المحور الغائب

من دون خارطة طريق عربية، تبقى دول المنطقة نهبا لنزاعات المحاور المختلفة.

يحكى ان ثلاثة قرويين، قرروا الذهاب الى سوق المدينة في موعد حددوه قبل يوم او اكثر. ولإنهم لا يعرفون الطريق جيدا، اتفقوا على ان يذهبوا معا، ويعودوا بعد انتهائهم من تسوقهم معا ايضا. وصلوا الى المدينة لكنهم لم يعودوا معا، كونهم لم يتفقوا على مكان معين يلتقون فيه بعد اكمالهم تسوقهم. ولما عاد اولهم الى القرية وسئل عن رفيقيه، قال انهما تاها في السوق! وتكررت الاجابة نفسها مع الاخيرين، عند ردهما على السؤال نفسه.

مؤخرا، زار بغداد، وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن ال ثاني، وتحدث عن ضرورة قيام محور يضم كل من العراق وايران وتركيا وقطر، لمواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة.

لم يلق المقترح القطري حماسا من قبل المسؤولين العراقيين، وهو ما كان متوقعا، لأسباب موضوعية، اهمها ان دول المنطقة تمر بإشكالية حقيقية، لم تعد قادرة على مغادرتها بسهولة، بعد ان توهمت بعض انظمتها، القوية نسبيا، بعد زلزال 2003 وما تلاه من ربيع الخراب، انها ليست امام دول قائمة، بل اراض مفتوحة لمن يجتهد ويلعب بمفرده وبأدواته الخاصة، ليوسع نفوذه ويفرض ثقافته، متناسين ان الشرق الاوسط، يعد من الناحية الجيوسياسية، اكثر مناطق العالم اهمية للدول الكبرى وفي مقدمتها اميركا وروسيا والغرب الاوربي، وان ظهور قوة جديدة تسعى لتكون كبرى، بعد السيطرة على هذه المنطقة الحساسة، امر يصعب تخيله. وفي قراءة سريعة لواقعنا اليوم، نجد ان المحور الذي تحدث عنه وزير الخارجية القطري، غير ممكن، ليس لان احد اطرافه، العراق، يرفض سياسية المحاور، كما يعلن مسؤوليه، بل لان اهم دولتين مؤثرتين فيه، وهما ايران وتركيا، لديهما خلافات جوهرية في قضايا مفصلية. فبعد الفراغ الذي احدثه غياب دور العراق بعد العام 2003 ومن ثم احداث ما يسمى بالربيع العربي، اخذت كل دولة تعمل وفقا لتطلعاتها الذاتية، وعلى حساب الدولة الاخرى، ولم تنضجا تصورا استراتيجيا واقعيا مشتركا. فتركيا اعتقدت في السنين الاولى بعد احتلال العراق ان الاخير بات منطقة نفوذ ايراني باستخدام العامل المذهبي، فراحت تعمل بالأسلوب نفسه، لتتسع الهوة بين الدولتين وينشب بينهما صراع صامت في العراق وعلى العراق، تحول في سوريا (بعد الازمة) الى صراخ، اعلن عن خلافات دفينة بشكل غير مسبوق، والامر لا يختلف كثيرا في ميادين اخرى، تشتبكان فيها ثقافيا بفعل توجهاتهما العقائدية المعروفة، لكنهما متفقان على مسالة واحدة، وهي عدم اقامة دولة كردية، سواء في العراق او سوريا، والتصدي للمشروع الاميركي بهذا الصدد. الاّ ان مغذيات هذا المشروع ظلت بعيدة عن أي تفاهم حقيقي واستراتيجي بين البلدين، والدليل ان تركيا كانت ترى ان اسقاط النظام في سوريا سيمهد لها الطريق للسيطرة على هذا البلد الهام، من خلال الاخوان المسلمين، وهذا ما رفضته ايران التي ترى ان اسقاط النظام يعني انهاء وجودها في سوريا ولبنان، والعراق فيما بعد حتما، فضاعت استراتيجية التصدي المشترك للمشروع الاميركي في سوريا التي هي على حسابهما معا.

من هنا، نرى ان ايجاد محور عراقي ايراني تركي قطري، غير عملي لكل من الدول الكبرى الثلاث، لكنه سيكون مفيدا لقطر في صراعها مع السعودية وبعض دول الخليج ومصر، وهذا ما يضع المحور المطلوب في مواجهة غير ضرورية مع محاور اخرى، لان تركيا لها خلافات عميقة مع السعودية ومصر. وايران ايضا لها الخلاف ذاته لكن بأجندة مختلفة، اما العراق فلا ناقة له بكل هذه الاجندة ولاجمل.. وان ابتعاده عن سياسة المحاور، هي الوسيلة الافضل، كونها تجعله في مواجهات ومناكفات سياسية وامنية لا يحتاجها وغير مستعد لها ايضا.

المحور الحقيقي، هو ان تتفق دول المنطقة على خارطة طريق واقعية مشتركة، لحل مشاكلها، بعيدا عن المزايدات والمهاترات التي ثبت للجميع انها غير مجدية، وعدم تعقيد المشاكل القائمة اكثر، من خلال التبني المتبادل لاطراف الصراع في اية دولة من قبل الدول الاخرى، وفقا لرؤى عقائدية او مصلحية ضيقة، لان ذلك يجعل مشاكل تلك الدولة بعيدة عن الحل، وتصبح مع الزمن وسيلة لاستفراخ مشاكل اخرى.. فلسطين ولبنان مثالا، ومن ثم العراق وسوريا ومصر واليمن وليبيا، ولا ندري اية ولادات شوهاء قادمة تنتظرنا بفعل ضياعنا بين خلافاتنا التي غدت اكبر منا.. للاسف.