المجلس الدستوري يجتمع وسط ترقب الشارع لمرحلة ما بعد بوتفليقة

المجلس الدستوري في الجزائر يجتمع لتثبيت شغور الرئاسة بعد استقالة بوتفليقة في وقت لا يزال يطالب فيه الشارع برحيل كافة رموز النظام.
الفريق أحمد قايد صالح شخصية محورية في الجزائر
عبدالقادر بن صالح سيضطلع بمهام رئيس الجمهورية وفق الدستور
الجزائريون يحتفلون بإستقالة بوتفليقة وسط حذر وترقب

الجزائر - بدأ المجلس الدستوري في الجزائر اجتماعه اليوم الأربعاء لإقرار حالة الشغور الرئاسي بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة أمس الثلاثاء.

ووفقا للدستور الجزائري، يجتمع البرلمان بعد تبليغه رسميا بالشغور النهائي لمنصب رئاسة الجمهورية الذي يتم تثبيته من قبل المجلس الدستوري.

كما ينص الدستور على أن يتولى رئيس مجلس الأمة مهام رئيس الدولة في حالات الوفاة أو الاستقالة أو المرض الخطير والمزمن، لمدة أقصاها تسعون (90) يوما، تنظم خلالها انتخابات رئاسية ولا يَحق لرئيس الدولة المعين بهذه الطريقة أن يترشح لرئاسة الجمهورية.

وسيضطلع بمهام بوتفليقة عبدالقادر بن صالح الذي يرأس رئيس مجلس الأمة الجزائري منذ 17 سنة.

وبن صالح من مواليد 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1941 بقرية في تلمسان القريبة من الحدود المغربية، وهو منذ شبابه عنصر من النظام الذي أسسه حزب جبهة التحرير الوطني. وقد كان الحزب الوحيد الحاكم بين 1962 حتى 1989.

التحق بن صالح بجيش التحرير الوطني الذي كان يقاتل الاستعمار الفرنسي (1954-1962)، وهو في عمر 18 سنة، وكانت الدعاية السياسية من بين مهامه.

لدى استقلال البلاد في 1962، غادر الجيش ليكمل دراسته في كلية الحقوق بجامعة دمشق، قبل عودته إلى الجزائر في 1967 للعمل صحافيّاً في يوميّة الشعب في وقت كانت الدولة تحتكر قطاع الإعلام.

وبعد مسيرة في الصحافة الحكومية، تخلّلتها فترة أقل من سنتين كمراسل في الخارج، انتُخب بن صالح نائبا في المجلس الشعبي الوطني للمرة الأولى في 1977. ثم أعيد انتخابه مرتين، كما تولى مسؤولية رئاسة لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس لمدة عشر سنوات.

عبدالقادر بن صالح شخصية برزت في كنف النظام
عبدالقادر بن صالح شخصية برزت في كنف النظام

في 1989، غادر البرلمان ليبدأ مسيرة دبلوماسية قصيرة، إذ عيّن سفيرا للجزائر لدى المملكة العربية السعودية ثم مديرًا للإعلام وناطقًا رسميًا باسم وزارة الشؤون الخارجية في 1993.

في 1994، أصبح رئيس المجلس الوطني الانتقالي (برلمان المرحلة الانتقالية) الذي أُنشئ بعد حلّ البرلمان وإلغاء الانتخابات التشريعية (كانون الأول/ديسمبر1991- كانون الثاني/يناير 1992) التي فاز بدورها الأول حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ.

في 1997، كان من بين مؤسسي حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي فاز في السنة نفسها بالانتخابات التشريعية، فعاد نائبا مرة أخرى ورئيسا للمجلس الشعبي الوطني الذي تحول إلى الغرفة الأولى للبرلمان بعد إنشاء مجلس الأمة في دستور 1996.

بعد خمس سنوات، عيّنه الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة عضوا في مجلس الأمة ضمن "الثلث الرئاسي" في مقابلة الثلثين الآخرين اللذين يتم اختيار أعضائهما بالاقتراع غير المباشر. وانتقل بذلك من رئاسة الغرفة السفلى إلى رئاسة الغرفة العليا في 2002، وهو المنصب الذي يشغله إلى اليوم، والذي يجعل منه الرجل الثاني للدولة.

وكما في 2013، بعد بروز احتمال رحيل بوتفليقة عن الحكم نتيجة إصابته بجلطة في الدماغ في 2013 ومكوثه الطويل في مستشفى في باريس، عاد اليوم الجدل في الأوساط الإعلامية حول شرعية تولي بن صالح للرئاسة بالنيابة.

ويدّعي معارضوه أن بن صالح مغربي الجنسية أصلاً وتمّ تجنيسه في سنوات 1960، وهذا مانع لتولي الرئاسة في الدستور الجزائري. لكن بن صالح كذّب ذلك وأكد أنه جزائري المولد والجنسية، كما جاء في سيرته الرسمية المنشورة في موقع مجلس الأمة.

واستقال بوتفليقة، بعد أسابيع من انطلاق الحراك الشعبي الجزائري المطالب بالتغيير، وبعد ساعة واحدة من بيان شديد اللهجة للجيش الجزائري، ونقلت وسائل الإعلام الجزائري مساء الثلاثاء، الثاني من نيسان/أبريل أن الرئيس أبلغ استقالته للمجلس الدستوري "ابتداء من تاريخ اليوم".

وفور إعلان بوتفليقة استقالته أمس، احتفل مئات الجزائريين وسط العاصمة الجزائرية ،وهم يحملون الأعلام ، ويطلقون الشعارات التي تؤكد على عمق العلاقة، بين الشعب والجيش الجزائريين.

