المسرح المدرسي .. ودوره في غرس القيم العلمية

للمسرح المدرسى أهمية بالغة في نمو وتطوير شخصية الطفل، هذا ناهيك عن غرس القيم الإيجابية.
أدب الاطفال هو أدب قيمي في المقام الأول، ومفردة أدب تعني سحر الفن
الطفل يحتاج إلى ما يحقق توافقه النفسي والاجتماعي والبيئي في مراحل تطوره العمري المختلفة
المسرحُ المدرسي يُعَد في عرف المختصين بالدراسات المسرحية نوعاً من أنواع مسرح الطفل

مقدمة 
للمسرح المدرسى آثار في نفوسنا منذ كنا صغارا، معظمها غاص في قاع الذاكرة، وبعضها لا يزال أثره باقيا بما يحمله من قيم. 
لازلت أذكر انطباعا جميلا نقله لي زميل دراسة – وكنا نتذكر تجاربنا أيام المدرسة، حدثني عن تجربته المسرحية وهو تلميذ في المرحلة الابتدائىة مع فريق مدرسته، والمشهد الختامي للمسرحية – التي كان هو بطلها – وهو يرتمي على خشبة المسرح فوق كومة من التراب، صارخا في وجه اللصوص: 
-    "لا .. لا .. لاااااااااا .. دا تراب بلدي!!"
كانت الكلمات تخرج من أعماق قلب التلميذ، عندها هتف الجمهور بفرحة طاغية، وجاء التكريم من رئيس المسابقة المسرحية وهو يقبله ويمنحه ورقة مالية من فئة الجنيه، أيام كان للجنيه قيمة شرائية معتبرة، وتعبيرا عن تقديره الشخصى - كرئيس لجنة التحكيم - لأداء التلميذ الرائع، هذا فضلا عن جوائز المسابقة. وكان هذا النص المسرحي يرسخ –  بشكل رمزى - لقيم الانتماء والمواطنة وعدم التفريط في تراب الوطن. 
لا شك أن للمسرح المدرسي أهمية بالغة في نمو وتطوير شخصية الطفل، هذا ناهيك عن غرس القيم الإيجابية مثل: القيم الاجتماعية، والدينية، والسياسية، والاقتصادية، والجمالية .. وأيضا القيم العلمية.
والأخيرة هي محور ارتكاز هذه الورقة البحثية لما لها من ضرورة يحتمها الواقع المعاصر، وكذا ترتيبنا المتأخر في قاطرة الحضارة، الذي له أسباب عديدة، أرى من أهمها تراجع دور العلم والعلماء، وغفلتنا عن غرس القيم العلمية لدى الناشئة في بيوتنا ومدارسنا.
عرضت في هذه الورقة البحثية العلاقة بين المسرح المدرسى – كنص أدبي، وغرس القيم العلمية لدى التلاميذ. بدأته بتعريف عناصر القيم العلمية وأهميتها في بناء شخصية سوية، من خلال تجربة مسرحية للطفل بعنوان "أنا وبغلتي والكتاب" لكاتب هذه السطور.
وأدب الاطفال هو أدب قيمي في المقام الأول، ومفردة أدب تعني سحر الفن. وفي رأي البعض تعني استثمار فكرة مشهورة تدور حول ما يسمى المعادل الموضوعي، ويطلق عليها البعض مسمى مرايا، وهي ببساطة تعني الرمز القادر على الإيحاء بالمعنى، أو وصول الأديب لصورة حسية تجسد العاطفة وتعبر عنها، وبالتالي هذا هو الفن. (1)

آمل أن يعي كتّاب الأطفال مسؤولية بناء إنسان صالح لنفسه ومجتمعه من خلال أعمال إبداعية تنساب بين طياتها القيم الجميلة كما تنساب مياه الغدير، ومنها القيم العلمية

مفهوم القيم
القيم مُفردها قيمة، وترتبط لغويّاً بمادة قَوَمَ والتي تمتلك عدّة دلالات منها قيمة الشّيء وثمنه، والثّبات والدّوام، والاستقامة والاعتدال، ونظام الأمر وعِماده. وأقربها لمعنى القيمة هو الثّبات والدّوام والاستمرار على الشّيء.
أمّا اصطلاحاً فإنّ القيم هي جملةُ المقاصد التي يسعى القوم إلى إحقاقها متى كان فيها صلاحهم عاجلاً أو آجلاً، أو إلى إزهاقها متى كان فيها فسادهم عاجلاً أو آجلاً. (2)
تصنيف القيم
وتصنف القيم حسب المجال الذي تُعنى به إلى عدّة أنواع:
القيم الاجتماعيّة: وتظهر من خلال رغبة الإنسان بتقديم العون لمن حوله، وتفاعله الاجتماعيّ مع الوسط المُحيط به، واتّخاذه إدخال السّرور على الآخرين هدفاً بذاته، ومن الأمثلة على هذه القيم العطف، والحنان، والإيثار.
