المعارض الإلكترونية الفنية لا تضيف بل تستهلك

زهراء الطائي: المرأة هي الجمال بدونها ليس هناك جمال.
للتشكيلية زهراء الطائي طقوس خاصة وحالات صفاء وهدوء ثم لحظات الإشراق والتجلي في أوانه
السفر يمنح الإنسان التجديد والحيوية، والرفقة الجيدة، الأصدقاء الجدد، التعرف على ثقافة البلدان كذلك نقل ثقافة بلدك

أحبت الرسم منذ الصغر، كانت ترسم بالفطرة على الأوراق والدفاتر، شاركت في المسابقات الفنية المدرسية وحصلت على جوائز ثم انقطعت لفترة ليست بالقصيرة وذلك لظروف خاصة، عادت مجددا وبقوة بعد صقل موهبتها.
في بلد يكاد لم يشهد الاستقرار في تاريخه الحديث، بلد مر عليه حروب وأزمات متتالية، ونتائجها واضحة للعيان، رغم ذلك، يطغى الجانب الجمالي المزهر على أغلب لوحاتها وخاصة اللوحات التي تجسد صورة المرأة وتظهر وكأنها أميرة أو حورية. وحين تتراقص الفرشاة بمختلف الألوان بين أناملها، يصنع خيالها لوحات مدهشة تليق بأفكارها، لوحات تمنح جرعات الأمل والتفاؤل للمتلقي، أسلوب مميز، تمتلك خلفية ثقافية عميقة، تترجم أحاسيسها بشكل سريالي وتعبيري على مساحات البيضاء. 
مرت بجميع المدارس الفنية ورسمت بمختلف الألوان، وتميل سفينتها الإبداعية الآن صوب موانئ الواقعية التعبيرية والسريالية، حيث فضاء أرحب وحرية أكبر كما تعتقد، وسمة أعمالها رفض للسلبية وتشخيص للأحداث ونقدها.
التأثر عندها عام ومن مختلف المدارس والحقب، فهي كأي مبدع حقيقي تسعى جاهدة أن تكون ريشتها مميزة وألوانها متوهجة وخالدة على صفحات التاريخ أي أن يكون لها أسلوب وبصمة خاصة كحالة إبداعية.
تنتمي إلى أرض قامت عليها إحدى أولى الحضارات العالمية، حيث التاريخ الممتد إلى آلاف السنين، وهذا من أحد الأسباب التي تجعلها وفية لعراقة وأصالة هذه الجغرافيا، فقد ترجمت ذلك عمليًا سواء من خلال ريشتها أو عملها التطوعي والإنساني.
 إنها حفيدة ملكة شبعاد، بصراوية المولد، البصرة تلك اللؤلؤة التي تلمع على الضفة الغربية من شط العرب، يغذيها أعظم الرافدين (دجلة والفرات). مدينة لا تطفو فقط على بحر من النفط بل تعد النافذة البحرية الوحيدة للوطن نحو العالم.

كل طفل يرسم ما يحلو له ليظهر انفعالاته ومكبوتاته، نرسم أحيانًا بعض الرسوم ونطلب من طفل أن يكملها

