المرأة أفضل من يجهض مشروع الإخوان

الجمع بين "الدين" و"الوطن" في بيان مجلس الشعب التونسي يجعل من السهل رؤية "مشروع النهضة" الإسلامي بلا شك، فتحويل الدولة المدنية إلى إطار ملائم لتنفيذ المشروع الإخواني يعد فرصة أخيرة على اعتبار أنه يحق لحزب الغنوشي ممارسة السياسة ضمن الحرية والديمقراطية التي يكفلها له الدستور.

وجدت حركة النهضة الإسلامية مرة أخرى نفسها في مواجهة الرأي العام والأحزاب السياسية المعارضة لسياسة فرض الوصاية الدينية على المجتمع التونسي، ما دفع بزعيمها راشد الغنوشي لإصدار بيان متأخر للدفاع عن موقفه من التهديدات الإرهابية التي تعرضت لها المحامية والنائبة عبير موسي رئيس الحزب الدستوري الحر، والتي تعتبر من أشد المعارضين لمشروع الإسلام السياسي الذي يطمح الإسلاميون لفرضه في المنطقة بدعم من الحلف القطري التركي.

البيان الذي صدر اليوم الأحد لم يحمل توقيع الغنوشي بصفته رئيسا للنهضة بل بصفته رئيسا البرلمان الذي فازت بأغلبية مقاعده النهضة خلال الانتخابات الأخيرة، ما ممكنها من التمدد أكثر لبسط نفوذها داخل مفاصل الدولة بسهولة وهي المكاسب التي ترى فيها تركيا فرصة لدعم تدخلها العسكري في ليبيا.

وقال بيان البرلمان التونسي إن رئاسة مجلس الشعب "تُعلن عن تضامنها الكامل مع السيدة عبير موسي وتدعو الجهات المختصة لفتح تحقيق وتوفير الحماية اللازمة والسهر على سلامتها" بعد التهديد الإرهابي الذي تعرضت له.

وأكدت  رئاسة المجلس على "أن الإجرام الإرهابي يتآمر على شعبنا في الوقت الذي تواجه فيه المجموعة الوطنية موحّدة تحديات جساما أمام جائحة كورونا، بهدف إرباك الجهود وتشتيتها، وهو أمر لن يناله أعداء الدين والوطن".
هذا الجمع بين "الدين" و"الوطن" في بيان المجلس والتلاعب بالمفاهيم يجعل من السهل رؤية "مشروع النهضة" الإسلامي بلا شك، فتحويل الدولة المدنية إلى إطار ملائم لتنفيذ المشروع الإخواني يعد فرصة أخيرة على اعتبار أنه يحق لحزب الغنوشي ممارسة السياسية ضمن الحرية والديمقراطية التي يكفلها له الدستور التونسي.

البيان الذي صدر عن البرلمان لا يرى فيه التونسيون سوى محاولة من الغنوشي لـ"تبرئة الذمة" وإبعاد الشبهات فعبير موسي تعرضت للهرسلة والشتائم والتنكيل من قبل الإسلاميين وحلفائهم من الكتلة "ائتلاف الكرامة" ما يجعل أصابع الاتهام تتجه لهم أولا  فهي التي عارضت أجندات النهضة وكان في واجهة المتصدين للإسلام السياسي باعتباره يمثل خطراً على الدولة والمجتمع والمسار الديمقراطي.

والجمعة، كشفت موسي عبر فيديو بثته على الصفحة الرسمية للحزب الدستوري الحر عبر مواقع التواصل الاجتماعي أنّها معرّضة لمجموعة من التهديدات الإرهابيّة وفقا لما تمّ إعلامها به من قبل الوحدة الوطنيّة للبحث في جرائم الإرهاب والجرائم المنظّمة والماسّة بسلامة التراب الوطني. 

وأوضحت أنّها تلقت استدعاء من قبل الوحدة وعند ذهابها لمقرّ وحدة البحث في جرائم الإرهاب فوجئت بوجود ''تُرسانة'' من التهديدات بإغتيالها وتهديدات تدعو إلى ضرورة اندثارها من المشهد.

