المسرح الغنائي المصري ورسالة تطوير الموسيقى والغناء

المؤتمر الفكري المقام ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي يناقش أثر المسرح الغنائي والمسرح الاستعراضي في تطور الموسيقى العربية.
محمد جمال الدين يناقش دور مسرح سيد درويش الغنائي في تطور الموسيقى العربية
سيد درويش لم يسر على درب سلامه حجازي وداود حسني وكامل الخلعي، وبمقدمه تغير كل شيء
منيرة المهدية هي أول امرأة مصرية تؤسس فرقة مسرحية غنائية تحت إدارتها

لعب المسرح الغنائي دورا بارزا في تطور الموسيقى العربية بقوالبها الغنائية والموسيقية كونه فنًا مسرحيًا انطلق في بداياته مرتكزا على فن التمثيل جنبا إلى جنب عناصر أساسية أخرى في التعبير عن أحداثه كالموسيقى والغناء والرقص، ولا يمكن إنكار الدور الذي لعبه مسرح سيد درويش وسلامة حجازي ومنيرة المهدية ونجيب الريحاني وعلى الكسار والملحنين الكبار كداوود حسني وكامل الخلعي ومحمد القصبجي وزكريا أحمد وغيرهم في تطور الموسيقى والغناء العربيين وتشكيل ملامحهما. 
وقد ناقش المؤتمر الفكري المقام ضمن فعاليات مهرجان المسرح العربي في دورته الـ 11 في جلستين أثر كل من المسرح الغنائي والمسرح الاستعراضي في تطور الموسيقى العربية.
علي الكسار
تناول د. تامر فايز أستاذ الأدب الحديث والأدب المقارن ديالكتيكية الموروث والوافد في المسرح الاستعراضي المصري.. دراسة لتمثيلات مختارة من مسرح علي الكسار، والذي رأى أن العديد من المؤثرات تركت تأثيراتها على سياقات التأليف والعرض المسرحيين بوجه عام، وعلى شخصية علي الكسار بصفته ممثلاً ومؤلفًا على وجه الخصوص في نهايات القرن الـ 19 وبدايات القرن الـ 20. وتمثلت في شقين: يشير أولهما إلى عمق التأثير العربي الموروث، ويسهم ثانيهما في تعميق الروافد الغربية على الفن والفنان من جانب آخر.
وقال إن الغناء في مسرح الكسار لا ينفصل عن حالة تلك العلاقة الجدلية القائمة آنذاك بين المسرح والغناء سواء في مصر أو خارجها؛ حيث إن "الموسيقى فن منتشر بطبيعة الحال في كل أنحاء المعمورة؛ فإنك لا تجد أمة لا تعرف الموسيقى. والتمثيل في البلاد الأجنبية مرتبط كل الارتباط بالموسيقى، فإنك لا تجد رواية تمثل على مسرح بغير أن يكون لها موسيقى، سواء كانت هذه الرواية أدبية أو هزلية. 
وقد كان الكسار يختار لتلك الأشعار الغنائية أفضل الملحنين، حيث أبدع أمين صدقي في الاستعراضات، وقام سيد درويش بتلحين أشعار مسرحية "أحلاهم" التي استمر عرضها عدة أشهر. وقد نال استحسان النقاد على هذه الألحان رغم هزلية المسرحية. أما مسرحية "الطمبورة" فقد لحنها زكريا أحمد، وقام إبراهيم فوزي بتلحين مسرحية عمرو بن العاص. 

