
المغتربون يدعمون الاحتجاجات في لبنان
لندن - يتابع اللبنانيون في الخارج تطورات الاحتجاجات في بلادهم خاصة وان التحرك تجاوز الأسبوع مع إصرار المتظاهرين على مطلب اسقاط الحكومة ورفضهم للإصلاحات التي دعا اليها رئيس الحكومة سعد الحريري.
ويعجز مفيد شمس، وهو صاحب مطعم في لندن، مثل غيره من اللبنانيين الذين يعيشون في الخارج، وتقدر أعدادهم بالملايين، عن إرسال أموال لأسرته وهي في حالته ابنتان تتعلمان في المدرسة.
ولا تزال البنوك في لبنان مغلقة لخامس يوم عمل بعد أن خرج مئات الآلاف إلى الشوارع للاحتجاج ضد حكومة الحريري.
إنها مشكلة بالنسبة لشمس، الذي اعتاد على إجراء التحويلات عبر ويسترن يونيون، وبالنسبة للاقتصاد اللبناني أيضا. فالتحويلات هي شريان حياة للأسر ومصدر مهم لضخ الأموال في الاقتصاد، وسد ما يقرب من نصف العجز في الميزان التجاري.
ويقول الرجل، الذي يبلغ من العمر 49 عاما، وهو جالس خارج مطعمه في شارع إدجوير، وهو معقل العرب النابض بالحياة في العاصمة البريطانية "أكبر ابنتين لي تعيشان في لبنان وقد صرت الآن غير قادر على إرسال أموال إليهما".
وللمواطنين اللبنانيين في الخارج تأثير كبير على ثروات الوطن الأم.
فبعد فرار الكثيرين من الحرب الأهلية بين عامي 1975 و 1990، تشير التقديرات الآن إلى أن عدد اللبنانيين في الشتات يصل إلى 14 مليون شخص أي أكثر من ضعف عدد السكان الذين يعيشون داخل لبنان.
وبريطانيا ضمن أكبر عشر منابع تأتي منها التحويلات إلى لبنان. وأظهر إحصاء أجري عام 2011 أن أكثر من 15 ألف لبناني يعيشون في بريطانيا.
وغادر شمس البلاد عام 1989، بعد أن سئم من العنف والفساد في ذلك الحين، لكنه، الآن، بعد أن صار عمره 49 عاما، يرى أن الفساد في الوقت الحالي قضية بارزة من قضايا الاضطرابات الأخيرة.
وقال وهو يدخن النرجيلة (الشيشة) إن "الفساد في لبنان هو السبب الذي دفعني للرحيل" مضيفا "لكل شخص الحق في الاحتجاج وكل اللبنانيين متفقون على ما يطلبونه لكننا نعلم جميعا أنه لن يتغير شيء لأنكم تعرفون لبنان".
الفساد في لبنان هو السبب الذي دفعني للرحيل
تراجع التحويلات
وتراجع تدفق التحويلات، على الصعيد العالمي، إلى لبنان في الآونة الأخيرة.
ويقول خبراء الاقتصاد إن أحد أسباب ذلك التراجع هو شعور بالقلق لدى بعض المغتربين من خطر انهيار اقتصادي يلوح في الأفق. والسبب الآخر تراجع أسعار النفط الذي ألحق الضرر بسوق العمل في منطقة الخليج، التي يعمل بها مئات الآلاف من اللبنانيين.
وبعد أن بلغت التحويلات ذروتها إلى حد 9.6 مليار دولار في عام 2014، انخفضت في عام 2018 إلى 7.7 مليار دولار وقد تنخفض إلى 6.5 مليار دولار في العام المقبل، بحسب تقدير غاربيس إراديان من معهد التمويل الدولي.
وحذرت ستاندرد آند بورز العالمية في الشهر الماضي من أن انحسار التحويلات من غير المقيمين يسهم في انخفاض سريع في احتياطي العملات الأجنبية الأمر الذي يمثل تحديا لقدرة لبنان على الحفاظ على ربط عملته بالدولار الأمريكي.
وفي حين أن إغلاق البنوك يمثل عائقا عمليا أمام إرسال الأموال، إلا أن بعض المغتربين عبروا أيضا عن قلقهم من تأثير أي خفض محتمل لقيمة العملة اللبنانية وتأثير أي اضطرابات جديدة على مدخراتهم واستثماراتهم.
ويقول علي ساهر (50 عاماً) الذي يرسل الأموال لزوجته في جنوب لبنان "(مصدر) الدخل الأول في لبنان يأتي ممن يعيشون في الخارج. إذا توقفوا عن إرسال الأموال، فهذه هي نهاية البلد".