القيم الدينيّة: تتضّح من خلال اطّلاع الإنسان المُستمرّ على أصل الوجود والكون، والتزامه بتعاليم الدّين، وحرصه على نيل الثّواب والبعد عن العقاب.
القيم الاقتصاديّة: تتمثّل في البحث الدّائم عن الإنتاج المُربِح، والاهتمام بالأموال والثّروات، وغالباً ما يَنظر أصحاب هذه القيم للأمور نظرةً ماديّةً قائمةً على حساب مِقدار الرّبح والخسارة، وقد يتعارض هذا النّوع من القيم مع الأنواع الأُخرى.
القيم الجماليّة: يُعبَّر عنها بالبحث عن الجمال في الأشياء وتقدير الفنّ، ومن أمثلتها التفوّق الفنيّ، وحبّ الفنون، وتقدير الجمال.
القيم السياسيّة: تظهر في حبّ القوّة والتحكّم، وفرض القوانين على الأشخاص والأفراد، ومن أمثلتها تقدير السُّلطة، وتحمُّل المسؤوليّة، والميل للقيادة.
 القيم العلمية: يحتاج الطفل إلى ما يحقق توافقه النفسي والاجتماعي والبيئي في مراحل تطوره العمري المختلفة، لذا يتطلب تحقيق ذلك إشباع هذه الحاجات نظراً للأهمية التي تقوم بها، وتكون القيم العلمية بمثابة الاطار الموضوعي لتلبية هذه الحاجات. وهي على أهميتها تتشعب بين قيم علمية ذاتية، ومع الغير، وقيم علمية مجتمعية، والتي تتحلى بها الشخصية الواعية، وتبدو آثاراها في تعامل الفرد مع المجتمع والبيئة من حوله بشكل متزن وراق. ولأنها كما ذكرت محور ارتكاز لهذا البحث نسلط الضوء على عناصرها كما يلي: (3)
قيم علمية ذاتية مثل:
التفكير العلمي.
1. رفض التفكير الخرافي ونبذ الجدل والشعوذة.
2. اختبار صحة الفروض العلمية.
3. إتباع خطوات التفكير العلمي .
المثابرة العلمية
4.الصمود في مواجهة المشكلات.
5. تكرار التجربة دون ملل أو كسل. وإذا فشلت أحاول مرة أخرة بعد الاستفادة من الأخطاء.
قيم علمية مع الغير منها: الأمانة العلمية وتتجلى فى:
6. تدوين النتائج العلمية التي أتوصل إليها بدقة.
7. الاعتراف بالفشل إذا فشلت ولا أشعر بالخزي.  
8. إطلاع الآخرين على النتائج العلمية وما توصلت إليه من نتائج.
أخلاقيات العلم
9. التحرر من الخرافات والتمسك بالتفكير العلمي الواقعي.
10. تقدير جهود العلماء والباحثين والمخترعين فهم رود التقدم.
قيم علمية مع المجتمع، ومنها :
التواضع العلمي، وتتجلى مظاهره في:
11. الاعتراف بدور كل من قدم لى مساعدة علمية وأقدم لهم الشكر والتقدير.
12. احترام آراء ووجهات نظرالآخرين العلمية، ولا أقلل من شأنهم.
13. تكوين علاقات علمية طيبة مع الآخرين، والتواصل مع باحثين آخرين ومشاركتهم في الآراء وتبادل الأفكار العلمية.
14. استخدام التفكير العلمي لحل مشاكل المجتمع.
15. تطبيق نتائج البحث العلمي لخدمة المجتمع وتقديم حلول علمية لمشكلات مجتمعية.

أدب الطفل من خلال المسرح المدرسى  
يُعَد المسرحُ المدرسي في عرف المختصين بالدراسات المسرحية نوعاً من أنواع مسرح الطفل غير أن بعضهم يعرفه بقوله "هو لون من ألوان النشاط الذي يؤديه الطلاب في مدارسهم تحت إشراف معلميهم داخل الفصل أو خارجه في صالة المسرح المدرسي وعلى خشبته، أو خارج الصالة في حديقة المدرسة أو ساحتها، وإذا كان المسرح المدرسي يقترب كثيراً من المسرح باعتباره فناً من الفنون الأساسية التي عرفها الإنسان ومارسها منذ العهود القديمة، فإن المسرح المدرسي يحتفظ بفلسفة وأهداف خاصة تتناسب مع طبيعته ووظيفته الأساسية".
