المغرب بين التاريخ والميثولوجيا

الباحثة د. شيماء الصعيدي تتناول في دراستها بلاد المغرب لما تتمتع به من موقع جغرافي متميز فضلاً عن كونه معبراً لحضارات متعددة، كانت ذات تأثير في تكوين تلك الشخصية.

ترى د. الشيماء الصعيدي، في كتابها "المغرب بين التاريخ والميثولوجيا"، أن الميثولوجيا هي التاريخ الحقيقي للشعب، فهي خلاصة ما ينتجه الوجدان الشعبي الجمعي، كنتيجة لما يعتري المجتمعات من اضطرابات سياسية واقتصادية، وعملت الدراسات الإنسانية على تغيير النظرة للميثولوجيا من اعتبارها ضربا من الوهم إلى أن تكون وسيلة للتعبير الصادق عن أفكار وتوجهات ومعتقدات شعبية تصل إلى حد الإيمان، فهي تظهر حينما تهرم الحضارة ويشعر الإنسان بالعجز في التأثير في محيطه.
وقد تناولت المؤلفة في دراستها بلاد المغرب لما تتمتع به من موقع جغرافي متميز يجمع بين مجتمعات بشرية متباينة في القارة الإفريقية وأوربا، فضلاً عن كونه معبراً لحضارات متعددة، كانت ذات تأثير في تكوين تلك الشخصية. أما فيما يتعلق بالمرحلة الزمنية  فقد اختارت الباحثة منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن السابع الهجريين، وذلك لما أصاب المغرب في تلك الفترة من قيام الدولة الفاطمية بسماتها المميزة، فضلاً عن قيام حضارتين قائمتين على العنصر الأمازيغي نفسه، فنلحظ نظرة مقارنة بين الحضارة الوافدة وبين الأيدلوجية المغربية وتأثر كل منهما بالآخر..كما نلحظ دور الإسلام وما سبقه من حضارات وافدة في تشكيل الوجدان الشعبي وقيام تلك الأيدلوجية المغربية.
والمغرب جزء من القارة الإفريقية، وتشغل بلاد المغرب محيطاً جغرافياً مميزاً في أراضيها، فهي جزيرة تحيط بها البحار من كل جهة، فيأتيها البحر المتوسط من الشمال، ومن الغرب البحر المحيط ومن الجنوب بلاد السودان.
أطلق لفظ المغرب على المنطقة الجغرافية الممتدة من برقة شرقاً وحتى المحيط الأطلسي غرباً، تلك المساحة الشاسعة من الأرض المعمورة بما يتخللها من نظاهر تضاريسية متباينة أثرت في توجهات ساكنيه، وبالتالي ما حملته نفوسهم من معتقدات أثرت في تاريخهم، فضلاً عما سلكه هؤلاء السكان من تنظيم اجتماعي اعتمد على القبيلة في انتماءاتهم. وهذا بدوره أثر في صراعاتهم الداخلية، وسنعرض بشيء من التفصيل بعض هذه العناصر محاولين إبراز إسهامات كل عنصر من السابق ذكرهم وتأثيره في الميثولوجيا، ثم العلاقة بينها وبين التاريخ.
وقد اهتم علم الفلكلور عند دراسة مجتمع ما بالناحية التاريخية إلى جانب الناحية الجغرافية فضلاً عن مراعاة البعدين الاجتماعي والنفسي للعنصر البشري المدروس، مما يتيح فهماً أعمق وأكمل للثقافة والبناء الاجتماعي الخاص بمجتمع معين، كما يسهم علم الفولكلور في تحليل علاقات التفاعل والتأثير المتبادل بين الثقافات المختلفة.

تتبلور العلاقة بين التاريخ والفولكلور فيما يقدمه علم التاريخ من توثيق للأحداث والشخصيات وتحليل الدوافع والأسباب واستخلاص العبر والنتائج 

وتتبلور العلاقة بين التاريخ والفولكلور فيما يقدمه علم التاريخ من توثيق للأحداث والشخصيات وتحليل الدوافع والأسباب واستخلاص العبر والنتائج وهو نفس الدور الذي كانت تلعبه الأسطورة؛ مما كان سبباً في تناغمها بصورة تامة مع الوجدان الإنساني في مرحلة طفولة العقل البشري، حيث كان الإنسان، الأول يتعامل مع الكون من حوله بوجدانه أي بالعقل الغريزي، وحينما قوي العقل المكتسب على العقل الغريزي نشأ العلم في حضن الفلسفة، وتولد عن العلم النظري العلم التجريبي، ومنه نشأت التقنيات الحديثة القادرة على التفكير والتحليل بصورة أكبر فكانت مرحلة النضوج للفكر الإنساني.
تناولت الباحثة في الفصل الأول دور الأسطورة سواء الخاصة بالأفراد أو التي تدور حول قيام المدن. وحمل الفصل الثاني عنوان "السيرة الهلالية" وتضمنت تلك الهجرة العربية التي شهدتها بلاد المغرب، وكان لها تأثير كبير في تشكيل شخصيته العربية، أما الفصل الثالث فيبرز دور الكرامة الصوفية في مواجهة أزمات المجتمع المغربي مع عجز السلطة السياسية عن إيجاد حلول لها، فكانت الكرامة هي الملاذ الذي التف حوله الشعب المغربي ليجد المنقذ.
ويتضح في الفصل الرابع كيف كان للأحلام دور في شحذ الهمم قبل وقوع الأحداث الكبرى في تاريخ الدول كنوع من تهيئة الوجدان الشعبي لتقبل تلك الأحداث، وفي الفصل الخامس يظهر دور السحر والتنجيم والفلك وعلم أسرار الحروف، وكيف تحولت تلك العلوم إلى ضرب من التكهن لمواجهة ضعف الحكام.
جدير بالاشارة أن كتاب "المغرب بين التاريخ والميثولوجيا" للباحثة د.الشيماء الصعيدي، صدر عن الهيئة المصرية للكتاب. (وكالة الصحافة العربية)