المسخ الذي ربحه العراقيون

العامري هو ابن الخطيئة التي صار على العراق أن يدفع ثمنها.

هناك نوع مسرحي اسمه مسرح العبث أو مسرح اللامعقول.

وهناك رواية للتشيكي فرانتس كافكا عنوانها المسخ.

في مسرح اللامعقول وقائع متخيلة لا يمكن أن يعيشها المرء في حياته اليومية إلا على مستوى ما تنطوي عليه من رمزية كأن تكون مسرحية صاموئيل بيكيت "في انتظار غودو" رمزا لمَن لا يأتي. اللاشيء بعينه.

اما مسخ كافكا الذي غير من مسيرة الرواية العالمية فإنه ذلك الشخص الذي استيقظ من نومه ليجد أنه قد تحول إلى حشرة.

في الحالين فإن الامر ينطوي على الكثير من الألغاز التي هي نتاج مخيلة بشرية صارت تتسع بسبب اتساع رقعة الشعور الإنساني بالذعر والخواء والإحباط واليأس والهزيمة وهيمنة المال على القيم الأخلاقية.

غير أن أحدا، كائنا من كان لم يكن يتوقع أن يكون الواقع هو الخشبة التي تحتفي بمسرحيات "مسرح اللامعقول" وأن يظهر مسخ كافكا باعتباره زعيما لميليشيا قُدر لها أن تخطف بلدا تمهيدا لتتويج ذلك المسخ ملكا عليه.

ليس هناك في ذلك شيء من المبالغة. لقد أنتج الفن واقعا. وهو ما يجعلنا نعيد النظر في مفهوم الواقعية. وبالأخص الجزء السياسي منها.

هناك دائما مَن يطالبنا في أن نكون واقعيين في ما نطرح من أفكار على المستوى السياسي. ذلك لأن تعريف السياسة كونها فن الممكن قد فُهم عربيا بطريقة خاطئة.

فالواقعية من وجهة نظر أولئك الواقعيين أن تعترف بأن مسخ كافكا يمكنه أن يكون زعيما وأن شعبا في إمكانه أن ينذر نفسه من أجل اللاشيء الذي يجسده "غودو" بيكيت.

مسرح اللامعقول هو العراق ومسخ كافكا هو هادي العامري.

لا أعتقد أن النظر إلى صورة العامري تسر أحدا. خلاصة القسوة والبشاعة والرعب والظلم والذل والهمجية والغثيان والاشمئزاز والقرف والرذيلة والجريمة والانحطاط في كل مستوياته. يمكن القول إنه عبارة عن لغم نفايات يمكن أن ينفجر في أية لحظة.

ذلك المسخ هو اليوم واحد من سادة العراق. الخشبة المستعدة لاستقبال أكثر عروض مسرح اللامعقول غرابة.

لقد قبل به الشعب العراقي زعيما حين وهبه أكثر من أربعين مقعدا في مجلس النواب. وهو ما يمكن أن يشكل إدانة لذلك الشعب الذي يجيد لكذب على نفسه من غير أن يفقد موهبة الاعتراف بأنه يكذب.  

مقارنة بالعامري فإن غريغوري سامسا وهو مسخ كافكا يبدو كائنا بريئا.

العامري هو جندي سابق في الجيش العراقي. أثناء الحرب العراقية ــ الإيرانية في ثمانينات القرن الماضي وقع في الأسر أو أنه فر إلى الطرف الإيراني برغبته. بعدها انتمى إلى جيش التوابين الذي تألف من مجموعة الأسرى العراقيين الذين قرروا الانضمام إلى الحرس الثوري الإيراني في الحرب ضد العراق.

كان العامري جنديا في جيش يحارب ضد بلاده فكان وفق المعايير القانونية خائنا رسميا. غير أنه على المستوى العقائدي كان مقاتلا من أجل المذهب، وهو ما لا يمكن أن يشكل تفسيرا على صعيد الخروج على مبادئ المواطنة التي تُحرم أن يقاتل إنسان ضد بلاده.

بهذا المعنى فإن العامري دخل العراق غازيا بعد احتلال العراق 2003. وهو ما فعله سواه من الغزاة.  

ألهذا يجب النظر إليه باعتباره جزءا طبيعيا من تركيبة مسرح اللامعقول؟

في حقيقته فإن العامري مختلف عن الجميع.

هو الحشرة التي التهمت أوراق الشجرة كلها. إنه خلاصة العملية السياسية التي رعتها الولايات المتحدة وإيران في العراق. المسخ الذي انتجه زواج عدوين صارمين في عدائهما.

العامري هو ابن الخطيئة التي صار على العراق أن يدفع ثمنها.

ليست صدفة أن تتصدر حشرة كافكا المشهد الانتخابي في العراق.

هناك من يرغب في أن يسمع العراقيون كلاما من ذلك النوع. لقد رضيتم لبلادكم أن تكون مسرحا للعبث وليس من حقكم أن تعترضوا على أن يتوج مسخ كافكا ملكا عليكم.

أعتقد أن صعود العامري سياسيا هو حدث طبيعي في بلد مدمر، كُرست فيه قيم القبح وصار قطاع الطرق رموزا للسلطة.