المائدة الفلسطينية الفارغة في انتظار خرائط وهمية

فلسطينيو الحكم لا يرغبون في إقامة دولة فلسطينية لذلك فإنهم لا يتابعون الموضوع ولا يمسكون الإدارة الأميركية من لسانها.
الولايات المتحدة في كل الحالات لا تتراجع عن إجراءاتها السابقة التي تعبر عن انحيازها إلى إسرائيل
لا أحد يدري ما الذي دفع السلطة إلى التواطؤ مع الاميركيين من خلال الصمت الذي تقاسمته مع إسرائيل

عدنا مرة أخرى إلى "حل الدولتين" بعد أن عصفت بنا صفقة القرن. دولة يهودية ديمقراطية إلى جانب دولة فلسطينية ديمقراطية قابلة للحياة.

نعود ونذهب بخفة وفق ما ترغب به الإدارة الأميركية. فبعد صفقة القرن التي طرحتها إدارة الرئيس ترامب ها هي إدارة الرئيس بايدن تعود إلى القديم المستهلك في حديث إنشائي هدفه إظهار الرغبة الأميركية في الحفاظ على أمن إسرائيل أولا ومن ثم التخلص من الصداع الفلسطيني.

ولو تساءل الفلسطينيون ما الجديد في الطرح الأميركي؟ لما سمعوا جوابا مفيدا. فالأميركان ليسوا معنيين بإقناع الطرف الفلسطيني بموقفهم.

يمكن لإسرائيل أن لا تعتبر الأميركان جادين في طرحهم وهم كذلك. فليس لدى الولايات المتحدة أكثر من جملة واحدة لطالما سمعها الفلسطينيون من غير أن تُفرش على مائدتهم الفارغة خارطة طريق تضع الأطراف الثلاثة امام التزامات مرتبطة بتوقيتات محددة.

الولايات المتحدة في كل الحالات لا تتراجع عن اجراءاتها السابقة التي تعبر عن انحيازها إلى إسرائيل وفي مقدمتها مسألة الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل السفارة إليها والموقف من المستوطنات في المقابل ليس هناك ما يُشير إلى تراجع أميركي عن الاجراءات المعادية للفلسطينيين وفي مقدمتها قطع المساعدات عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وطرد السفير الفلسطيني من واشنطن بعد اغلاق مكتب منظمة التحرير.

ما صرح به وزير الخارجية الأميركي في ما يتعلق بحل الدولتين هو مجرد كلام خال من المعنى.

جملة قيلت من أجل اسدال الستار على ما سمي بـ"صفقة القرن" ذلك المقترح الذي أحيط بالكثير من التهريج من غير أن يتم التأكيد على جديته. وهو ما يمكن التثبت منه من خلال عدم وجود أي تعليق إسرائيلي على تلك الصفقة. لا سلبا ولا ايجابا. كان هناك الكثير من الكذب قد تم تمريره من خلال القضية الفلسطينية والاهتمام بها.

كذب لم يشأ السياسيون الفلسطينيون المرتبطون بالسلطة رسميا أن يفضحوه. جرب أن تلتقي بسياسي فلسطيني سابق وأسأله عن المسألة وستسمع العجب. ذلك هو الوجه الآخر للمرآة. فلسطينيو الحكم لا يرغبون حقيقة في إقامة دولة فلسطينية لذلك فإنهم لا يتابعون الموضوع ولا يمسكون الإدارة الأميركية من لسانها ويضعونها أمام مسؤولية تنفيذ القرارات الدولية وهم حريصون على التكتم.

لم تقم السلطة الفلسطينية بتوضيح ما جرى حين قررت دول عربية إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل وتركت الناس العاديين يتخبطون في عمى صفقة القرن كما لو أنها صارت على الأبواب. بعد ذلك اتضح أن تلك الخطوة لا علاقة لها بما تراه الإدارة الأميركية ممكنا من حلول. هي خطوة منفصلة لن تتلوها خطوات تصب في تحريك الوضع الفلسطيني.  

لا أحد يدري ما الذي دفع السلطة إلى التواطؤ مع الطرف الأميركي من خلال الصمت الذي تقاسمته مع إسرائيل. صمت هو أشبه بالمؤامرة. فلسطينيو السلطة يعرفون أن لا وجود لدولة فلسطينية تنتج عن حل وهمي تم تعريفه بـ"حل الدولتين".

وإذا ما كانت إسرائيل لم تبد رأيها بذلك الحل فلأنها تعرف أن لا وجود له. ذلك ما تعرفه السلطة الفلسطينية من جهتها. تعرف موقف إسرائيل وتعرف ما تفكر فيه الإدارة الأميركية ولكنها لم تكاشف شعبها ولم تكن صريحة في رواياتها الشعبوية.

هناك شعور جانبي بأن هناك تآمرا بين الأطراف الثلاثة، الهدف منه طمس الحقائق، سواء إذا تعلق الأمر بـ"صفقة القرن" أو "حل الدولتين". وفي الحالين فإن السلطة وإن كانت مستضَعفة ومغلوبة على أمرها فإنها كانت جزءا من كل. ذلك الكل الذي يعمل على الاخفاء وفي الوقت نفسه يمارس النفاق في لغته السياسية.

لقد ضج الكثيرون في تظاهرات احتجاج ضد صفقة القرن من غير أن يكونوا على اطلاع على أي من فقراتها وها هو الزمن يمضي ليحل حل الدولتين محلها ولن يحتجوا عليها لأنهم يدركون أن احتجاجاتهم السابقة لم تُسقط صفقة القرن. لديهم ما يُسليهم عن الهجوم على المشاريع الوهمية. ولكنهم في الوقت نفسه لن يتخلوا عن قوة منتحلة ينسوبنها إلى أنفسهم وعن معرفة دقيقة بنوايا العدو ومن خلفه الإدارة الأميركية.

اما ما هي الحلول العملية التي تناسبنا ويمكن أن تكون أساسا للتفاوض بدلا من الحلول الذي تظهر وتختفي حسب المزاج الأميركي فذلك ما لا يقع ضمن اختصاص أحد.

تظل المائدة الفلسطينية فارغة ويبقى الفلسطينيون في حالة انتظار إلى ما لانهاية. ذلك ما يؤكده الواقع.