الكويت تختتم مهرجانها الدولي للموسيقى بـ'غناوي عربية'
اختتمت بالكويت مساء الجمعة، فعاليات مهرجان الموسيقى الدولي الـ24، بحفل فني مميز حمل عنوان "غناوي عربية"، وأقيم على مسرح جابر العلي بمركز الشيخ جابر الثقافي وسط حضور جماهيري كبير، ومشاركة نخبة من الفنانين العرب.
وخلال الحفل، قدم الفنانون بدر نوري ومساعد التتان ومحمد أسدي وغنيمة العنزي وعبدالله الفضلي وسعود الفايز بقيادة المايسترو الدكتور خالد نوري مقطوعات وأغان من الطرب الأصيل.
وأكد الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب رئيس المهرجان مساعد الزامل في كلمته خلال حفل الختام أن اللجنة العليا للمهرجان تميزت بوضع خلطة جميلة بداية بالتكريم واختيار شخصية المهرجان الفنان القدير محمد البلوشي واختيار دقيق لفعاليات المهرجان.
وأشار إلى جدول المهرجان الذي بدأ بليلة تكريمية للفنان محمد البلوشي وتكريم عدد من الأشخاص الذين كانت لهم بصمة واضحة في المجال الموسيقى، كما لفت إلى الجلسة الحوارية مع القدير محمد البلوشي وإلى الندوة الفكرية الخاصة بالمهرجان والليلة الفنية الشعبية في جمعية الفنون التشكيلية.
وبين أن فعاليات المهرجان ضمت حفل لعازفة التشيلو العمانية مريم المنجية وحفل "نغم من اليونان" وليلة "نجاة ووردة"، إلى جانب حفل الختام "غناوي عربية".
ولفت إلى اختيار الكويت عاصمة للثقافة والإعلام العربي 2025، مبينا أن الاحتفالات ستكون كثيرة في العام المقبل بهذه المناسبة بدعم من وزير الإعلام والثقافة ووزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري وأمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار.
وأكد على أن المجلس يحمل على عاتقه حماية الهوية الوطنية وحماية كل ما يخص الكويت من اثار وموروث وفنون وثقافة ويعمل جاهدا لدعم وخلق الإبداع.
المهرجان الذي انطلقت عروضه وفعالياته يوم الأحد الماضي، كانت قد خصصت ليلته الافتتاحية لتكريم شخصية هذه الدورة وهو الفنان الكويتي القدير محمد البلوشي أحد أبرز الأسماء في مسيرة الأغنية الكويتية.
وقال مدير إدارة الموسيقى والتراث الشعبي بالإنابة ومدير إدارة الاتصال والإعلام في المجلس يوسف الجمعان، إن المهرجان الذي أقيم برعاية وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري، أمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور محمد الجسار، والأمين العام لقطاع الفنون بالمجلس مساعد الزامل، كان مناسبة لإقامة فعاليات عدة، شارك فيها فنانون كويتيون وعرب، ناقشوا خلالها حاضر الغناء العربي ومستقبله، و"الغناء العربي من المحلية إلى العالمية"، وغير ذلك من القضايا ذات الصلة بالموسيقى والغناء في العالم العربي.
وأشار الجمعان إلى أن المهرجان الذي انطلق في عام 1997 فعالية ثقافية وفنية سنوية ينظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، يهدف إلى الاحتفاء بالموسيقى كوسيلة للتعبير الفني والثقافي، وإبراز التنوع الموسيقي العربي والعالمي.