ويعرف أ.ف النجتون المسرحية المدرسية بقوله: إنها بطريقة ما "هي حصيلة عمل الطالب في الفن المسرحي بالمدرسة. وبطريقة أخرى، فالمسرحية المدرسية هي جزء من تقدمه الدراسي الذي سوف يستمر مدى حياته.
ولأن تسمية المسرح المدرسي تنقسم إلى قسمين: المسرح، والمدرسة، وقد نسب المسرح إلى المدرسة على وجه الخصوص، إذن فهو نشاط مسرحي مكاني من حيث نسبته إلى مكان معلوم، لأن المسرح كله هو نشاط مكاني، ولكن هنا التخصيص بالنسبة إلى المدرسة. 
ومن خلال نسبته إلى المدرسة نتبين أنه يتسم بصفات أو عناصر عدة: مدرسي، تعليمي، تربوي، تلاميذ، ومن خلال هذه التقسيمات نتبين أن المسرح المدرسي يقوم على العملية التربوية، وهذا يعني مجموعة القيم والأهداف التربوية العامة "الإنسانية والقومية والوطنية" والأهداف التربوية الخاصة، والتي تتعلق بالعملية التعلمية التعلمية برمتها.
نشأته
أكد الكثير من الدارسين والنقاد والمهتمين بمسرح الطفل أن القرن الثامن عشر هو البداية الحقيقية لظهوره - بالمعنى العلمي والفني للمصطلح - ذلك أن البدايات الأولى التي قد يعلن عن بعضها المهتمون بمسرح الأطفال - كأن يحددوا القرن الخامس قبل الميلاد تاريخاً لمسرح العرائس - على اعتبار أنه أحد أنواع مسرح الأطفال، أو أن يتحدث بعضهم عن مشاركة الصبية في الاحتفالات الدينية الكنسية، كل هذا لا يمكن أن يعطينا المعنى المقصود لمسرح الأطفال؛ حيث يعتمد العرض كاملاً من حيث النص والأداء على الأطفال وإن شارك فيه الكبار، لكنه يظل عرضاً مسرحياً يمكن أن يصنف بأنه يخص الأطفال. إن مشاركة التلاميذ والطلاب فى الأداء المسرحى طوال عصر النهضة تخطت حدود الكنيسة وامتدت خارجها، حتى إنه أصبح هناك مصطلح متداول يطلق على نوعين من المسرحيات كانت تشاهد داخل جدران المدارس هو مصطلح الدراما المدرسية القديمة School drama أو مسرحيات المدارس بإنجلترا وهي مسرحيات ذات صفة تعليمية "تطورت تحت تأثير الحركة الإنسانية، في بداية تنشيط الحركات المسرحية ببعض بلدان أوروبا في عصر النهضة وكان بعض الأدباء يكتبون تلك المسرحيات اللاتينية كي يقوم طلبه المدارس بأدائها ممثلة باعتبارها جزءاً من المنهج الدراسي.
ومن أوائل بلدان العالم التي أولت المسرح المدرسي اهتماماتها أميركا، وأوروبا، فقد أقيم أول مسرح تعليمي للأطفال سنة 1930 بالولايات المتحدة الأميركية بنيويورك بإشراف الاتحاد التعليمي.
 تاريخ مسرح الطفل بمصر
بدأ المسرح المدرسي في مصر على يد عبدالله النديم، حيث أدخله إلى المدارس المصرية منذ عام 1879، وكان ذلك بالإسكندرية حيث أنشئت الجمعية الخيرية الإسلامية هناك، وكان يدرس فيها الإنشاء والخطابة والأدب، وأخذ النديم يدرب الطلبة على الخطابة والتمثيل، وكان في مسرحياته ينتقد عيوب المجتمع كالجهل، ثم أنشئ أول مسرح في المدارس المصرية في مدرسة الخديوية عام 1922، وأقامه محمود مراد مدرس التاريخ. وقام فريق من الرواد الأوائل بإنشاء فصول تجريبية نموذجية بمدارس الأورمان عام 1932، ثم بمدرسة حدائق القبة عام 1939، وهذا وبظهور تفتيش التمثيل، أو ما يطلق عليه المسرح المدرسي كانت علامة مميزة للنهوض بالمسرح المدرسي، وإشاعة الوعي بين طلاب المدارس، ولقد أمكن وزارة المعارف أن تعترف بالنشاط التمثيلي في مدارسها، وشكلت له تفتيشا أطلق عليه (تفتيش التمثيل) ويعود فضل ذلك للفنان زكى طليمات الذي عاد من بعثته في الخارج، يحمل عبء تعريف المدارس بقيمة التمثيل والمسرح، وتم تعيينه كأول مفتش للتمثيل في وزارة المعارف. 

