المصريون والصيف: أغنياء بالمنتجعات وفقراء بالكباري!

القاهرة
اساليب مختلفة للهروب من القيظ

لو صعدت إلى أحد الكباري (الجسور) العلوية, على مجرى نهر النيل, في مدينة القاهرة, في الصيف, فسوف تظن للوهلة الأولى أنك في حديقة, ولست فوق جسر, تمر عليه السيارات, بسبب العدد الضخم من المصريين, الذين يزحفون, مع غروب الشمس, إلى أعلى الكباري في فصل الصيف الحارق, وهم يحملون كراسي صغيرة, وما لذ وطاب من المرطبات و"التسالي" و"الساندويتشات", ويجلسون على جانبي الطريق, يتسامرون ويستمتعون بنسمات النيل, حتى الفجر!.
أما لو ذهبت إلى أحد المنتجعات السياحية الباهظة الثمن, على شاطئ البحر المتوسط, خصوصا قرى الساحل الشمالي, التي يطلق عليها اسم "قرى الأغنياء", فسوف تجد صخبا وازدحاما من نوع آخر, وترى أفخر أنواع السيارات والمراكب السياحية و"البيتش باجي" وغيرها.
ولكن الفارق بين الحالتين، أن الأولى يطلق عليها اسم "مصيف الفقراء", في حين يطلق على الثانية اسم "مصايف الأغنياء"، إذ لا تتكلف مصايف الفقراء سوى شراء مستلزمات السهرة من ذرة مشوية و"آيس كريم" و"ساندوتشات" ومرطبات و"تسالي"، والمكان مجانا, سواء على شاطئ النيل, الذي عاد لجماله مع تحسينه وتطويره, أو فوق الكباري العلوية.
أما مصايف الأغنياء, فتكلف الليلة الواحدة فيها ما بين 100 و500 دولار, شاملة السكن والوجبات, غير السهرات والنزهات. وغالبا ما تكون المصايف الأشهر, مثل مصيف مارينا, مقصورة على الأثرياء!.
ويشكو الخبراء الاقتصاديون من أن مصايف الأغنياء لا يستفاد منها سوى لمدة أربعة أشهر في العام, هي شهور الصيف, لتخلو بعدها, وينعق فيها البوم, حتى مجيء الصيف المقبل، مما جعل البعض يطرح أكثر من فكرة للاستفادة من هذه الثروة المهدورة.
ومع تصاعد حدة الأزمة الاقتصادية زادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء في مصر بشكل كبير، وزادت أعداد الفقراء, الذين أصبحت النزهة الليلية هي الأمل الوحيد لهم لقضاء وقت ممتع, وسط الأهل والأصدقاء, على النيل مجانا.
ومن أشهر العادات, التي تقوم بها الأسر المصرية في ليالي الصيف الحارة, تناول المشروبات الشعبية المثلجة والساخنة, التي ينتشر باعتها على طول كورنيش النيل, ويضع بعضهم كراس ومناضد على أجزاء من الكورنيش لاستقبال الزبائن.
وتعرف هذه الأماكن, بما فيها أعالي بعض الكباري, التي تمر قرب المناطق الشعبية, مثل كوبري روض الفرج, انتشارا كثيفا لعربات بيع مشروبات "حمص الشام" والشاي وزجاجات المياه الغازية والعصائر، فيما بدأت تنتشر أيضا الشيشة أو النارجيلة. سميط ودقة ومن أشهر ما يربط مصيف الكورنيش بالرواد هي وجبة "السميط والبيض والدقة", إذ ينتشر باعة يبيعون نوعا من الكعك المستدير المصنوع من الدقيق, ومعه بيض مسلوق و"دقة", هي عبارة عن خليط من التوابل والملح، كما يبيعون طماطم أو خيارا, حسب الطلب.
وتنتشر هذه الوجبة منذ عشرات السنين, وأسعارها رخيصة, ويقبل عليها الشباب والمراهقون, والمتزوجون حديثا, أو المخطوبون.
ولا تقتصر الفسحة على ذلك, إذ تلجأ الكثير من الأسر لتأجير مركب صغير أو متوسط يجوبون به شاطئ النيل, وهم يغنون أو يستمعون إلى الموسيقى والأغاني، وهي فسحة أرخص كثيرا من فسحات الأثرياء, إذ تتكلف حوالي 8 دولارات لعائلة كاملة من خمسة أفراد، مقارنة بالسفن السياحية, التي تمر في النيل, ويدفع فيها الفرد الواحد قرابة 35 دولارا شاملة العشاء. الحنطور يحارب الانقراض ورغم أن عربات "الحنطور", وهي عربات تجرها خيول, تقاوم الزمن, وتحارب ظاهرة الانقراض, فلا يزال يقبل عليها المصريون ليلا, وكذلك السياح, للاستمتاع برحلة على طول طريق "الكورنيش", بعيدا عن السيارات وتلوثها.
وتنتشر هذه العربات أسفل كوبري 6 أكتوبر الشهير, قرب ميدان التحرير, بوسط العاصمة القاهرة. وهذه العربات كانت هي وسيلة الانتقال الأساسية في مصر حتى ثلاثينيات القرن الماضي، لكنها أصبحت الآن مجرد نوع من الديكور أو السياحة, إذ تكلف رحلة قصيرة بالحنطور على النيل ثلاثة دولارات أو 10 جنيهات مصرية، وهو مبلغ كبير بالنسبة للموظفين الحكوميين, الذين يتقاضون ما بين 100 إلى 400 جنيه شهريا. أفراح على الكباري! ومن أطرف ما يشاهد على كباري القاهرة العلوية بعض العرسان الجدد يحضرون إلى هذه الكباري تصحبهم سيارات كثيرة, تطلق صفاراتها ابتهاجا بالعرس، ثم ينتشر الحاضرون على رصيف الكوبري, لأخذ الصور التذكارية الحية, حيث الخلفية الجميلة لصفحة النيل المزينة بأضواء الكازينوهات والمراكب السياحية.
وفي بعض الأحيان تتم "الزفة" للعروسين أعلى الكوبري, وسط زغاريد الأهل والأصدقاء, وبعيدا عن زحام القاعات العادية المغلقة وحرها, التي تقام فيها الأفراح. ويشاطر بعض "المصطافين", على هذه الكباري, أهالي العروسين فرحتهم, ليصبح الرصيف قاعة أفراح حقيقية, ربما يتغافل عنها أحيانا رجال الشرطة, حتي لا يفسدوا الفرحة على أصحابها. (قدس برس)