ومن بين الأنشطة البارزة التي شهدها المهرجان بجانب عروضه الغنائية والموسيقية العربية والأجنبية، ندوة حملت عنوان "الغناء العربي من المحلية إلى العالمية"، تحدثت فيها الدكتورة عصمت الجبالي رئيس ومؤسس مناهج قسم الأصوات بالمعهد العالي للفنون الموسيقية في الكويت سابقا، وأدار الدكتور محمد الديهان الذي أكد في مستهل حديثه أن الدكتورة عصمت لها إسهامات كبيرة في كلية التربية الأساسية من خلال قسم التربية الموسيقية، وقدمت العديد من الأبحاث المتعلقة بتدريب الصوت والنطق السليم، وحكّمت دراسات عربية وعالمية عدة في جامعة الكويت، وأعدت برامج أصول الموسيقى في إذاعة الكويت أيضا، وشاركت في تطوير المناهج الموسيقية ودربت العديد من الأصوات الفردية والجماعية في المعهد العالي للفنون الموسيقية في العديد من المهرجانات والحفلات ولاسيما في أوبريت "حروف على جدار الوطن" وقدمت دورات عده في عدد من الدول العربية والخليجية.
واستهلت الجبالي حديثها بالقول بأن حكماء العرب قالوا قديما: "إذا أردت أن تعرف حضارة أمة وما تنطوي عليه من طبائع وسجايا فابحث عن الغناء فيها، فإنه مسرح يظهر مزايا الأمة وآمالها وآلامها على نحو يشرحه بأفصح بيان ووصف"، ولفتت إلى أن هذه العبارة تكشف سر العلاقة بين الغناء وحضارة أي أمه، باعتبار الغناء مرآة تعكس قيم وقوانين وحضارة الأمم، مشيرة إلى أن الحضارة العربية صدرت إلى دول الغرب المعارف والعلوم والفنون على نحو يثبت مدى قيمة وقوة الحضارة العربية بناء على مراجع وكتب نستقي منها حتى الآن ما يؤكد عظمة هذا الحضارة.
وتناولت الجبالي في حديثها موضوع الغناء بمفهومه الاجتماعي، مؤكدة على أن الغناء هو الصورة المرئية والمسموعة لقيم وأخلاق المجتمع، ويتفاعل مع المفاهيم الموجودة في المجتمع ويظهرها إما بشكل دراماتيكي أو بشكل يمجد في البعد الثقافي والفكري للبلاد. والغناء فن يصدر نتيجة اندماج ثلاثة عناصر هي الصوت واللحن والكلمة.
وأشارت إلى أنه هنا تقع مسؤولية كبيرة على الأكاديميين والدارسين والقائمين بالحركة الفنية بالبلاد للارتقاء بالأغنية، لأننا لو ارتقينا بالكلمة فكأننا نرتقي بالفكر، والارتقاء بالموسيقى يعني الارتقاء بالحس الفني والإبداع والخيال، وإذا أتقنا فن أداء الصوت بشكل جيد فقد نساهم في خلق شخصية مجتمعية متوازنة ولأن الارتقاء بالغناء يساهم في الارتقاء بالمجتمع، والغناء ليس مجرد وسيلة ترفيه وإنما هو نتاج انفعالات وتجارب تعكس رقي المجتمع وتطوره.
وحول الفرق بين التلاحين العربية والغربية، قالت الجبالي إن هناك فرقا واضحا بين السمات المميزة للغناء والتلاحين العربية وأولها المقامات الموسيقية، وكل الموسيقيين يعلمون أن المقام هو شكل لتكوين نغمي متسلسل له نقطة بداية ونقطة نهاية، وبين النغمات المتسلسلة هناك ما يعرف بالبٌعد الموسيقى الكامل أو النصف بٌعد أو الثلاثة أرباع البٌعد، وهذا هو ما يثري الموسيقى العربية وغير موجود في غيرها من أنواع الموسيقات، والاختلاف في الأبعاد بين والتباين في مسافات المقامات هي التي تعطي انطباع ومذاق خاص لكل مقام والمناسبة التي يُغنى فيها وحتى مسميات المقام تنطبق على حالته عندما يتم توظيفه في الأغنية العربية، على سبيل المثال (مقام الصبا) يرجع إلى ريح صبا تحمل من العواطف والمشاعر ما تحمل للأغاني العاطفية والدينية، أما (مقام الراست) الأكثر انتشارا واستخداما، و(مقام السيكا) تعني بالفارسية رقم ثلاثة، والنغمة الثالثة تعني السيكا، وحتى المسميات تنطبق على نوع المقام وكيفية استخدامه، هذا أدى إلى ثراء فني غير موجود في الموسيقى الأخرى.