وفي عام 1939 اتسعت دائرة تفتيش التمثيل، فأنشأت الوزارة مراقبة للنشاط المدرسي التي تشرف على كافة الأنشطة التربوية، ثم انقسمت هذه المراقبة بعد ذلك إلى عدة مراقبات، الموسيقى، الأشغال الفنية، المسرح المدرسي،.. إلخ، وفى عام 1941 خطا زكى طليمات خطوة أخرى نحو تدريس المسرح على نطاق واسع، فقد تمكن من أن يجمع الممثلين الهواة في دراسة فنية اختار مقرها دار العلوم لصقل مواهبهم، ودعمها بالثقافة المسرحية، وتلقيهم الأسس السليمة للتدريب على الإلقاء والتمثيل بمعدل حصتين أسبوعيا بكل منه دار العلوم والمعاهد التي تخرج ممثلين. وفى عام1957 أنشأت الوزارة المسرح المدرسي للبنات، ونصت فى قرار تكوينه أن يكون هدفه الأساسي خدمة المنهج الدراسي، وأـن يكون وسيلة تربوية تعليمية، قبل أن يكون وسيلة ترفيهية، وان يكون متمشيا مع السلوك التربوي، نابعا من أصول وقواعد النظريات التربوية. 
وأقامت الوزارة أول تدريب لهذا الغرض فى يونيو/حزيران 1957 حضرته خمسون مدرسة من مدرسات المرحلة الابتدائية، وفي أكتوبر/تشرين الأول 1958 بدا التفكير في خدمة المنهج الدراسي، وكيف يؤدى واجبه كمادة أساسية كباقي المواد، ومع نجاح فكرة مسرحية المناهج، وجهود الرواد في هذا المجال كانت هناك خطوات على الطريق. (4)
وكان أهم هذه الخطوات صدور القرار الوزاري رقم 196 في 27/7 / 1971 بشأن إنشاء إدارة للتربية المسرحية بديوان وزارة التربية والتعليم، والذي قرر في مادته الثانية على أن تمارس إدارة التربية المسرحية الاختصاصات والمسئوليات الآتية:
1-وضع القواعد اللازمة لتوجيه وتطوير التربية المسرحية لخدمة الأهداف التربوية والتعليمية.
2-إعداد برامج ومناهج التربية المسرحية التي يتقرر تدريسها بدور المعلمين والمعلمات، وبعض المدارس الثانوية، ومسرحة المناهج بمراحل التعليم المختلفة، وإعداد برامج التدريب اللازمة لتنفيذها.
3-متابعة النشاط المسرحي والإشراف على المسابقات الدورية بين المدارس على مستوى الجمهورية. ويشير البند رقم 11 إلى اختصاصات ومسئوليات إدارة التربية المسرحية، على أن تقوم الإدارة بدراسة المناهج المقررة بجميع المراحل ،ومسرحة بعض الموضوعات للاستعانة بها في داخل الفصول وجمعيات النشاط المدرسي، وبعد ذلك ونتيجة لهذه القرارات نشطت مسابقات الإلقاء، ومسابقات الفنون المسرحية، وإنشاء المكتبات المسرحية، وعمل برامج التدريب لخلق كوادر فنية قادرة على قيادة العمل في مجال التربية المسرحية في مختلف المراحل التعليمية.
ويقسم المسرح المدرسي نسبة إلى المدرسة إلى فئات ثلاث:
- الفئة الابتدائية: والتي تتراوح الدراسة فيها إلى 6 سنوات، فهي تبدأ من الصف الأول الأساسي وتنتهي في الصف السادس الأساسي، ولهذة الفئة مسرح مدرسي يتميز عن الفئتين الأخريين، فقد يقتصر فيه المسرح على الجانب الدراسي "المنهاج" والجانب اللامنهجي الاحتفال والنشاط كترفيه.
- الفئة المتوسطة: والتي تتراوح الدراسة فيها 3 سنوات، فهي تبدأ من الصف السابع الأساسي وتنتهي في الصف التاسع الأساسي، والمسرح المدرسي لهذه الفئة إضافة لما تتميز فيه الفئة الأولى يكون أكثر إشغالا للتلميذ من حيث الجانب الإدراكي والسلوكي، وفهم البيئة المحيطة، وإكسابه مقدرة جديدة على التذوق الفني.
- الفئة العليا: والتي تتراوح الدراسة فيها 3 سنوات، فهي تبدأ من الصف العاشر الأساسي، وتنتهي في الصف الثالث الثانوي، والمسرح المدرسي لهذه الفئة إضافة لما تتميز به الفئتان الأولى والثانية، التشارك في صياغة البيئة المحيطة، وطرح الرؤى والأفكار التي تزيد من اندماجية التلميذ في المجتمع، وإكسابه مقدرة على حل المشكلات المجتمعية. 
