الكتابة الأدبية تستجيب للتحولات المعلوماتية المتسارعة

شريف عابدين يرى أن النص الروائي يحتاج إلى المعلوماتية تلبية لاحتياجات السرد أو تلبيًة لاحتياجات القارئ.
زهور محمد شتوح تتحدث عن تداخل السرد والشعر والسينما والموسيقى في الرواية الرقمية
زينب العسال تتتاول العلاقة التفاعلية بين المعلوماتية والرواية كنص سردي والمعلوماتية
المتلقي عليه أن يقف على مسافة قريبة جدًّا من المؤلف في خلق هذا النص التفاعلي بل هو مشارك بقوة فيه

انطلقت فعاليات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي العربي والذى ينظمه المجلس الاعلى للثقافة، وذلك في حضور أكثر من 260 كاتبا وناقدا مصريا وعربيا، سوف يناقشون على مدار أربعة أيام عددًا من الإشكاليات المتعلقة بفن الرواية العربية من خلال عدد من المحاور الرئيسية تندرج تحت عنوان رئيسي "الرواية العربية في عصر المعلومات"، وقد شهدت الجلسات الأولى نقاشا حول التقدم المذهل في علوم الاتصالات وانعكاساته على الرواية، تحول أدوات الاتصال إلى مادة روائية، وكذا تأثير البنية المعلوماتية على البناء الروائي.
تطرقت الباحثة زهور محمد شتوح تداخل السرد والشعر والسينما والموسيقى في الرواية الرقمية متخذة من رواية "صقيع" لمحمد سناجلة نموذجا، حيث أكدت أن الرواية الرقمية كسرت جميع الحواجز التي سارت عليها الرواية التقليدية الورقية، وقالت "يمكن اعتبار المكونات الرقمية عاملاً وظيفيا وفنيا وجماليا يسهم في الارتقاء باللحظة المتخيلة لنص حكائي في وضعية النصوص السردية. 
ومن جانبها رأت الناقد زينب العسال أنه حين نتحدث عن العلاقة التفاعلية بين المعلوماتية والرواية كنص سردي والمعلوماتية، فإننا نتعرف إلى ما يسمى بالرواية التفاعلية لما لها من سمات جمالية وبنائية تعتمد على الحضور والغياب وعلى الوجود والانزياح في فضاء لا يعطي نفسه بسهولة، كما هو الحال بالنسبة إلى النص السردي الخطي. 

التطـور التكنولوجي بوسائطه الجديدة تـؤطره شـبكة عنكبوتيـة غـدت اليوم تؤثر بشكل كبير على إدراك الإنسان للعالم ولأشكال حضوره فيه وتُمارس سلطةً على حدود المعرفـة والتواصـل بـين الناس

وقالت العسال في إطار تحليلها لرواية أحمد الجنايني "حين هربت عاريات موديلياني" "إن بنية النص التفاعلي هي بنية شجرية تفرعية ومن ثم تؤثر على الحبكة فلا حبكة تقليدية خطية هنا تشطر عبر التداخلات والانزياحات، في الرواية التفاعلية يتم التبادل بين موقع الكاتب المبدع والمتلقي، بين الإبداع والتأويل.. إلخ، فالمتلقي عليه أن يقف على مسافة قريبة جدًّا من المؤلف في خلق هذا النص التفاعلي بل هو مشارك بقوة فيه. الكتابة هنا موجزة لصالح هذا الانزياح، والتدخلات لصالح تشظِّي الخطاب وتقطيعه بل تعمد إلى كسر حدوده. إن المسارات المتعددة تمنح النص تفاعله عبر المكانية المحتملة والناشئة وعبر تعدد الروايات المكونة لها باستدعاء المؤثرات السمعية والبصرية. واللغة هنا تؤدي دورا تحقُّق مشهدية الحدث لا حكائيته فقط. 