التهديدات لموسي تأتي بالتزامن مع رفض الأخيرة لمحاولات تقسيم ليبيا واستخدام النهضة لمؤسسات الدولة التونسية لخدمة أجندات تركيا في هذا المخطط عبر إرسال السلاح والمرتزقة لحكومة الوفاق في طرابلس والتي يسيطر عليها الإخوان والمليشيات.
رئيسة الحزب الدستوري الحر اتهمت الغنوشي بمحاولة استغلال البرلمان لتمرير "أجندات خاصة" تهدف إلى ضرب سيادة الليبيين من ذلك اتفاقيات اقتصادية وسياسية مع قطر وتركيا التي تريد النهضة تمريرها تحت غطاء تجاري بينما لها أهداف استراتيجية وعسكرية لضرب وحدة ليبيا الشقيقة على حد قولها.
موسي رفضت الزج بتونس في سياسة الاصطفاف وراء المحاور متسائلة عن سر اتصاله بالإخواني في حكومة الوفاق خالد المشري الذي أعلنت عنه قناة تلفزية ليبية ولم تعلن عنه لا النهضة ولا رئاسة مجلس النواب.

عبير موسي لا تمثل عقبة أمام مشروع الإسلام السياسي للنهضة في تونس وللإخوان في المنطقة كسياسية فقط بل هي صورة المرأة التونسية التي طالما كانت صدا منيعا أمام الرجعية وسطوة رجال الدين باعتبارها تمثل الصورة النموذجية للمرأة القوية في دولة الحديثة

رئيسة الحزب الدستوري الحر دعت أيضا إلى مساءلة الغنوشي على خلفية الاتصالات الغامضة بينه وبين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لكنّ مكتب البرلمان رفض ذلك. 

واستغل أردوغان أزمة انتشار فيروس كورونا الذي اخذ اهتمام الدول المعنية بالملف الليبي، لإغراق ليبيا بالسلاح وتأجيج المعارك حول طرابلس فيما أثارت تحركات مربية مؤخرا في الجنوب التونسي المخاوف من مخطط إخواني تحت إشراف النهضة وحكومة الوفاق لفرض المشروع التوسعي للإسلام السياسي ضمن أجندات المحور التركي القطري السياسية في منطقة شمال إفريقيا.

واعتبرت عبير موسي التي طالما انتقدت الفترة "السوداوية" التي قادتها حكومة الترويكا برئاسة النهضة، التهديدات التي تعرضت لها نتيجة الصوت الحرّ والمعارض الذي انتهجته في البرلمان لإنارة الشعب بالحقيقة، وكذلك ''للصوت الرافض للخضوع للإخوان'' في إشارة واضحة منها لحركة النهضة.

ورغم امتناع موسي عن إعطاء التفاصيل حول هذه التهديدات إلا أنها تحيل إلى الحملة التي شنتها ضد حركة النهضة ورئيسها حول علاقته المشبوهة مع تركيا وقطر.

عبير موسي التي كانت قد تهمت مرارا في السابق حركة النهضة ورئيسها بإدخال الإرهاب إلى البلاد منذ وصولها إلى السلطة عام 2011، حذرت مرارا من عودة الإسلاميين لانتهاج نفس الخطاب التحريضي والتكفيري الذي شهد تناميا خلال فترة حكم الترويكا  خصوصا في المساجد وانتشار المخيمات الدعوية في الشوارع، وفتح الأبواب لحضور دعاة مصنفين على قائمة الإرهاب ما عرض تونس لعمليات إرهابية خطيرة في السنوات الماضية.

المثير للريبة أن هذه التهديدات ليس الأولى التي تتعرض لها موسي حيث قام نائب عن كتلة "ائتلاف الكرامة" المتحالف مع النهضة بتكفيرها علنا خلال جلسة للبرلمان في شهر مارس الماضي.

ونعت السلفي المتشدد موسي "بأنها من أعداء الإسلام"!