ولأخصائية العلاقات العامة في لندن، روني سنو، عائلة تنتشر في كندا وألمانيا والإمارات وقطر وبلجيكا وجميعهم يرسلون الأموال إلى أقربائهم في لبنان.
وتقول "لا يوجد عمل في لبنان.. أكمل أبناء وبنات إخوتي دراستهم الجامعية ولم يتمكنوا من العمل. ظل أحدهم عاطلا في لبنان لخمس سنوات إلى حين وجد عملاً في قطر. في الوقت نفسه، يعيش أبناء السياسيين حياة مرفهة في لندن وباريس".
ويقولون إن أحد الدوافع وراء خروج المظاهرات استنزاف مبالغ كبيرة من المال من الاقتصاد اللبناني من خلال الفساد.
ويقول علي عباس (35 عاما) الذي انتقل إلى لندن عام 2007 بعد تخرجه ويعمل الآن في أحد المتاجر "سُرقت أموال كثيرة من الحكومة على مدار الأعوام الثلاثين الماضية.. الشيء الأساسي الذي سيساعد البلاد هو استرداد هذه الأموال".
وافترش آلاف اللبنانيين الشوارع الأربعاء، وهم يلوحون بالأعلام ويرددون شعارات "سلمية سلمية" رداً على محاولة وحدات من الجيش تنفيذ أوامر بفتح الطرق المغلقة في اليوم السابع من حراك شعبي غير مسبوق يطالب برحيل الطبقة السياسية.

وبدت الحكومة، رغم اقرارها رزمة اصلاحات "جذرية" غير مسبوقة، عاجزة عن احتواء غضب الشارع المتصاعد، والمتمسك بمطلب رحيل السلطة بدءاً من اسقاط الحكومة.
ونفّذ الجيش انتشاراً غير مسبوق منذ انطلاق التظاهرات ضد الطبقة السياسية، لفتح الطرق الرئيسية في مختلف المناطق بالقوة، تنفيذاً لما وصفه مصدر عسكري لفرانس برس بـ"قرار لفتح الطرق العامة وتسهيل تنقل المواطنين".
واصطدمت محاولاته شمال بيروت برفض مطلق من المتظاهرين الذين افترشوا الطرق ورددوا النشيد الوطني اللبناني، وتضاعفت أعدادهم تدريجياً رغم تساقط المطر خصوصاً في محلتي الزوق وجل الديب شمال شرق بيروت. وأفاد مصور لفرانس برس عن حالة من الهرج والمرج وتدافع وصل إلى حدّ تعرض متظاهرين للضرب.
ورغم ذلك، ردّد المتظاهرون "ثورة ثورة" موجهين التحية للجيش وقدموا لهم الورود، ورددوا النشيد الوطني. وبدا جنود عاجزين إزاء هذا المشهد وذرف بعضهم الدموع تأثراً.
ويعد الجيش من المؤسسات الرسمية القليلة التي تحظى بإجماع شعبي في البلد الصغير الذي تثقل الانقسامات السياسية والفساد والهدر كاهله.
وبعد أكثر من ست ساعات، انسحبت وحدات الجيش ليلاً من الزوق وجل الديب، وأبقت عناصر حماية. واستقبل المتظاهرون ذلك بالتصفيق والتحية.
وكان الحريري أكد في بيان "ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كافة المناطق".
ويشهد لبنان منذ ليل الخميس تظاهرات حاشدة غير مسبوقة على خلفية قضايا معيشية ومطلبية، يشارك فيه عشرات الآلاف من المواطنين من مختلف الأعمار من شمال البلاد حتى جنوبها مروراً ببيروت.
دعت واشنطن الأربعاء القادة اللبنانيين إلى الاستجابة للمطالب "المشروعة" لمواطنيهم الذين يتظاهرون بكثافة منذ أكثر من اسبوع ضد فساد الحكومة.
وصرح ديفيد شينكر المكلّف ملف الشرق الاوسط في الخارجية الأميركية بأن الولايات المتحدة "على استعداد لمساعدة الحكومة اللبنانية" في اتخاذ إجراءات، ممتنعاً في الوقت نفسه عن التعليق على خطة الإصلاحات التي عرضها رئيس الحكومة اللبناني سعد الحريري.
وأضاف شينكر أن التظاهرات تظهر ضرورة قيام "نقاش صريح" بين القادة والمواطنين حول "المطالب التي عبّر عنها منذ أمد بعيد الشعب اللبناني الذي يرغب بإصلاحات اقتصادية ونهاية الفساد المزمن".
وتابع "يعود للشعب اللبناني تقرير ما إذا كانت هذه الاصلاحات تلبي رغبته المشروعة في العيش في بلد مزدهر ومحرّر من الفساد الذي يحدّ من قدراته منذ أمد بعيد جداً".