وأضافت: تمثل رواية "حين هربت عاريات موديلياني" نموذجًا لرواية تفاعل الأنواع حيث نجد النص السردي يعتمد اللوحة الفن التشكيلي والتدرج اللوني والخطوط والرسائل وأدب الرحلات والسيرة الذاتية والوثائقية، والشعر، واستخدام المونتاج والمكساج، فضلاً عن تقديم أحمد الجنايني نصه في طبعة على سي دي، أي أننا أمام عمل أجاد استخدام آليات الرواية التفاعلية.
ورأى الروائي سعيد سالم أن الخبرات المكتسبة من تنوع ممارسة الكتابة في فروع الأدب المختلفة ينتج عنها: أولاً: تعلم حرفية الحوار المكثف شكلاً ومضمونًا بما يتناسب مع شخصية المحاور. ثانيًا: الاستفادة من الحوار في تطوير سير الأحداث في العمل بالانتقال من زمن إلى آخر. ثالثًا: كسر ملالة السرد المتواصل بتنويع أشكال الكتابة داخل النص الواحدة، مما يضاعف من متعة القارئ في التعامل مع النص والتفاعل معه، وأبرز مثال لذلك من واقع تجربتي هو رواية "آلهة من طين" التي صدرت طبعتها الأولى 1985 عن الهيئة المصرية للكتاب حيث احتوى النص نفسه على العناصر الأدبية المختلفة الآتية: السرد – السيناريو السينمائي – المونولوج الداخلي الحوار الإذاعي الخطابات. وبسبب هذا التنوع قرر د. كامل القليوبي هذه الرواية كنص للدراسة على شعبة السيناريو بالسنة الثالثة بمعهد السينما في ذلك الوقت، حيث أمضيت أكثر من ساعات ثلاث في حوار مع الطلبة بأحد مدرجات المعهد حول تنوُّع الأشكال الفنية الأدبية بالرواية وتجانسها في صلب العمل. 
وأشار الروائي العراقي عائد خصباك إلى أنه أصبح من العبث اليوم أن نعد الرواية بوجه خاص جنسا أدبيا مكتفيا بذاته، وما بين أيدينا من روايات عالمية أو عربية لاقت الكثير من القبول والاستحسان تشير إلى أن الرواية لكي تبقى في الساحة الأدبية وبقوة عليها أن تتفاعل من غيرها من الأجناس لتضمن بقاءها. 
وقال خصباك "للرواية قدرة عالية على المرونة لاستيعاب وتطوير أنماطها وأساليبها وتقنياتها، وأن انفتاحها على الأجناس الأدبية الأخرى، المسرح والشعر والسينما كان له دور متميز في تحسين جماليتها والارتقاء بها، والرواية قادرة على التمرد على القوانين وعلى ذاتها أيضا. لقد صرنا نرى أعمالا روائية وقصصية لا تكسر الحواجز بين الأجناس الأدبية بل تعمل على تفجير الجنس الأدبي من داخله بتمردها على التقنيات السردية التقليدية، وبتمردها على الطرق التقليدية في تصوير الشخصيات واستخدام الزمان والمكان وتفتيت الحبكة والحكاية معا.
وحللت الناقدة التونسية جهاد الفالح مظاهر التحول في البنية الروائية ومدى التداخل فيها بين الأدبي والتكنولوجي، وقالت "لئن كانت الرواية ورقيا هي نص يتحدد من خلال بنيته الدلالية (جمل، مقاطع، وحدات) والعلاقات فيما بينها، فإنها، رقميًّا، تتحدد بما أقرته الدراسات الغربية وهي العقدة والرابط. وقد أسهمت هذه الثنائية في تقنين العلاقة بين ما ظهر من النص وما بطن، غير أن تلك العلاقة ملزمة للمؤلف في إنشاء النص "إذ لا تتحقق واحدة بمعزل عن الأولى" لكنها ليست ملزمة للقارئ في مستوى التقبل "إذ ليس مجبرا على تنشيط كل الروابط" فالنص ليس معطى كاملاً يتجلى على الشاشة، إنما هو بناء لا يستند إلى الخطية فيفترض مسارات القراءة متعددة يتخيرها القارئ وقد لا يتشابه تخير عن غيره، وبالتالي تختلف النهايات من قارئ إلى آخر وتلف وتنفتح على التأويل اللانهائي، فيمكن بذلك أن نقول بأن الرواية الترابطية انطلاقًا من بنيتها إنما هي كون مرئي لا تستقيم القراءة فيها إلا مشاهدة نظرا إلى طبيعة الروابط فيها، وكذلك لكون غالبية الوسائط المتعددة "الصورة، الحركة، المشهد، اللون" فيها مرئية تفترض العين أداة للتلقي، فالبنية الترابطية إذن القائمة على "التقنية" قد اقتحمت الأدبي وحلت محل البنيات النصية التي تخلقها اللغة وإلى اللغة مردها.