وقد يرى البعض أن هناك فئة رابعة، وهي فئة ما قبل المدرسة، ولم تذكر كفئة، لأنها لم تنخرط في فضاء المدرسة كإطار مكاني متميز، ولكننا نستطيع القول بأن هذه الفئة تتعامل حتما مع المسرح كلعبة، ولذا فالمسرح هنا يقدم على أنه تسلية ومتعة محببة للطفل.

تجارب جيدة تتناول قيم علمية في أعمال مسرحية منها: تجربة فعاليات الموسم الثقافي الصيفي لمسرح العلوم، والذي تنظمه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا للأطفال من سن خمس سنوات حتى سن خمسة عشر عاماً

والمسرح المدرسي من منظور التعليم  ينقسم إلى نوعين:
- المسرح المنهجي: وهو المسرح الذي يقوم بمسرحة المنهاج "الكتاب المدرسي" مثل مسرحة درس القواعد "النحو" في اللغة العربية، أو مسرحة البيئة مثل مسرحية الطبيعة، أو مسرحة قصة أو درس وعبرة قد وردت في مواد اللغة العربية أو التربية الإسلامية أو المواد العلمية، والغاية من ذلك تبسيط الدرس للتلميذ، وتحبيبه له من خلال تشخيصه وتجسيده، ويعمل هذا التشخيص على شدّ انتباه التلميذ للدرس، ومحاولة تبسيط المفاهيم، وخاصة أن هذا العمل يقوم على صياغة شكل اللعبة المسرحية، وهذه اللعبة الشيء المحبب للتلميذ وهو يحاول اكتشاف الأمور وتفسيرها، وهذا الدرس له من الفوائد الكثيرة في العملية التعليمية، ومن خلالها يمكننا اكتشاف قدرات التلميذ العلمية والأدبية، واكتشاف قدراته المخبوءة في مجال التمثيل والتقمص.
- المسرح اللامنهجي: والمسرح اللامنهجي ومن خلال التسمية نجد أنه ما لم يكن موجودا في الدرس "الكتاب المدرسي" كمنهاج، وهو حالة خارجة عن إطار المنهاج، يتم استجلابها، ليمثلها التلاميذ في النشاط المدرسي مثلا، وهذا ما يكثر تمثيله في الأيام المخصصة لنشاط التلاميذ في نهاية العام الدراسي، أو في منتصف العام، أو في يوم النشاط المدرسي، وهنا قد يكثر الحديث حول المسرح اللامنهجي، هو قد يمثل بالحكايات الشفوية المعروفة في المجتمع، أو حكايات وسير الأشخاص، والتاريخ. (5)
 المسرح المدرسى كإبداع أدبى لترسيخ القيم العلمية - وهو ما نصبو إليه:
إن إعداد النص الأدبي لمسرح الطفل خاصة المسرح المدرسى يعد أمرا بالغ الأهمية خلال العقد الأول من الألفية الثالثة، وذلك من أجل غرس قيم اجتماعية واقتصادية وأيضا قيم علمية، وتنمية الذوق الفني والأدبي لدى الأطفال وتوسيع الخبرات المعرفية والحياتية لهم. ولن يتحقق ذلك إلا من خلال نصوص أدبية إبداعية راقية تجذب الأطفال وتحببهم فيها. (6)
 كما لا يفوتنا التنويه عن أهمية القيم الجمالية  وتضمينها في النصوص المسرحيّة المعدة للأطفال.
مسرحية "أنا وبغلتى والكتاب" .. محاولة لغرس القيم العلمية لدى الأطفال   
هي مغامرة لفتى عربي في عصر الخليفة المأمون من أجل المعرفة وتحصيل العلم، يعمل الفتى بحي الوراقين في بغداد من أجل دراهم معدودات. ويأخذ الفتى كتابا في الرياضيات للمجسطى (عالم عربي) ليطالع فيه في بيته، فتلتهم الكتاب عنزة في غفلة منه، ويقع الفتى في ورطة مع الوراق (صاحب الدكان)، ويدفعه هذا لارتكاب حماقة أخرى، أو بالأحرى مغامرة أخرى ببيع بغلة أبيه لشراء نسخة من الكتاب لدراسته. عشق الفتى لمطالعة الكتب ولدراسة الرياضيات والفلك يدفعه إلى قمة المجد العلمي ليصبح فيما بعد واحدا من علماء العرب النوابغ. 
بطل المسرحية هو (سند بن علي) ذكره الدكتور حسين أحمد أمين في كتابه "ألف حكاية وحكاية من الأدب العربي القديم" في قرابة صفحة ونصف، وتتبعت سيرته في كتاب الفهرست لإبن النديم صفحتي 283 و284، وكتاب "إخبار العلماء بأخبار الحكماء" لعلى بن يوسف القفطي ط. مطبعة السعادة صفحتي 141 و142، وذكره الكاتب قدري حافظ طوقان في كتابه "تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك" ط. دار الشروق، فقط في ثلث صفحة 208.