ناصرية السكن، تلك المدينة التي تزخر بالعلم والفنون والأدب، وواحة خضراء على جناح نهر الفرات.
إذن، هي بصراوية المولد وناصرية السكن وسومرية الهوى، وعراقية الوفاء، وما بينهم أور عاصمة للمملكة السومرية.
زهراء جابر الطائي فنانة تشكيلية عراقية، حاصلة على بكالوريوس علم النفس والاجتماع من جامعة البصرة، تعمل كمرشدة اجتماعية في المدارس الثانوية للبنات. متزوجة ولديها ثلاثة أبناء، منتمية لعدة منظمات إنسانية، ومتطوعة في دار الأيتام كَمرشدة تربوية، تحمل الكثير من هموم أبناء بلدها، وقضيتها الأولى هي الوطن.
قالت: كنت أحب الرسم منذ صغري، رسمت على دفاتري وكتبي كثيرًا، كفته كانت متأرجحة على حساب الكتابة، وأتذكر، كنت أرسم تشريج جسم الإنسان في مادة العلوم بشكل يلفت انتباه مُدرسة المادة. بعدها اكتشف موهبتي أستاذ المادة الفنية وشجعني على المشاركة في المسابقات والنشاطات الفنية، حصلت وقتها على عدة جوائز على مستوى النشاط المدرسي، كنت أرسم بالفطرة بدون دراسة أكاديمية.
وبسبب زواجي وانشغالي بالدراسة الجامعية، انقطعت عن الرسم، وفي فترة الانقطاع هذه، كنت أعاود التخطيط بالقلم الرصاص كلما سنحت لي الفرصة.
وبعد مشاركاتي عبر مواقع التواصل الاجتماعي شجعني التشكيلي كاظم الركابي ابن محافظتي على الرسم بالألوان وخلال دورة الرسم بإشرافه لمدة ثلاثة أشهر صقلته من خلال التمرين والمتابعة.
الطقوس
للتشكيلية زهراء الطائي طقوس خاصة وحالات صفاء وهدوء ثم لحظات الإشراق والتجلي في أوانه: لا بد لي أن أكون بحالة صفاء ذهني وروحي أي أكون في أفضل حالاتي النفسية فأسرع إلى ألواني وفرشاتي، وأبدأ باستحضار ما يجول في أعماقي فاستوحي الفكرة من موقف أثر بي أو شيء أدهشني، استلهم الفكرة أحيانًا من الطبيعة حيث أعيش (أنا في بيئة خضراء على ضفاف نهر الفرات). لكل فنان طقوسه الخاصة به، أحب الهدوء والمطر والعزلة لا أستطيع الرسم في الزحمة والضجيج، ولو أضطررت الرسم في ورشة عمل أشعر بالإجبار والضغط النفسي حيث لن يكون هناك إبداع.
تعتقد زهراء أن قيمة وجمالية اللوحة، مشتركة بين أسلوب الفنان وثقافة المتلقي، وتقول: الفن الحقيقي هو الذي يخاطب وجدان المتلقي، وأعتقد ذلك يعتمد على الموضوع وأسلوب الفنان كذلك ما يتمتع به المشاهد من خلفية اجتماعية وثقافية، وحتى حالته النفسية أيضًا.
الألوان 
وهي تفضل ثلاثة ألوان: اللون الأصفر والبنفسجي والبني، وكل لوحة لها ألوانها المناسبة، ألوان الطبيعة تختلف عن ألوان اللوحة السريالية حتى الأخيرة تحتاج إلى الألوان الغامضة.
ترى زهراء الطائي أن جميع الألوان تحتاج إلى مهارة لكن أكثرها هما لونا الأبيض والأسود. وهي ترسم على الورق والقماش وتفضل الأخير لأنها تستطيع التحكم بقياس اللوحة، إضافة إلى أنها تشعر بمرونة الفرشاة وهي ترسم على القماش.
المرأة في لوحاتها
يطغى الجانب الجمالي المزهر على أغلب أعمالها وخاصة اللوحات التي تعكس إظهار المرأة إلى عالم أقرب من المثالي في بلد المرأة أخذت حصة كبيرة من المآسي، لذا للفنانة للتشكيلية زهراء الطائي نظرة ورسالة مختلفة حول هذا الموضوع، توضح بالقول: المرأة هي الجمال بدونها ليس هناك جمال، أنا أنظر إليها بنظرة تختلف عن الجميع، رسالتي الإبداعية أن أرسمها بالصورة المثالية التي أتمنى أن تكون عليها وهذا هو دور الفن في إشاعة روح الأمل وبث الجمال الذي يسمو بالنفوس ويحلق بالأرواح بلا أجنحة. 
وتضيف: على الرغم من الانكسار المادي والروحي الذي تعرضت له المرأة العراقية والمصاعب والمصائب التي هيمنت على واقعها المرير لكنني جسدتها في لوحاتي وكأنها أميرة أو حورية أرضية هبطت من ضفاف الكوثر ورفضت العودة إلى فردوسها الرحيب.
وهي تؤكد أن المدرسة الواقعية هي القاعدة لجميع الفنون والمدارس الفنية، فالفنان الحقيقي ينطلق من المدرسة الواقعية إلى بقية المدارس. وقد مرت الطائي بمختلف المدارس الفنية، قبل أن تختار مدارس معينة، وعن أسباب اختياراتها هذه، توضح لنا بالقول: أجد نفسي أميل للمدرسة السريالية فهي تخرج الفنان من إطار الواقعية التي تحجم الفنان إلى فضاء واسع من الخيال الناتج من الأحلام واللاوعي حيث تلغي الروابط الزمانية والمكانية وحرية التعبير اللا متناهي. 
أما الواقعية التعبيرية فهي تهتم بالمضمون والإرادة والمواقف الأخلاقية، وقد تظهر في لوحاتي ما يدور من رفض لبعض المواقف والأحداث التي يمر بها البلد فاختزلها في لوحات تعبيرية رافضه لكثير من الأحداث والمواقف وتشخيصها وانتقادها.