ورأى الكاتب شريف عابدين أن النص الروائي يحتاج إلى المعلوماتية (تعبًيرا عن المكونات: زمان، مكان، شخصية، حدث) تلبية لاحتياجات السرد أو تلبيًة لاحتياجات القارئ. وقال إن التوظيف الأمثل للمعلوماتية السردية يتمثل في: أولا الخلفية المعلوماتية للزمكان يجب أن توظف فقط من خلال ما يحدث للشخصيات. ثانيا أنسجة المعلومات: تضفير المعلوماتية وتوزيعها المتجانس في مقاطع صغيرة تندمج في نسيج النص وتفادي إدراجها في فقرات طويلة من الوصف. ثالثا توزيع الوصف المعلوماتي مع الحدث والحوار. رابعا تفاعل الشخصيات مع الوصف المعلوماتي: "دع شخصياتك تر وتشم وتتذوق تفاصيلك الخاصة". 

وتطرق الباحث شريف العصفوري إلى موضوع التعبير الأدبي في زمن الإيجاز الإلكتروني وقال إن الشبكة العنكبوتية تغلغلت من منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فأتاحت بسرعة وسيلة للنشر السريع للأخبار وللأفكار بالاتصال اللحظي الآني والمستمر "الخاص"، وسرعان ما خرجت للنور أدوات التعبير "البلوج" المدونات، البلوج صار بسرعة أداة للنشر للقصائد وللقصص القصيرة وأحيانا للرواية على حلقات كما كان دور الصحف أواخر القرن الـ 19.
وأضاف أن الهاتف المحمول دخل الحلبة سريعا نهاية القرن العشرين، وسرعان ما تطورت التكنولوجيا لنقل الصورة والرسائل النصية فصار الاتصال اللحظي الدائم بين الأفراد ممكنا ورخيصا وصار التسجيل للأحداث الفريدة أو الاعتيادية بزوايا رؤية متعددة ممكنا، وعندما تزاوجت تكنولوجيا الهاتف المحمول مع الشبكة العنكبوتية صار هناك حاجة إلى التعبير والإعلام في نصوص قصيرة من 160 حرفا في الرسائل النصوص على الهاتف المحمول أو 140 حرفا على منصة تويتر. هذا الإيجاز تجاوبت معه الأجيال من الكتاب والصحفيين والإعلاميين..
وقال: كان هناك دائمًا قصة قصيرة من ألف كلمة أو أقل قليلاً ولكن هناك "ميني- ستوري" و"ميكرو - ستوري" (القصة الجد قصيرة والقصة البالغة القصر) اليوم تفوز بجوائز أدبية على مستوى الأقطار وبعضها عالمي. إن اللغة التي تستخدمها هذه "الأوساط" الجديدة هي حفيدة للغة التي يموج بها الشارع بالدارجة، وبنفس الموسيقى السريعة والاختزال، وبالقوافي والشعرية والتلميح والإحالة التي طرأت على الأغاني الشعبية بعد استقدام الراديو والتلفزيون. إذا كان دور وسائل التواصل الاجتماعي واضحا وبديهيا حتى صارت المواقع والمدونات أداة تعبير جماهيرية كبرى ووسيلة عظيمة في العمل السياسي، فلغة التعبير وأشكال التعبير تشهد طفرات غير مسبوقة ولا معهودة في كل النصوص. حتى الآن نحن نقرأ لأجيال من الأدباء شهدوا ميلاد التكنولوجيا ولكن التأثير الأكبر قادم عندما يبدأ مواليد العقدين الماضيين من التعبير في القصيدة والقصة والرواية.