وتتناول المسرحية جوانب من القيم العلمية نسردها فيما يلي:
أولا عشق الفتى للعلم وللدراسة والبحث العلمى يدفعه (سند بن على) إلى أن يحدد لنفسه هدفا واضحا، بأن يكون مهندسا بارعا أو عالما في الرياضيات والفلك (يبتسم وهو غارق في خياله: هل سيتحقق في يوم من الأيام حلمي وأصير مهندسا، أو واحدا من علماء الرياضيت والفلك مثل إقليدس أو المجسطى؟ أما إقليدس فقد وعيت كتابه، "يحتد قليلا": المشكلة الآن في ذلك المجسطي وكتابه الصعب. يلعن الله الفقر!) ص16.
أيضا عشق الفتى للعلم وللمعرفة يجعله ينتشى برائحة الأحبار والأوراق (إنني أصبحت أعشق العمل في هذا المكان – دكان الوراق لنسخ الكتب – لأن رائحة الأوراق والأحبار تثير همتي وتأسر قلبي، وتجعلنى أقضي اليوم في النسخ والمطالعة دون أن أشعر بالملل أو التعب .. أو حتى الجوع والعطش!) ص22 .
وهنا يجد الفتى ملاذا له من الضياع والتيه في غياهب الجهالة بالمطالعة ونسخ الكتب نظير أجر، كما ذكره زميله في العمل، بأنه يسلك درب الجاحظ في بداية مشوار حياته لمواجهة الفقر والجهل. وهي قيمة تكوين علاقات علمية طيبة مع الآخرين:
(يقول بلال – صاحبه: أتدري يا صاحبي أن عمرو بن بحر الجاحظ، كان مثلنا فقيرا، وكان يعمل تاجرا للسمك، ولكنه ضاق بفقره وجهله. وربما أيضا بعمله، وأراد أن يتعلم، وكان مثلنا لا يقدر على شراء الكتب. أتدري ماذا فعل؟ كان يأتي إلى حي الوراقين هنا في بغداد ويجلس طول النهار يقرأ في دكان وراق في مقابل نسخ الكتب وتجليدها، وهكذا علّم الجاحظ نفسه وتحمل آلام الفقر والحاجة حتى صار عالما عبقريا وكاتبا كبيرا)  ص24.
وهذه قيمة ألا يشعر الإنسان بالخزي من ضعفه وفشله، ويواجه المشكلات بنفسه  ويفكر في حلها بطرق علمية. وهو ما يلقاه مرة أخرى بطل المسرحية أثناء دراسته لكتاب الرياضيات ومواجهة صعوبات في حل بعض مسائله، ولا ييأس ويعمل فكره ويجتهد حتى يصل لحلول لها مبتكره أذهلت العلماء الكبار عندما التقاهم في منتداهم العلمي. وأخرجت العباس بن سعيد الجوهري (من كبار العلماء) عن وقاره عندما صاح: مدهش، أنت فتى هائل! (يفتح العباس الصندوق ويقلب في كراساته، ويقارن بينها وبين كراسات الفتى. يشير إلى أوراقه، هذه مسألة رياضية صعبة في كتاب المجسطي توليت حلها، ولما جئتني أنت بدفاترك ظننت أنها سرقت مني حتى تبين لي الآن اتفاق المعنى مع اختلاف يسير في طرق الحل) ص90.
وعن قيمة الأمانة العلمية وتدوين النتائج العلمية بدقة، (ينهض سند ويحضر بعض الكراسات من كوة في الجدار: ابتكرت أشكالا هندسية لم تكن موجودة بالكتاب، انظر .. انظر يا صاحبي، هذه حلول لمسائل رياضية كانت صعبة جدا!) ص64 و65.
وعن قيمة إطلاع الآخرين على النتائج العلمية: (بلال بفرحة ودهشة: ياه .. كل هذه الكراسات؟! سند: هذه الكراسات هي ثمرة دراستي وتعبي وسهري) ص 65.
وعن قيمة "تكوين علاقات علمية طيبة مع الآخرين في موضع آخر، والتواصل مع باحثين آخرين والمشاركة في الآراء وتبادل الأفكار العلمية: (سند: ولكن أخبرني - لصديقه، هل للمهندسين وعلماء الرياضيات والفلك مكان يجتمعون فيه؟  بلال: نعم دار "العباس بن سعيد الجوهري" صاحب الخليفة المأمون، فهناك يجتمع كبار العلماء، هذا فضلا عن بيت الحكمة) ص 65.