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد فقد تمادى نائب آخر عن الكتلة المتحالفة مع النهضة قائلا إن "كتلته لا تستحي من التكفير كحكم شرعي وارد في الإسلام".

هذه الاتهامات والعبارات التكفيرية لم تحرك ساكنا لرئيس البرلمان أو الحزب الإسلامي الذي يقوده رغم ردود الفعل الغاضبة لدى التونسيين.

عبير موسي حملت الغنوشي وحزبه الإسلامي مسؤولية الانفلات الغير مسبوق داخل برلمان تسن فيه قوانين دولة مدنية دينها الإسلام، واعتبرت خطاب التكتل السلفي التحريضي في البرلمان ليس سوى الذراع العنيف لتنظيم الإخوان الذي تمثله النهضة في تونس.

إن عبير موسي لا تمثل عقبة أمام مشروع الإسلام السياسي للنهضة في تونس وللإخوان في المنطقة كسياسية فقط بل هي صورة المرأة التونسية التي طالما كانت صدا منيعا أمام الرجعية وسطوة رجال الدين باعتبارها تمثل الصورة النموذجية للمرأة القوية في دولة الحديثة.

عبير موسي تمثل نواة رئيسة في مشروع متكامل مناهض للإخوان يبدأ من الحراك الحقوقي أو النسوي الذي تعد تونس من بين البلدان العربية السباقة فيه، وينتهي بمعارضة المشروع الإخواني للانفراد بالحكم وإسقاط الدولة، ولعلنا لا ننسى أن دور النساء في المجتمع يعد اللبنة الأولى لأفكار حسن البنا مؤسس الإخوان المسلمين منذ بداية نشأة مشروعهم.

حركة النهضة تسعى لنسف هذا المشروع الاجتماعي والسياسي الذي يتيح للمرأة التونسية أن تكون على قدم المساواة مع الرجل باعتبارها نصف المجتمع ونواته الأولى، فطبيعة الإخوان المنهجية لا يمكن أن تسمح للنساء "الأخوات" بقيادة أجنداتها بدلا عنها فهي في منظور الإسلام السياسي لا تمتلك سلطة الإدارة وليس لديها وجود قوي في الهيكل الأعلى للمنظومة، لكنها تنفذ فقط أهدافا معينة يتم تحديدها سلفا للقيام بها خدمة للمشروع الدعوي.

هذه النظرة الدونية للمرأة لدى الإخوان تندرج ضمن المساهمة في إعطاء صورة منمقة تشبه صورة المرأة العصرية التي تسعى العديد من النساء إلى اثبات ذواتهن من خلالها، وقد سعت النهضة خلال سنوات حكمها القليلة الماضية إلى الترويج لهذه الصورة والتسويق لها على أساس انفتاحها على دعم المرأة وتمكينها من الوصول إلى مناصب عليا في الدولة على عكس ما تخفيه ويؤمن به التنظيم.

لكن الهدف الأساسي بالنسبة لجماعة الإسلام السياسي يبقى الدور السياسي والدعوي للتعبير عن قبول المرأة في المجتمع والتغلغل في دواليب الحكم عبر التمكين.

عبير موسي تمثل المشروع المضاد تماما لما يريده جماعة الإخوان من توظيف للمرأة واستقطاب أقرانها من النساء خصوصا اللواتي يشغلن مناصب سياسية عليا أو يعملن بدوائر سيادية حساسة.

لجوء النهضة التي لا تزال التهم الموجهة لها في قضية اغتيال القيادي اليساري شكري بالعيد في 2013 تقض مضجعها، إلى المراوغة واستخدام الخطابات المزدوجة وسط أجواء مشحونة بالعنف والإرهاب، يثبت أن مشروع الإسلام السياسي في تونس فشل في الاندساس وسط التونسيين الذين اختبروا فشل النهضة في الحكم منذ سقوط نظام زين العابدين بن علي في يناير 2011، وقد تندثر كليا وتغرق هذه المرة وهي تمد يدها لإنقاذ إخوان ليبيا وممولهم أردوغان.