وتناولت الباحثة أريج خطاب توظيف تقنية الفيسبوك الرواية العربية بين مغامرة الحداثة وانتهار المألوف من خلال تحليلها رواية "حارس الفيسبوك" لشريف صالح مؤكدة أن عـالم الفيسـبوك الافتراضـي مثل للناس أرض الخلاص مـن أعبـاء الواقـع ومشاغله ومسؤولياته واعتبره كثيرون ملاذا يهربون مـن واقعهـم وهمومهم إليه يبثون أحزانهم وينشرون أفراحهم، ويعبرون من خلاله عن مشاعرهم المتناقضة والمضطربة، فهو ملاذهم وبراحهم الحر ينفِّسون من خلاله عن المكبوت والممنوعة، ويعـبرون عـن ذواتهم وما يختلج صدورهم من آمال وآلام وطموحات وأحلام قريبة وبعيدة المنال، بل تعدى الأمر مجرد التعـبير التلقائي فصار الكتاب ينشرون فيه إبداعاتهم عـبر مدوناتهم الشعرية والنثرية حتى ظهـر مـا يسمى بـ "الأدب الإلكتروني" كما تم اسـتخدامه لأغـراض سياسية وفكرية، فصار ساحة للنزاعات الفكرية، فطـرح فكـرة مـا غـدا أمرا ميسرا وعـرض ردود الفعل المضادة، صار أكثر يسرا، كما استخدم بعضهم هذا الفضاء الافتراضي ما يسمى بـ "الإعلانات الممولة" لطرح ودعم مشاريعهم ومؤسساتهم وللترويج لمنتجاتهم. 
وتغيا الباحث عبدالرحيم علام الوقوف عند بعض الجوانب المؤطرة للتفاعـل الجديد القائم بـين كتابة الروايـة العربية وأدوات الاتصال الجديـدة انطلاقـا مـن استثمار مجموعة من النصوص الروائية لهـذا الأدوات وقدرتها علـى تحويلها إلى مادة روائية بأشكال جديدة وبمضامين ودلالات مغايرة. 
ورأى العلام أن التحولات المعلوماتية المتسارعة اليوم يواكبهـا تطـور الكتابـة الأدبية رغـم بطء هـذا التفاعـل ومحدوديته عربيا علـى الأقـل في سـياق تكنولـوجي انتقـالي كـبير، لم تسلم معه الرواية العربية مـن التأثر بإفرازات عالم الاتصال وأدواته، على مستوى موضوعات الكتابة الروائية وأساليبها وتقنياتها التي باتـت تحمل آثار الحامل الرقمي والعالم الافتراضي. وقال "من بـين المستويات المجسدة لانخراط الرواية العربية العـالم الرقمي ومواكبتهـا لجانب من التطـورات العاصفة وسائل الاتصال الجماهيري نشـير إلى طبيعة التفاعـل القائم اليوم بـين كتابة الرواية وأدوات الاتصال الجديدة في تنوعهـا وتباين مستويات توظيفهـا بمـا يتـيح للمحكي الروائـي تشـييد مادتـه وبنـاء عوالمـه انطلاقـا ممـا تفـرزه هـذه الأدوات مـن أشكال سردية، وممـا تطرحه مـن قضـايا تلامـس جوهر الواقع المعيش وتخضعُ لمؤثرات الواقع الافتراضي. 
وهـذا التطـور التكنولوجي بوسائطه الجديدة تـؤطره شـبكة عنكبوتيـة غـدت اليوم تؤثر بشكل كبير على إدراك الإنسان للعالم ولأشكال حضوره فيه وتُمارس سلطةً على حدود المعرفـة والتواصـل بـين النـاس، وتنسـج حكايات فئات بشرية واسعة في مجتمعاتنا وتـؤطر أحلامهـا وبوحهـا ومصائرها، في تنوع رغائبهـا وأوهامهـا ونزواتهـا وهمومها وأزماتها وتناقضاتها في ظل حوامل الكتابة والعوالم الافتراضية الجديدة.