وعن أعمالها في الصحافة الإيطالية، تشرح لنا كيف تعرفت الناقدة الفنية الإيطالية (Marta Look) على أعمالها حتى قدمتها كَبطلة في عمودها الصحفي، فماذا كتبت عنها، ولماذا؟  قالت: إن الأعمال الفنية الحقيقية هي من تفرض نفسها في المعارض الفنية، وأنا كنت قد أوصلت رسالتي من خلال لوحتي التي تحمل أنين وآهات تنبعث ما بين الألوان.
هي لم تتعرف علي وإنما على أعمالي من خلال مشاركتي في مهرجان توزر الدولي في تونس 2019، حيث كانت لوحتي "ثورة تشرين" تتصدر الصحف والقنوات الإخبارية، لذا وجهت لي دعوة للمشاركة في معرض دولي في إيطاليا فأرسلت أعمالي ومن خلال مشاهدتها لأعمالي الفنية كنت بطلة عمودها الصحفي، قالت عني "زهراء الطائي رغم ما يمر به العراق من حروب خارجية وصراع داخلي إلا إنها بجهودها الشخصية نجحت في إيصال صوت الثورة الشعبية فهي رمز المرأة الثائرة في العراق التي تطمح نحو التغير، جسدت الطائي ذلك من خلال عملها الفني ثورة تشرين".
 كتبت عن لوحتي لأنها وجدت الموضوع قد لامس وجدانها، فنظرت إلى اللوحة على أنها ليست مجرد قماش ولون وإنما رسالة يجب أن تقرأ بصوت عالي.
وعن النقد قالت الفنانة العراقية: حظيت أعمالي بالنقد الفني الانطباعي والنقد الأكاديمي من النقاد داخل العراق وخارجه من مصر والهند وإيطاليا. 
وهي ترى أن النقد العربي لا يزال في حلته القديمة ما عدا بعض المحاولات المواكبة لتطور الفنون وبحوثها التي تعدت الذائقة الجمالية بنحو مثمر كعلوم فلسفية نفسية حسية مؤثرة في المجتمعات وخدمتها نحو آفاق تعدت جماليات وكماليات اللون والتشكيل المحترف وقواعده الملزمة.
التأثر
لم تتأثر التشكيلية زهراء بفنان محدد، وتسعى أن تكون لها بصمة خاصة، وقالت: التأثر عام وليس خاصا، هناك فنانون عراقيون وعرب كبار معاصرون، وكذلك هناك فنانون من مختلف العصور والمدارس لهم تأثير واضح في أعمالي المختلفة لكن في النهاية لكل فنان هناك إحساسه وأسلوبه وبصمته الخاصة.
المعارض
شاركت الفنانة في معارض كثيرة وكبيرة، والأهم بالنسبة لها هو معرض واحات تورز في تونس، وهي ترى أن المشاركات الفنية عديدة داخل المحافظة وعلى مستوى العراق وخارجه أيضًا منها: معرض فنانون بلاد حدود في إسطنبول ـ تركيا، كذلك معرض ملتقى الفنانين العرب في مصر، ومعرض كلنا تشكيليون في إسطنبول ـ تركيا، ومعرض واحات توزر 2019 في تونس الذي اعتبره أهم معرض وإضافة لي، حيث نشرت أعمالي في الصحف العربية والأجنبية، وهو كان مهرجانا عالميا اشتركت فيه دول عربية وأخرى أجنبية، كانت فرصة أن تشاهد أعمالي وتكتب عنها.
المعارض الإلكترونية
وعن المعارض الإلكترونية ترى أن لها إيجابيات وسلبيات، ومنها: الإيجابيات: إنها تمنح فرصة للموهوبين للمشاركة ونشر أعمالهم. أما سلبياتها وهي عديده أهمها عرض أعمال بمستوى متدن، لا توجد معايير وضوابط جدية لقبول الأعمال، ولا ننسى أن المعارض الفنية هي قاعة وعرض ومشاهد وهذا ما تفتقده المعرض الإلكتروني، فلكل فنان عنده حساب شخصي يستطيع أن ينشر أعماله. وهي تعتقد أن المعارض الإلكترونية الفنية لا تضيف بل تستهلك، لذا تبقى حذرة في اتخاذ قرار المشاركة من عدمه: أنا أرفض المشاركة بالمعارض الإلكترونية إذا كان المنظم ليس له علاقة بالفن التشكيلي وإنما يحاول أن يفرض نفسه من أجل مصالح خاصة، وقد شاركت مرتين، مرة بمعرض شادوا بالقاهرة ومعرض مؤسسة هواجس للثقافة والفنون في العراق. 