في مهرجان المسرح العربي
سيد درويش

وأكد فايز أن ثمة مجموعة من المؤثرات العامة أسهمت في تشكيل المسرح الاستعراضي المصري عامة، ومسرح علي الكسار على وجه الخصوص، مثل: الترجمة والتعريب والفرق الأجنبية الوافدة وما تحمله من عروض مسرحية استعراضية وغيرها. وظهر أن ثمة ديالكتيكية جلية في بناء عناصر الشكل المسرحي في مسرح علي الكسار؛ إذ تراوح الشكل الأدبي لهذه المسرحيات بين الكوميديا العربية الشعبية المستمدة من المقامات والليالي، والكوميديا ديللارتي الإيطالية، والشكل التراجيكوميدي الغربي القديم. 
وأضاف فايز "ظهر أيضًا أن تطورًا واضحًا تجلى في فهم الكتاب لشكل العمل المسرحي عبر توالي السنوات، فلم يظهر ما يسمى بالتعليمات المسرحية في المسرحية الأولى "أحلاهم" لأمين صدقي التي كتبت عام 1920، وبدأت التعليمات المسرحية تظهر في المسرحيات التالية تباعًا وتؤدي مجموعة من الوظائف المتنوعة التي تخدم المتلقي للنص تارة، ومخرج العرض تارة أخرى. وقد كانت اللغة الشعرية الممتزجة بالجوانب الموسيقية قد حملت أيضًا هذه الديالكتيكية العربية الغربية؛ إذ استلهمت أحيانًا شكل المربع العربي المعروف بفن الواو، وخرجت عليه أحيانًا، وتنوعت الأنغام والألحان الموسيقية عبر دخول سيد درويش وزكريا أحمد مجال التلحين آنذاك، وسعيهما لإدخال أنماط موسيقية أخرى متنوعة دون اللحن الواحد أو ما يسمى بالوحايد في الموسيقى العربية. وهو ما يعني أن ثمة رافدًا غربيًّا في هذه الأشعار الغنائية، وهو ما يمكن اختصاره في شكل الأوبريت الغربي الذي يؤديه أكثر من مؤدٍّ ويحتوي على أكثر من لحن موسيقي، والذي يعد تصغيرًا لشكل الأوبرا التي لم تُتَقبل في المجتمع العربي".
الشيخ سيد درويش
وجاءت ورقة الباحث محمد جمال الدين "دور مسرح سيد درويش الغنائي في تطور الموسيقى العربية" محاولة للتعرف على هذا الدور عن طريق تناول نماذج من أعمال وألحان سيد درويش الغنائية المسرحية بالنقد التحليلي، لمعرفة وبيان دور أعماله المسرحية الغنائية في تطور الموسيقى العربية بقوالبها الغنائية والموسيقية، ومعرفة أهم التطورات الشكلية والمضمونية التي قدمها مسرح سيد درويش، ودورها في تطور الموسيقى العربية، من خلال نظرة تحليلية تطبيقية مقارنة بين ما كان عليه المسرح الغنائي قبل سيد درويش وما أصبح عليه بقدومه.
رأى جمال الدين أن سيد درويش لم يسر على درب الشيخ سلامه حجازي، وداود حسني، وكامل الخلعي، وبمقدمه تغير كل شيء، حيث حلت الموسيقى التعبيرية محل موسيقى التنغيم والطرب، وأصبحت الموسيقى في عهده مدخل للتعبير عن الكلمات والنصوص الدرامية، والجو العام لموضوع العمل المسرحي، إذ أصبحت الموسيقى أداة للتعبير، أو بمعنى أكثر وضوحاً غناء مسرحيا. وعليه أصبح الغناء والموسيقى خاصة في المسرح الغنائي عند سيد درويش، ليست مجرد تنغيم أو توقيع، وإنما وسيلة للتعبير الموسيقى، تنطق وتصور معنى النص وجو العرض.
وأشار إلى أن سيد درويش وضع قواعد وأساليب جديدة في عالم التلحين، رافضاً الكثير من الأساليب الموسيقية التي صاحبت الغناء في عصره، منتقلاً إلى أسلوبه الخاص في الدخول إلى الموضوع مباشرة، بشكل أسرع، وأقصر، وأسهل، مما يؤكد على براعة سيد درويش وتطويره للأساليب الموسيقية والغنائية، ومؤكداً على موهبته من خلال أسلوبه الجديد، الذي يتطلب براعة وموهبة من الملحن حتى يستطيع الوصول إلى المستمع / المتلقي، بمجرد الدخول إلى الموضوع مباشرة دون الحاجة إلى مقدمات موسيقية طويلة.
وأضاف "أحدث سيد درويش إنقلاباً في أساليب الغناء العربي، فلم يعد الغناء عنده مقصوراً على المطرب الفرد، وهو ما ظهر جلياً في معظم أعماله التي تغني بها البطانة / الكورس، والجماهير أيضا، بمعنى آخر قدم الجماعية في الغناء، وبذلك خلق نوعاً جديداً من الجمهور معظمه من طبقات الشعب المتوسطة والكادحة، وخلق نوعاً جديداً من الغناء يخاطب تلك الفئات، بعيداً عن فن الصالونات والقصور، مع إحتفاظه وعدم إغفاله في ذات الوقت القيم الفنية والجمالية للغناء والموسيقى، مما أسهم في إتباع الكثير من الملحنين من بعده نفس منهجه. 
روح موسيقانا العربية
وأكد د. أيمن صبحي في ورقته البحثية التي تناول فيها دور سيد درويش وزكريا أحمد في تطوير الموسيقى العربية عن طريق المسرح الغنائي، في النصف الأول من القرن العشرين في مصر، أن المسرح الغنائي هو المؤتمن على روح موسيقانا العربية المتمثلة في الألحان التي صيغت في العروض الغنائية، عبر أكثر من قرن من الزمان، كما أنه – أي المسرح الغنائي – مدرسة لتخريج الأصوات القوية المعبرة عن جمال فننا العربي بوجه عام وجمال موسيقانا العربية بشكل خاص. وما دمنا في مجتمع يغلب عليه الوجدان الديني، الذي يعبّر عنه تجويد القرآن الكريم وترتيل الإنجيل المقدس؛ فلن يقبل هذا المجتمع أداءً غنائيًا باهتًا بل أداءً قويًا مؤثرًا، يكون محفزًا لقيّم الحق والخير والجمال، وهو ما يسير في ركابه المسرح الغنائي.
وقال إن هناك عاملاً مهمًا من عوامل الجذب للإخراج في المسرح الغنائي، هو أنه يمكن التصدي له بميزانية متراوحة إلى حد كبير، فهو قابل لأن يتم الإنفاق عليه ببذخ مناسب لتنوّع وإبهار عناصره من مجموعات تمثيل وغناء وأوركسترا ورقص بالإضافة إلى الإضاءة والملابس والديكور والإكسسوارات والحُليّ والماكياﭺ وأغطية الرأس، كما أنه قابل لأن يستغني عن كل هذا بتقديم مساحة مسرحية غنائية فارغة وفقًا لمذهب "بيتر بروك"، وذلك بإضافة العنصر الغنائي للدراما التي يقدمها ممثل يمر أمام جمهور في مساحة فارغة فيكون هذا هو المسرح الغنائي لو طبقنا مذهب بروك وفقًا لمقولته الأشهر "يمكنني أخذ مساحة فارغة وأدعوها منصة عارية. إنسان يسير عبر تلك المساحة الفارغة بينما آخر يراه وهذا هو كل ما نحتاج إليه لفعل مسرحي قائم".
الشيخ سلامة حجازي

