعا مخضرما من الحرام والحلال، التكفير والإيمان، هو تضارب نوعي بين مواجهة أعلى العليين وأسفل السافلين، لكن بشكل يفسح المجال لشرعية العنف اتكالا على المعطى الذي يحرر الحرب من دائرته الدولية والأممية مباشرة نحو الشبكية والخيطية.
في هذا النزال ظهر ما يمكن أن نسميه "أدب الإرهاب" على شاكلة أعمال أدبية تؤرخ للفواجع التي عاشها المدنيون. نفس المنوال انبعثت رواية "الكافرة" للكاتب العراقي علي بدر سنة 2015 عن دار المتوسط بإيطاليا على مدار امتداد 227  صفحة من الحجم المتوسط، هي عمل أدبي فني ذو لغة برغماتية تحتج على القارئ بمرآة الفجاجة، الوحشية، التي شهدتها منطقة بصحراء العراق على إثر اجتياح جهاديي داعش لها إذ تحولت القرية التي تقيم فيها البطلة فاطمة إلى جحيم تنكح فيه الأيزيديات الفاتنات غصبا، وتستغل فيه بيوت أهل القرية من دون أدني ذرة احترام. زمن أسود تدور في فلكه حياة الشخصية المحورية بالعراق. 

novel
أدب الإرهاب

تدور أحداث الرواية في مدار مخصب بالدماء إذ تعيش البطلة أطوارا مختلفة من أشكال العنف تعاينها بصيغة أولية في علاقة أبيها مع أمها، تلك الخادمة المجانية التي لا ترفض ولا تقبل تكتفي بصمت طويل فقط وابتسامة تخفي مخاضا من الآلام، فيما بعد يتنقل الدور عليها هي الأخرى في علاقتها مع زوجها "رياض" الذي يتحول من شاب وديع مسالم يرسم للأطفال شخصيات كرتونية إلى جهادي ينوي التضحية بحياته للقاء سبعين حرية عذراء بالجنة، إذ تنقل فاطمة صوب عينيها بعد وعييها على استحمار زوجها مباشرة نحو السخرية منه سرا إلى حين وفاته ووفاة أمها، حيث ستهرب إلى بلجيكا لتتحول إلى "صوفي"، امرأة مخصبة بالرغبة والشره نحو الحرية تلك التي ستقودها لمعرفة جهاديين من دون سلاح بمعنى محاولة الإستلاء على الجسد بهدوء وليونة واستكانة، في هذه الدوامة ستلتقي أدريان شابا بدا لها في الوهلة الأولى غربيا لتكتشف في نهاية الرواية أنه عربي ليس إلا متزوج وله بنت، ذو جنسية لبنانية لم يسلم هو الآخر من ويلات التطرف على إثر حرب 2006 بلبنان التي أجهضت حياة العديد من المسيحيين.
ناقشت "الكافرة" فكرة المجتمعات البطرياركية بين الشرق والغرب المنبينة على نفس المبدأ "الذكورية" حيث لا فرق إلا في جدلية المجتمع المدني ونقيضه البدني التي يستوطن في الضفة المقابلة للدول العلمانية، خاض علي بدر مغامرة الإنتقال من بين الأقاصي لتغيير شخصانية الرواية من حيث الوسيلة التي تمكن كل مناخ من الجسد، حيث الحيلة غربا والسيف شرقا، لكن التشييئ الذي تعيشه المرأة هو هو نفسه لا يتغير. 
تطرح الرواية مسائلة للمجتمعات حول الدور المنوط بالمرأة داخلها، ليس كموظفة أو عاملة أو متعلمة، بل كذات تتحرك في فضاء ديناميكي شكليا لكنه عمقا شبه ثابت.
لم يتيمن صاحب جائزة "أبو القاسم الشابي" بتونس ولو لوهلة واحدة بالفرضية التي نجح في تدجينها المستشرقين حول الرجل الشرقي المتعصب الذي يقابله نظيره الغربي المتمدن اللبق، معتبرا أن العالم الموضوعي الحداثي بين الشرق والغرب بقي ثابتا متفقا على جملة من الإعتبارات والإنطباعات اللاشعورية كان أبرزها "المرأة كانعكاس لجسد شهي" حيث يثير شهوة الإغتصاب/ هتك العرض بفعل القوة بالنسبة للمتطرفين، بينما ينظر إليه في الحانات والمقاهي الأوروبية كما لو أنه طبخة تستوي على مهل ببهارات الكلام الحلو، المجاملات، الإغراء.
تجمع الرواية ما بين المونولوغ والحوار الديالتيكي بين الشخوص المفاهيمية التي أفرزت الهشاشة، الذاكرة، الجسد، ثلاتية حكمت سيكولوجية فاطمة / صوفي، أدريان، لكن تبقى الشخصية البطلة هي فاطمة لأنها حملت على عاتقها ثقل المأساة والمرارة في لحظات الشك، التذكر، عيش الحاضر الذي ينبض بتوليد طاقي مهول لضاحيا الضحايا، حيث المهاجرون العرب ببروكسل أشد عنفا وووحشية من البلجيكيين، هذه الظاهرة تكسر ظهر فكرة الوطن الممتد خارح حدوده في شخص المهاجر.

الرواية تضج بالإثارة والتشويق في خط متوازٍ بين الشرق والغرب من صحراء العراق لحانات وفنادق بروكسل.
تحتمل الرواية أكثر من قراءة في مضامينية أزمة الإنسان المعاصر في الضفتين، وحل العقدة مع الغرب المستعمر سابقا والمهيمن في زمن الحاضر، علاقة تلازمية في ذهنية عدد من الأفراد العرب تحرضهم على فكرة الجهاد نحو تحرير الذات من ألم مسبق مورث، تستحله سيوف المتشددين عبر أشرطة فيديو مصورة، تستشهد بقانون الأسماك قبل هذا أو ذاك.
صحيح أن القراءة الأدبية الإبداعية انتقلت من القرن التاسع عشر من الغور في نوايا صاحب النص والظرفية المؤطرة له في لحظة القراءة نحو النظرية البنيوية التي تحكم على النص باللاشخصية، وعلى اللغة بالإستبعاد من إطار سلطة كاتبها أو المتكلم بها، إلا أن نفي الذات الصانعة للنص خارجه لا يزال يواجه تعثرات من هذا القبيل أو ذاك، في خضم تغيرات سوسيولوجية تعيد إنتاج كلاسيكيات محينة تغرق المبدأ الدارويني (الحفاظ على البقاء) خلف سطور النص، فبمجرد التطرق لجانب من جوانب العنف أو العنف المضاد تحضر كثافة التيارات الواقعية التي أطرت المصلحة في لوح من الكلمات المؤكدمة.