وتابعت بالقول: إنه على مستوى الآلات الموسيقية، نجد الآلات الغربية هي تقليدية معروفة في الأوركسترا، بينما الآلات الموسيقية العربية التي تستطيع أن تعزف ثلاثة أرباع التون وتعطي من الألحان ما تعطيه من الثراء، إضافة إلى آلات التخت العربي التي تستطيع أن تضيف ثراء للموسيقى العربية، كذلك الإيقاع في الموسيقى العربية وكما قالا (الفارابي) أنه يقوم بعملية تنظيم بين السرعة والزمن، وقال إنه النظام في توزيع حدود الزمن، وهذا ما يحدث بالضبط في الدروب الإيقاعية وأن هذا النظام الإيقاعي يعطي انفعالات وتأثيرات تشبع الطابع الموسيقى.
المهرجان خصص ليلته الافتتاحية لتكريم محمد البلوشي أحد أبرز الأسماء في مسيرة الأغنية الكويتية
وفي محور آخر من مكونات العمل الموسيقى، قالت الجبالي إن فن إدار ة الصوت هو العنصر الأهم في الغناء العربي، وهو علم واسع يعتمد على تشريح أجهزة إصدار الصوت عند الإنسان، ومنها الجهاز التنفسي والجهاز الصوتي والجهاز الرنان وكل منه له تدريبه، وبداية تدريب الصوت لكي يصبح الشخص مغن هو أن يتعامل مع الجهاز التنفسي بشكل سليم، ويحدد ويتعامل مع أماكن الرنين في الجسم وهي منتشرة في جسم الإنسان، وأهم شيء كيفيه إدارة عملية التنفس لخدمة الجملة الموسيقية، وهذا يعتمد على تدريبات إنماء الصوت، ذلك أن حاسة الصوت غير ملموسة ولا محسوسة وإنما تعتمد على الإرادة والخيال ويأتي بعدها الإصدار الصوتي الجيد، واستعرضت نماذج من الأصوات والمقامات للمقرئين وشيوخ القرآن في رفع الآذان، حيث يؤدى كل آذان بلحن معين حسب الحالة المزاجية للمجتمع، حيث كان آذان الفجر بمقام الصبا، والظهر على مقام الراست، والعصر بمقام الحجاز، والمغرب على مقام سيكا، والعشاء في مقام البيات. وشددت على أن البدايات الموسيقية كانت عربية من الحس الموسيقى وموسوعة من العبارات الموسيقية التي تشرح العبارة اللغوية.
الأغنية الكويتية
فعاليات المهرجان الدولي للموسيقى بالكويت، تضمنت أيضا، إقامة جلسة حوارية كان عنوانها "مشوار محمد البلوشي"، حيث قدم الجلسة وأدارها الدكتور فهد الفرس، وسلطت الضوء على مسيرة الفنان محمد البلوشي الذي احتفى به المهرجان في هذه الدورة.
وفي بداية حديثه، قال مقدم الندوة ومديرها الدكتور فهد الفرس إن "الأغنية الكويتية مرّت بالعديد من المراحل، ولكل مرحلة أسلوبها وفنانيها"، مبينا أن محمد البلوشي ظهر في فترة الثمانينات، ومعه جيل جديد مثل الفنان عبدالله الرويشد، ونبيل شعيل، ومحمد المسباح، ونوال، وهذه الفترة شهدت تطورا ملحوظا من خلال الجُمل الجديدة، تأثرا بإيقاعات الدول المجاورة بخاصة المملكة العربية السعودية، والبحرين، وأشار إلى ظهور أفكار جديدة لملحنين ومطربين في تلك الفترة.