وكذلك فإن قيمة العلم تسمو فوق قيمة المال والثراء، وأن العلم يأتى بالمال ويرفع قدر صاحبه (العباس وهو يحدق في ثياب القتى البالية ونعله الرخيص: أخبرنى يا سند ماذا يعمل أبوك؟ ثم يهمس في أذن الفتى – مشفقا: سأهديك ثيابا جديدة ونعلا جديدا يليقان بك وبعلمك. الفتى: أشكرك سيدى .. وأرجو أن تقبل إعتذارى عن عدم قبول الهدية الكريمة .. العباس بدهشة: ولم؟! إنك ستدخل على الخليفة المأمون وثيابك هذه تبدو! (يمسك عن الكلام فجأة) أقصد أن الثياب الجديدة سترفع قدرك أمام الخليفة. الفتى: كلا يا سيدي. إن المرء بعقله وبعلمه لا بثيابه!) ص97. و(بعد لحظة صمت وتأمل يقول العباس – عالم الرياضيات للفتى الفقير: حقا صدق من قال العلم يوطىء الفقراء بسط الملوك!) ص98.
وعن قيمة التفكير العلمى وتقديره،  والتحرر من الخرافات والجدل والشعوذة  والوهم: (الطبيب الخاص للخليفة المأمون - ميخائيل بن ماسويه - يهمس: (يا أمير المؤمنين .. هناك رجل يدعي الطب والتداوى بالأعشاب وهو ليس من ذلك في شيء، ونخشى أن يضر الناس).. وأين هو؟ هو بيننا الآن لتنظر بنفسك في أمره. بعد تفكير يقول لهم الخليفة المأمون: لا بأس تعالوا فيما بيننا نؤلف اسما وهميا على أنه عشب طبي لندرك صدقه من كذبه، فليختر كل منا حرفا .. أبدأ أنا بحرف (خ)، الطبيب (ن)، ثم تتوالى الحروف (ف)، (ش)، (أ)، (ر) المأمون: لنصل الحروف ببعضها: خنفشار! ويكتشف الناس زيف الطبيب الذي يدعى المعرفة بالطب وبالأعشاب، ويكون جزاءه السجن) ص105- ص107.
ومن القيم العلمية تقدير جهود العلماء والمخترعين فهم راود التقدم للبلاد، ويأتى هذا التقدير بعد طول عناء وصبر وإخفاق أحيانا فى نهاية المسرحية: (بعد أن يقدم الفتى عرضا تقديميا لمشروعه العلمي – حلول مسائل رياضية لكتاب المجسطي بطرق علمية مبتكرة، وفي حضور العلماء والأدباء والحكماء. المأمون (معلنا): يعطى الفتى "سند بن على" مثقال دفاتره ذهبا، ويمنح لقب عالم، وهو أصغر من منحته هذا اللقب. كما أمنحه جائزة قدرها ثلاثة آلاف دينار راتبا شهريا، أما كتابه فيودع بيت الحكمة وأوصى بنسخه) ص114 - 115.
وعن قيمة الاعتراف بدور كل من قدم مساعدة علمية، بالأساتذة الذين قدموا المساعدة في البحث العلمي، أو الأهل والأصدقاء الذين أسدوا للباحث عونا ودعما – ماديا أومعنويا، بأن يعترف لهم بالفضل ويقدم لهم الشكر والتقدير. (في المشهد الثالث والأخير من المسرحية يعود الفتى حاملا الجائزة ويدخل البيت على أمه البائسة. 
الفتى (بفرحة طاغية): أمي .. أمي، قد نجحت وتحقق حلمي، الأم (مأخوذة): ولدي .. حبيبى! الفتى (يلقي في حجرها صرة المال ويقبل يدها: لقد منحني الخليفة جائزة مالية كبيرة ومنحني لقب عالم. إنه أكبر من أي جائزة. يدخل الأب مسرعا ويدخل يعقوب أخوه فرحا. الفتى (يقبل أخاه ويعانق أباه): خذوا من هذا المال ما شئتم، قهذا ثمرة صبركم علي، وهذه بغلتك يا أبت. اشتريتها بضعف ثمنها لكي أعيدها إليك. اشترِ يا أبت زيتا للسراج، وأنت يا أمي ألم أقل لك اصبري ولا تجزعي؟!)  ص 118 - 119.
وعن قيمة احترام آراء الآخرين العلمية ووجهات نظر الآخرين وعدم التقليل من شأنهم (أحد العلماء: هل قرأت نظريات أرشميدس وفيثاغورث؟ .. الفتى: نعم يا سيدي، وبرهنت على صحتها بالمعادلات الرياضية .. عالم ثان: عظيم .. عظيم !) ص91.
وعن قيمة الوقت وحسن إدارته بغية العلم (الغلام يجلس في ظل شجرة منتظرا، يحدق في غصون الشجرة ويفكر ويحلم: سيذهب الوقت مني سدى. (يحدث نفسه): أرى أن أقتل الوقت بشيء مفيد .. حسن .. استرجع بعض المسائل الرياضية. "الغلام يخط على الرمال أشكالا هندسية .. مثلثات ودوائر ويكتب بعض الرموز بعود من الحطب) ص39 ، ص40.