وكان بيان الجيش الجزائري الذي سبق استقالة بوتفليقة بساعة واحدة، قد حسم الجدل بشأن استقالة الرئيس المريض، ووضع عليه ضغطا، دفعه للاستقالة بشكل فوري لكن ومع استقالة بوتفليقة وما بدا أنه دور حاسم للجيش في دفعه للاستقالة يزداد الغموض حول الخطوة القادمة التي ستتخذ للإمساك بزمام الحكم في البلاد.

ورغم حالة الفرح التي عاشها الجزائريون ليل الثلاثاء فور إعلان استقالة بوتفليقة ومساندة بعض الدول التي شهدت ثورات وتغيير مثل تونس ومصر وليبيا تسود حالة من الحذر خوفا من إعادة سيناريو عودة الإسلاميين إلى الحكم خصوصا بعد التجربة الأليمة التي عاشتها الجزائر في فترة العشرية السوداء.

ورغم أن معظم الجزائريين يتحدثون عن اختلاف جوهري بين الحراك الشعبي الذي نفذوه وبين ما جرى في البلدان العربية المجاورة، يبدي بعض الجزائريين ثقة كبيرة في أن جيش بلادهم سيحمي خياراتهم في التغيير السلمي للنظام في المقابل تعلو أصوات محذرة من أطماع للجيش في السلطة أو في الحكم من وراء ستار.

وكان رئيس الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح (79 عاما) الذي طلب الثلاثاء "التطبيق الفوري" للحل الدستوري القاضي بعزل بوتفليقة قبل أن يعلن هذا الأخير استقالته، من المخلصين للرئيس الذي عينه قائدا للجيش ليصبح من الشخصيات الأكثر نفوذا في البلاد.

ولد صالح في العام 1940 في ولاية باتنة (300 كلم جنوب شرق الجزائر)، والتحق في سن السابعة عشر من عمره بجيش التحرير الوطني الذي حارب لثلاث سنوات جيش الاستعمار الفرنسي.

لدى استقلال الجزائر في 1962، انخرط في صفوف الجيش ودخل أكاديمية عسكرية سوفياتية وتدرج في سلم القيادة.

وقد تولى قيادة مناطق عسكرية عدة قبل تعيينه عام 1994 قائدا لسلاح البرّ خلال الحرب الأهلية (1992-2002) بين الجيش الجزائري والجماعات الإسلامية.

في العام 2004، اختار بوتفليقة بعد إعادة انتخابه، هذا الضابط الذي أراد المسؤولون عنه إحالته على التقاعد، ليخلف الفريق محمد العماري الذي دفع ثمن معارضته لولاية ثانية للرئيس الجزائري.

وعبّر الفريق صالح عن امتنانه عبر تحوله إلى أكثر المخلصين لبوتفليقة الذي أمّن له وسائل تحديث الجيش.

الفريق أحمد قايد صالح شخصية محورية في الجزائر
الفريق أحمد قايد صالح شخصية محورية في الجزائر

ولدى عودته من باريس في تموز/يوليو 2013 حيث أمضى في المستشفى 80 يوما بعد إصابته بجلطة في الدماغ، عيّن بوتفليقة الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الدفاع والقائد الأعلى للجيوش بموجب الدستور، رئيس الأركان نائبا لوزير الدفاع.

ويؤكد مراقبون أن بوتفليقة منحه هذا المنصب الوزاري مقابل دعمه في مواجهة قسم من الجهاز الأمني الذي كان يعارض ولاية رابعة ترشح لها بوتفليقة في 2014، اي بعد عام من إصابته بالجلطة.

كما دعم الفريق صالح أيضا بوتفليقة عندما أضعف دائرة الاستخبارات والأمن، الجهاز الواسع النفوذ للاستخبارات التابع للجيش، ورئيسه الفريق محمد مدين الملقب "توفيق" الذي أحيل على التقاعد عام 2015.

في العام 2019، وبينما خرج الجزائريون إلى الشارع للاعتراض على ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، أعلن قايد صالح أن الجيش هو "الضامن" للاستقرار والأمن في مواجهة "أولئك الذين يريدون جرّ الجزائر إلى سنوات الحرب الأهلية" (1992-2002).

وكان رئيس أركان الجيش دعم ترشح بوتفليقة لولاية خامسة. لكنه بعد تنامي الاحتجاجات، اعتمد خطابا أكثر ليونة، معلنا أن الجيش يتقاسم "القيم والمبادئ نفسها" مع الشعب.

وفي 26 آذار/مارس، قدّم رئيس أركان الجيش اقتراحه الذي شكل مفاجأة وقضى بتطبيق المادة 102 من الدستور التي تؤدي إلى إعلان عجز رئيس الجمهورية عن ممارسة مهامه بسبب المرض.

بعد أقل من أسبوع، أعلنت رئاسة الجمهورية أن بوتفليقة سيستقيل قبل انتهاء الموعد المحدد لولايته الرابعة في 28 نيسان/أبريل.

لكن قايد صالح عاد وأكد قبل ساعات من إبلاغ بوتفليقة المجلس الدستوري باستقالته، وجوب "التطبيق الفوري" للحل الدستوري الذي يؤدي إلى عزل بوتفليقة.

كما انتقد "المماطلة والتعنت" و"التحايل من قبل أشخاص يعملون على إطالة عمر الأزمة وتعقيدها ولا يهمهم سوى الحفاظ على مصالحهم الشخصية الضيقة غير مكترثين بمصالح الشعب وبمصير البلاد".