من جانبه تحدث الفنان محمد البلوشي عن طفولته وحبه للغناء واستذكر البدايات، ليقول "كنت أسمع الأغاني وأرددها، أي أغنية حلوه أسمعها أقوم بغنائها"، ومن الأغاني التي كان يرددها في طفولته بمرحلة الروضة "ست الحبايب" للفنانة فايزة أحمد.
وذكر البلوشي أنه كان يفكر في دخول المعهد العالي للفنون الموسيقية أثناء دراسته، ليكون له دافعا للنجاح وبالفعل التحق بالمعهد، وأنه قبل دخوله المعهد التحق بفرقة التلفزيون الشعبية.
في ما تحدث البلوشي عن بداية دراسته في المعهد ليقول "أعطوني آلة التشيللو، وكنت لا أحبها وكنت أريد التعلم على آلة العود، وبداياتي في المعهد لم أكن أعرف العزف على العود، وعزفت على آلة القانون أربع سنوات"، مبينا أنه ذهب بعدها إلى الأستاذ القدير أحمد باقر وأقنعه في التبديل من آلة القانون إلى آلة العود، وقال "الأستاذ باقر كان يعلمنا الفن والأغاني الشعبية، واستفدت منه الكثير في الأغاني والألحان التي قدمها".
وتطرق البلوشي إلى ذكرياته مع فرقة التلفزيون، وكيف استفاد منها خلال معاصرته كبار الملحنين الذين عملوا في الفرقة، وتعرفه على الإيقاعات الكويتية الشعبية والأصوات والفنون، حيث أوضح أنه استفاد من الإيقاعات، وأن الملحن غنام الديكان يُنجز اللحن ويجرّبه، إلى جانب أنه كان يتمرن على الأصوات فقد كان يدربهم أحمد القطامي، وأيضا كانوا يشاركون في مهرجانات كثيرة خارج الكويت، وهذا الذي ساعده في الاحتكاك بالإيقاعات الخليجية، فقد كان يحب جميع الألوان الغنائية، وكان يحمل معه مسجلته طول الوقت، يسجل بها أي شيء جديد من عمان، والبحرين، من عازفين الطنبورة، حيث استفاد منهم ومن جُملهم الشعبية.
وأضاف البلوشي أنه كان يحضر الحفلات كاملة الموسيقات الخليجية، وكان يتذوق أغانيهم، لافتا أن ذلك ساعده في أن يدمج ألحانه مع الإيقاعات الخليجية، بالإضافة إلى دمج بعض الجُمل الخليجية مع اللحن الكويتي.
وعن بداية مشواره الغنائي وأول إصدار له قال البلوشي "أول إصدار لي كان في عام 1983، ويتضمن ثلاث أغاني من ألحانه". ليعلق د. الفرس أن الجمهور عرف البلوشي، من خلال أغنية لحنها له الملحن البحريني يوسف الغانم "لا تحاول ".
وحول الإصدارات وعددها أجاب البلوشي " قدمت تقريبا 14 إصدار"، مضيفا "في عام 1985 عرفني الملحنون أمثال الراحلين سليمان الملا، ومحمد الرويشد، وراشد الخضر"، أما أول حفل له خارج الكويت كمطرب فبين البلوشي أنه كان في البحرين مع الفنانين أحمد الجميري، ورباب، ود. عبدالرب إدريس، في حين تطرّق البلوشي إلى الأغاني التي حققت استحسانا ونجاحا، ومنها " يعين الله" التي حققت صدى في البحرين، موضحا أنه منذ عام 2006 لم يقدّم أي شريط أو سي دي إلى يومنا هذا، ولكنه متواجد من خلال الأغاني الوطنية، ومشاركاته مع المطربين.
وقال د. الفرس "البلوشي ميّز نفسه بجمل لحنية وإيقاعات تأثر بها من منطقة الخليج، ووظفها بطريقة جميلة ومدروسة وعلمية، وفيها طرب وقبول من المستمعين.