المغرب.. نقد تعاون اليسار مع الإسلاميين

حينما تكون الحركات الأصولية ضعيفة فإنها تميل إلى مُهادنة القوى اليسارية وتظهر كأنها صديقة أو حليفة لها لكن حينما يحتدم الصراع أو حينما تُصبح هذه الحركات الإسلامية قوية فإنها تَفْضَحُ طبيعتها المُحَافِظَة وتتّخذ مواقف يمينية.

بقلم: عبد الرحمان النوضة

ما دام "تنظيم العدل والإحسان" لا يقبل مبدأ «الفصل بين الدين والدولة»، ولا يلتزم بِـ «الفصل بين الدين والسياسة»، فموقفه هذا يُـثْـبِـتُ أن المشروع السياسي الخَـفِـي، الذي يحمله "تنظيم العدل والإحسان"، هو إخضاع الدولة، والمجتمع، «للشريعة الإسلامية» الأصولية. وهذه «الشريعة الإسلامية»، هي الجوهر المُشترك لدى كل الحركات الإسلامية الأصولية، بما فيها «طَالِبَانْ» في أفغانستان، و«الاخوان المسلمين» في مصر، و«القَاعِدَة» و«دَاعِشْ» في الشرق الأوسط، و«بُوكُو حَرَامْ» في شمال نيجيريا، و«الشباب» في الصُّومَال، و«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر، و«جبهة النُّصْرَة» في سُوريا، إلى آخره. وميزة مجمل الحركات الإسلامية الأصولية، أو "الوَهَّابِيَة"، أو "الدَّاعِشِيَّة"، لا تعمل سوى بالتَكْفِير، وبالقَهْر، وبالاستبداد، وبإلغاء العقل، وبالقتل، وبالتخريب. وخطأ كلّ "الحركات الإسلامية" الأصولية هو أنها، بَدَلًا من أن تَضَعَ الدِّينَ في خِدمة الإنسان، فإنها تُسَخِّرُ الإنسانَ لِخِدْمَة تَقَاليد دينية عَمْيَاء، ومتخلِّفة، وغير عَقْلَانِيَة.

ويمكن أن نجد ما يؤكّد هذه الفكرة، في التطورات التاريخية الكَارِثِيَة التي تجري حاليا، أمام أنظارنا جميعًا، في بلدان مُسلمة عدّة، مثل: سوريا، والعراق، وأفغانستان، وباكستان، ومصر، والسودان، والصومال، وقطر، والسعودية، واليمن، وتونس، وليبيا، والجزائر، وشمال نيجيريا، وشمال مَالِي، وفي الكثير من البلدان الأخرى المُسلمة. والموقف السّليم لدى قوى اليسار، ليس هو مُجَامَلَة "الحركات الإسلامية"، وإنما هو نـقد فكرها، ونقد مشروعها السياسي، ورفض أيّ تنسيق أو تحالف، أو تعاون، مع كل "حركة إسلامية" أصولية لا تلتزم بِـمبدأ «فصل الدِّين عن الدولة»، وبِـ «فصل الدِّين عن السياسية»، وبِـ «حُرّية العبادة»، وبِـ «حُرّية عدم العبادة».

وثَالِثًا، لأن منطق "تنظيم العدل والإحسان"، ومناهجه في التفكير، مبنية على أساس أيديولوجية دينية محافظة، ومُقَدَّسَة، ومُسْتَلَبَة. وهذه المناهج في التفكير ستـقود "تنظيم العدل والإحسان"، بالضّرورة، إن آجلًا أم عاجلًا، وخاصة في ظروف تاريخية حَرِجَة، إلى ممارسة مواقف مُوغِلَة في اليمينية، وفي المُحافظة، وفي الرأسمالية المتوحّشة، وحتى في الرجعية. وقد يكفي التذكير هنا، بمثال واحد مُعَبِّر، هو قضية «مُدَوَّنَة الأحوال الشخصية» بالمغرب. إذ أن مُجمل الحركات الإسلامية كانت، وما زالت، معارضة لإنصاف المرأة، ورافضة لِتسْوِيَة حقوق المرأة بحقوق الرجل.

حينما تكون "الحركات الإسلامية" الأصولية ضعيفة، أو في بداية نموّها، فإنها تميل إلى مُهادنة القوى الثورية أو اليسارية، وتظهر كأنها «صديقة» أو «حليفة» لها. لكن حينما يحتدم الصراع الطبقي، أو حينما تُصبح هذه "الحركات الإسلامية" قوية، فإنها تَفْضَحُ طبيعتها المُحَافِظَة، وتتّخذ مواقف يمينية، أو رجعية، أو تقوم بِسُلُوكِيَات عَدَائِيَة، أو عَنِيفَة، ضد قوى اليسار. وهذا هو ما حدث مثلًا في مصر، خلال رُكُوب «الإخوان المسلمين» على ثورة يناير 2011، وخلال تحريف هذه "الثورة" العارمة لخدمة مشاريع «الإخوان المسلمين» الاستبدادية. فإذا لم تكن هذه "الحركات الإسلامية" الأصولية مُعَادِيَة اليوم للقوى الثورية، فالاحتمال الأكبر هو أنها سوف تعاديها في المستقبل.

حينما انطلقتْ في المغرب "حركة 20 فبراير" في سنة 2011، لمناهضة الاستبداد، والفساد، وبهدف تحقيق الحرّية والكرامة، [وذلك كامتداد موضوعي لما سُمِّيَ آنذاك بِـثورات «الربيع الديموقراطي» في البلدان الناطقة بالعربية]، شارك آنذاك "تنظيم العدل والإحسان" الإسلامي في "حركة 20 فبراير" النضالية. وجاء "تنظيم العدل والإحسان" بأعداد مهمّة من أنصاره لكي يشاركوا في المظاهرات. بل أصبح مناضلو اليسار (الذين كانوا يُشاركُون في تأطِير "حركة 20 فبراير") يَتَرَاخَوْنَ، بَل ويُفْرِطُون في الاعْتِمَادِ على تَكَفُّل "تنظيم العدل والإحسان" بِتَمْوِيل وإِعْدَاد لُوجِسْتِيك المُظاهرات. وظنّ آنذاك الكثيرون من بين مناضلي قوى اليسار بالمغرب أن "تنظيم العدل والإحسان" هو «شريك استراتيجي»، أو فصيل «تقدّمي»، أو «ثوري». لكن، لم تمض إلَّا شهور قليلة حتى حدثت المفاجأة التي عَرَّت الكثير من الجوانب الخفية. حيث، بِمُجَرَّد أن أصبحت "حركة 20 فبراير" تُخِيف النظام السياسي القائم بالمغرب، وبمجرّد أن فاز الحزب الإسلامي الأصولي "حزب العدالة والتنمية" بالمرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية، َوبمجرّد أن شَرَعَ في تكوين الحكومة، قَرَّرَ فجأةً "تنظيم العدل والإحسان" الإسلامي، وبدون إخبار، ولَا نقاش، ولا تفسير، ولَا اعتذار، قرّر فجأةً الانسحاب الكُلِّي والنهائي من "حركة 20 فبراير"! وذلك في الوقت الذي كانت فيه "حركة 20 فبراير" في ذِرْوَة قُوَّتِهَا. فأصبحت فجأةً "حركة 20 فبراير" مُكَسَّرَة، وضعيفة في إمكاناتها، وهزيلة في حجمها.

كاتب مغربي

ملخص مقال