ورأت د. ياسمين فراج في ورقتها "المسرح الغنائي في مصر 1905-1952" أولا أن الشيخ سلامة حجازي كان رائداً في تأسيس أول فرقة مسرحية غنائية مصرية كان هو مديرها وبطل رواياتها، وكانت موسيقاه وأسلوب غنائه المتأثر بالمدرسة الدينية من ناحية ومن ناحية أخرى بالغناء التركي الذي يميل إلى الإستعراض الصوتي على حساب التعبير الدرامي، واستخدام في ذلك آلات التخت الموسيقي المصري. وكان بهذا هو الأكثر تقليدية لمن جاءوا من بعده في هذا المجال. 
ثانياً؛ الشيخ سيد درويش هو رائد التطوير الموسيقي والغنائي في المسرح الغنائي المصري إبان عشرينيات القرن العشرين. فهو أول من إهتم بالتعبير الموسيقي الدرامي عن الكلمة أو الحالة الإنفعالية للشخصيات أو إجمالي مضمون المشهد من خلال ثلاثة عناصر هي: الأداء الغنائي البسيط غير المتكلف. اللهجة الموسيقية التي تتناسب مع اللهجة التي تنطق بها الشخصيات، فعندما يغني الكورس باللهجة السودانية كما في أغنية "هيلا هاللا"، أو النوبية كما في أغنية "دنجى دنجى" أو اليونانية كما في أغنية "مخسوبكم داس" أو غيرهم، نجد أنه يراعي استخدام ميزان اللحن وإيقاعه ومقامه لإبراز خصائص الشخصية الدرامية. توظيف الآلات الموسيقية بشكل درامي حيث أصبح للآلة الموسيقية واللحن دور في التعبير عن الحالة الإنفعالية للمشهد وليس مجرد عبارات لحنية ارتجالية بين الكوبليهات أو في المقدمة الموسيقية للأغنية، أو تكرار نفس اللحن الذي يغنيه المطرب.
ثالثاً؛ كانت فرقة الفنان نجيب الريحاني واحدة من أهم الفرق التي أنتجت أوبرات وأوبريتات في فترة العشرينيات بالرغم من أنه ممثل وليس مطرب أو ملحن. فقد كانت أغلب عروضه المسرحية خاصة التي لحنها سيد درويش تتضمن عددا كبيرا من الأغنيات والموسيقات الدرامية، نذكر منها عروض: "كله من ده" و"ولو" بهما اثنتا عشرة أغنية، "إش" بها خمس عشرة أغنية، "قولوله" بها ست عشرة أغنية، "رن" بها ثلاث عشرة أغنية، "العشرة الطيبة" بها ست عشرة أغنية، أوبرا "فشر" بها مائتا لحن ما بين غنائي ودرامي.

منيرة المهدية
رابعاً؛ منيرة المهدية هي أول امرأة مصرية تؤسس فرقة مسرحية غنائية تحت إدارتها، وهي بطلة رواياتها، وأول مخرجة مسرحية مصرية خاضت الإخراج المسرحي في روايتي كارمن وتتاييس. وقد قدم مسرحها روايات تناقش قضايا نسائية وهي بذلك تعتبر أول فرقة مسرحية مصرية عربية ذات ملمح نسوي.