المرضى التونسيون يعانون من نقص الأدوية

رئيس الحكومة يسعى إلى توفير حل خاصة وأن الأدوية المفقودة تشمل أدوية الأمراض المزمنة.
وضعية مالية صعبة للصيدلة المركزية باعتبارها المزود الوحيد للأدوية المستورة
إطلاق برنامج وطني لهيكلة قطاع الأدوية

 تونس ـ يعاني المرضى من التونسيين من نقص حاد في الأدوية بسبب تراجع احتياطي الصيدلية المركزية واستفحال الفساد في القطاع الحساس فيما أطلق أطباء وصيادلة صيحة فزع ما دفع بيوسف الشاهد رئيس الحكومة إلى قيادة جهود في مسعى إلى توفير حل خاصة وأن الأدوية المفقودة تشمل أدوية الأمراض المزمنة.

ورغم أن نقص الأدوية ليس بالأمر الجديد إلا أن صيحة فزع أطلقها الحكيم فوزي عداد المتخصص في أمراض القلب بمستشفى أريانة عبر تدوينة على صفحته الرسمية فيسبوك، حول ضرورة توفر مادة التخدير "كسيلوكايين"، فتحت الملف على مصراعيه.

وارفق الحكيم تدوينته بصورة تظهر فيها آخر قنينة " كسيلوكايين " في مخزون مستشفى أريانة للأمراض الصدرية بتونس العاصمة قائلا: "ألغينا التدخلات الجراحية بسبب نفاد الأدوية". 

وفي اعقاب التدوينة تفجر الجدل إذ قال نوفل عميرة نائب رئيس النقابة العامة لأصحاب الصيدليات الخاصة "إن الأدوية المفقودة في تونس تهم بالخصوص الأمراض المزمنة على غرار أمراض السكري وضغط الدم والسرطان والأعصاب والربو".

وقال عميرة وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين إنه "يتمّ يوميا تحيين عدد الأدوية المفقودة مشيرا إلى أنه لا يمكن إحصاء عدد مضبوط للأدوية المفقودة ولكن يمكن تقديره بنحو60 دواء من بين 7 آلاف دواء".

وتقر سنية بالشيخ كاتبة الدولة للصحة بتراجع احتياطي الدواء غير أنها تنفي قطع التزويد من قبل الشركات العالمية مشددة على أن الوزارة بصدد معالجة أزمة نقص الدواء من خلال تشخيص دقيق للمنظومة الصحية بكاملها.

والاثنين أقر مجلس وزاري أشرف عليه الشاهد حزمة من الإجراءات لتوفير السيولة الآنية للصيدلية المركزية في حدود 500 مليون دينار، 230 مليون دولار، وإحداث لجنة مشتركة بين وزارتي المالية والصحة لتقديم مشروع تنفيذي بما يمكن من توسيع مصادر تمويل الصندوق ومجالات تدخله.

وقرر المجلس إطلاق برنامج وطني لهيكلة قطاع الأدوية، صناعة وتوريدا وتوزيعا واستهلاكا يتم تمويله بالشراكة مع إحدى مؤسسات الدولية، إضافة على التسريع في برنامج إصلاح الصناديق الاجتماعية.

وفي أعقاب زيارة إلى مستشفى الأمراض الصدرية بمدينة اريانة تعهد الشاهد بأن تتخذ الحكومة كل الإجراءات الكفيلة بتحسين أوضاع وظروف العمل بالمستشفيات العمومية ودعم منظومة الأدوية وتدارك النقص فيها.

وأعلن الشاهد أنه سيتم قريبا اتخاذ عدد من القرارات لفائدة الأطباء الذي تمسكوا بالقطاع العمومي رغم ظروف العمل الصعبة، بما سيمكنهم من توفي خدمات أحسن للمواطنين.

وأرجع نوفل عميرة فقدان بعض الأدوية إلى "الوضعية المالية الصعبة للصيدلة المركزية باعتبارها المزود الوحيد للأدوية المستورة وعدم قدرتها على خلاص المخابر الاجنبية التي تزودها بهذه الادوية مما ساهم في تفاقم الازمة".

وشددت بالشيخ على أن المسألة تتجاوز وزارة الصحة لتشمل الحوكمة الرشيدة وتوفير السيولة وحالة الهشاشة التي تعيشها الصناديق الاجتماعية. ويقول الأخصائيون أن تداين الصيدلية المركزية لدى الشركات الدولية المتخصصة ناهزت أكثر من 500 مليون دينار، نحو 220 مليون دولار.