fine arts
رمز المرأة الثائرة في العراق 

العلاج بالرسم
زهراء الطائي مرشدة نفسية ومتطوعة في إحدى دور الأيتام بمدينة الناصرية، عن آلية العلاج بالرسم حدثتنا قائلةً: من خلال الرسم يستطيع المعالج النفسي التعرف على مشكلات الطفل وما يعانيه كذلك التعرف على ميوله واهتماماته، الرسم بالنسبة للطفل هو بديل اللغة أو التواصل اللفظي وهو يعكس مشاعر الطفل باتجاه الآخرين.
 أما عن آلية العمل فيكون على شكل عمل حلقات دائرية من أربعة أطفال كل مجموعة توزع لهم الأوراق والأقلام الملونة ومواد الرسم الأخرى قد نختار موضوعا معينا مثل رسم العائلة أو الهيئة التعليمية أو الأصدقاء أو رسم الطفل نفسه أو الرسم الحر، كل طفل يرسم ما يحلو له ليظهر انفعالاته ومكبوتاته، نرسم أحيانًا بعض الرسوم ونطلب من طفل أن يكملها. والجلسة تكون مرتين في الأسبوع بعدها نبدأ بتحليل رسوماتهم من خلال تركيز المعالج على المساحة التي شغلها الطفل في الورقة وكذلك الخطوط والألوان ولكل واحدة من هذه الخطوط لها معنى كذلك اللون والمساحة وأسلوب الرسم. هذه هي آلية العلاج باختصار. 
المنظمات الإنسانية والعمل التطوعي
الفنانة التشكيلية زهراء الطائي عضو في العديد من المنظمات الإنسانية من بينها منظمة الصداقة الدولية مقرها السويد كذلك منظمة جلسات السلام الدولية في العراق، عن أعمالها الإنسانية تقول: هناك مهام لكل عضو حسب مدينته حيث نقوم بزيارات ميدانية لبعض المدن َوالقرى للتوعية والإرشاد كذلك توزيع المساعدات المادية النقدية وقسم من المستلزمات المدرسية لمساعدة أطفال هذه القرى وتشجيعهم للالتحاق بالمدارس كذلك توزيع المساعدات الصحية لبعض الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، جميعها جهود شخصية.
السفر
زهراء الطائي كثيرة السفر، عن الأسباب والمنافع التي قد تحصل عليها، تجيب: السفر يمنح الإنسان التجديد والحيوية. أضاف لي الكثير منها: الرفقة الجيدة، الأصدقاء الجدد، التعرف على ثقافة البلدان كذلك نقل ثقافة بلدك.
 أكثر الدول التي زارتها زهراء الطائي هي تونس وقد زارتها مرتين. أما الأجنبية فقد زارت الجمهورية الإسلامية الإيرانية بحدود خمس عشرة مرة خلال عشر سنوات لأنها تمتلك طبيعة جميلة جدًا وتشعر فيها بالأمان، شعبها راقي وهادئ ومنظم.
 أما البلدان التي تتمنى زيارتها، عربيا هو اليمن، وأجنبيا روسيا.