ولم يغفل النص عن تناول قيم أخرى إنسانية وجمالية (في لقائه العابر بابنة العباس – عالم الرياضيات – بحديقة منزله ..  الفتاة: يبدو أنك فتى لطيف .. هل تحب الزهور؟ الفتى: أحبها كثيرا .. إنني أهيم برؤية الزهور وسماع الطيور، وأنتشي جدا بسماع خرير المياه وحفيف الشجر) ص75 .
وعن قيمة وضع الفروض العلمية، ثم اختبار صحتها (الفتى: لكن يثير تساؤلي وحيرتي ثلاث مسائل، خلق الكون ومراحله، وتاريخ ظهور الإنسان على الأرض، ومسألة الطوفان الذي غمر الأرض) ص82.
وعن قيمة تطبيق نتائج البحث العلمي لخدمة المجتمع (في نهاية المسرحية يقف الراوى ليردد: وفيما بعد، انخرط سند بن علي في مجتمع العلماء وأصبح عضوا دائما في مجلس الخليفة المأمون. ونبغ في علوم الرياضيات والفلك، واشتهر بعمل آلات الرصد الفلكية، وعمل الأسطرلاب وشارك علماء عصره في رسم خرطة العالم وقياس المساحات الأرضية والفلكية، وترقى في العلم حتى صار مشرفا على المراصد الفلكية في عصر المأمون) ص121 - ص122.
بقى أن أشير إلى تجارب جيدة تتناول قيم علمية في أعمال مسرحية منها: تجربة فعاليات الموسم الثقافي الصيفي لمسرح العلوم، والذي تنظمه أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا للأطفال من سن خمس سنوات حتى سن خمسة عشر عاماً، لتعزيز المشاركة المجتمعية في مجال العلم والتكنولوجيا ونشر ثقافة العلوم والتكنولوجيا والابتكار. (8)
تجربة صفاء البيلي في مسرحية "كوكب ورد"، وهو نص من الخيال العلمي موجه لفئة الفتيان، أي من سن 12 حتى 18 عاما، ويدور حول تلاقح الأفكار وتصحيح الرؤى، ومعايشة الآخر وقبوله لتستمر الحياة. (7)
وختاما، آمل أن يعي كتّاب الأطفال مسؤولية بناء إنسان صالح لنفسه ومجتمعه من خلال أعمال إبداعية تنساب بين طياتها القيم الجميلة كما تنساب مياه الغدير، ومنها القيم العلمية.
المراجع:
1-      خالد جودة أحمد، غرس الشجرة الإنسان في الوادي العجيب، ميدل إيست أونلاين، 25/11/2019.
2-     طلال مشعل – القيم، مدونة ١ ديسمبر/كانون الأول ٢٠١٨ https://mawdoo3.com
3-    رشا جمال، متطلبات تنمية القيم العلمية للطقل المصري، رسالة ماجستير، جامعة المنصورة، 2016.
4-    أشرف علي، تاريخ مسرح الطفل بمصر –-   12 فبراير/شباط 2010 https://shanaway.ahlamontada.com/t5791-topic
5-    أحمد فؤاد عبدالحميد بكري، مسرح الطفل العربي... بين الواقع والمأمول https://annabaa.org/nbahome/nba74/masrah.htm
6-    محمد شكري، دراسة تحليلية في مسرح الطفل المصري، الثلاثاء 2 سبتمبر/أيلول 2014 http://bu.edu.eg/BUNews/17361
7-    اليوم السابع؛ السبت، 25 نوفمبر 2017. لقاء مع الكاتبة صفاء البيلي لحصول النص المسرحى "كوكب ورد" على جائزة أحسن نص مسرحى للطفل؟ "جائزة الهيئة العربية للمسرح، وهو في الخيال العلمي لفئة اليافعين – حصل على المرتبة الأولى عام 2017.
8-    اليوم السابع - الأربعاء، 29 أغسطس/آب 2018.
9-     منصور عمايرة ، المسرح المدرسيّ ، الحوار المتمدن - محور: الأدب والفن - العدد: 4460 – 22/5/2014.
10-    بيتر هنت، مقدمة في أدب الطفل، ترجمة إيزابيل كمال، المركز القومي للترجمة، 2009 .
11-    ماكس بيروتر، ضرورة العلم، دراسات في العلم والعلماء، ترجمة وائل أتاسى وآخرون، عالم المعرفة 1999.
12-    عماد الشافعى، أنا وبغلتى والكتاب، أنس بن مالك للنشر والتوزيع، 2005.