والصيدلية المركزية هي مؤسسة حكومية تتولى حصريا توريد الأدوية من الشركات العالمية وتتكفل بتأمين احتياطي في حدود ثلاثة أشهر بما من شأن توفير الحاجيات والخدمات الصحية على أن تستخلص مستحقاتها من صندوق الضمان الاجتماعي.

غير أن العجز المالي الذي يعانيه الصندوق قاد بالقطاع الصحي إلى الغرق في الديون وتردي الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية.

ووفق بيانات حكومية بلغ عجز صندوق الضمان الصحي 3 مليارات من الدنانير خلال العام 2017، نحو 1.30 مليون دولار.

وشدد عبدالمنعم بن عمار الكاتب العام المساعد في النقابة الأساسية للصيدلية المركزية على أنه  من المفترض أن يكون لدى الصيدلية المركزية مخزون استراتيجي من الدواء قادر على تغطية الحاجيات لمدة ثلاثة أشهر والحال أن احتياطي بعض أنواع الأدوية  لا لا يكفي لأسبوع واحد فيما عجزت الصيدلية عن توفير عديد الأدوية.

وكشف بن عمار وهو يتحدث إلى مراسل ميدل ايست أونلاين على أن بعض الشركات العالمية المتخصصة في تصدير الأدوية هدد بتصنيف تونس ضمن قائمة القائمة السوداء للبلدان الممنوعة من التزويد على خلفية مستحقاتها التي تراكمت خلال السنوات الأخيرة.

وفي ظل عدم توفر الأدوية بالمستشفيات العمومية يكتفي الأطباء بتقديم الوصفة للمرضى الذين يضطرون إلى اقتناء الدواء، إن توفير، من الصيدليات الخاصة.

وتحصي وزارة الصحة ما يناهز 8 ملايين دينار، نحو 3.5 مليون دولار كنفقات يومية لتمويل الخدمات الصحية بجميع أنواعها.

وتعد تونس 8 مستشفيات جامعية و 24 مستشفي جهوي و 4200 مستشفى محلي  موزعين علي كامل تراب البلاد غير أن تلك المستشفيات العمومية  تفتقد للخدمات الصحية الجيدة نظرا لنقص والتجهيزات ما دفع بنحو 180 طبيبا بمغادرة العمل ليمارسوا مهنتهم في المصحات الخاصة أو ليهاجروا إلى خارج البلاد.

وخلال الاسابيع الماضية أقر عماد الحمامي وزير الصحة بخطورة نقص الأدوية وعدم توفر البعض منها كشافا أن الحكومة تدخلت لدى أحد المصارف لتمكين الصيدلية المركزية من قرض بنكي يبلغ 600 مليون دينار، نحو 280 مليون دولار.

وقال بن عمار إن معدل مخزون الأدوية بلغ مرحلة خطيرة لأول مرة حتى أنه بات لا يغطي سوى 70 يوما والمفروض أنه يجب أن يغطي على الأقل ثلاثة أشهر. والاثنين أعلنت سنية بالشيخ ان كلّ الأدوية ستكون متوفّرة لدى الصيدلية المركزية خلال الأسابيع القادمة.

ويرى مصطفى العروسي رئيس النقابة التونسية لأصحاب الصيدليات الخاصة أن المشكلة تتمثل في أن القانون لم يمنح الصيدليات حق استبدال الأدوية الموردة بالجنسية.

ويرجع صيادلة وأطباء أزمة نقص الأدوية في جانب منها إلى استشراء الفساد وهو ما أقربه عماد الحمامي وزير الصحة خلال الأسابيع العامية في تصريحات لوسائل الإعلام.

وخلال العام 2017 تم رفع أكثر من 20 تقريرًا حول شبهات فساد مالي وإداري إلى القضاء منها قضية تزوير تأشيرات صرف وفواتير لصالح شركة وهمية فاقت 2 مليون دينار، نحو 0.8 مليون دولار في المستشفى محافظة بسليانة.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2017 كشف تقرير هيئة الرقابة العامة لوزارة المالية عن عينة من الفساد داخل الصيدلية المركزية منها عدد الساعات الإضافية للأعوان إذ تجاوز 599 ساعة خلال 5 أيام، ما يعني أن العون الواحد عمل لمدة 100 ساعة خلال يوم واحد.

وقالت سنية بالشيخ أنه تم"وضع تشخيص نقص الأدوية وحان الوقت للانطلاق في الحلول الجذرية مشددة على أنّه لم يتم غلق أي مخبر للأدوية كما يروج البعض".