الموازي في رواية "وادي الشمس"

الروائي الكويتي بسام المُسلم يعمل في روايته الأولى على بناء بيئة نصية تتناوبُ عليها القصصُ ويتمددُ فيها المكان على إيقاع حركة الشخصيات.
كلمة الإهداء والملفوظات الواردة ضمن عتبات الرواية تُشكلُ موجهات لعملية القراءة
الزمن في الرواية يتأرجحُ بين تواريخ مشحونة بأبعاد درامية

المشتركُ في الروايات التي صدرت عقبَ ما سمي بالربيع العربي - الذي لا تزالُ حلقاته متتابعة - هو التفاعل مع الحدث وطبيعة الأخبار المتداولة في الوسائط الإعلامية المُتعددة، إذ لا يفصلُ النص الروائي عن مصادره المؤسسة زمن بعيد، فكل ما يتمُ تناوله روائياً متوفر في صيغ خبرية. إذاً فإنَّه لا يوجدُ إلا إختلاف طفيف على المستوى المرجعي لذلك، فإنَّ ما يعطي القيمة للنص هو التشكيل البنائي والأُسلوب، هذا فضلاً عن التمكن في تنظيم المادة المروية، الأمر الذي يتطلبُ وعياً بعملية الكتابة وأدواتها التي تُوفر مساحة للمراوغة وتضيفُ مزيداً من التشويق إلى بنية النص. 
يعمل الروائي الكويتي بسام المُسلم في روايته الأولى المعنونة بـ "وادي الشمس" على بناء بيئة نصية تتناوبُ عليها القصصُ ويتمددُ فيها المكان على إيقاع حركة الشخصيات ويتأرجحُ عنصرها الزمني بين تواريخ مشحونة بأبعاد درامية. أكثر من ذلك فإنَّ كلمة الإهداء والملفوظات الواردة ضمن العتبات تُشكلُ موجهات لعملية القراءة كما أنَّ العنوان الظل "مذكرة العنقاء" الذي يرافق العنوان الأساس يفتحُ أفق الإحتمالات بالنسبة لما تضمهُ أقسام الرواية.
وبذلك يزداد التوترُ في البرنامجِ السردي خصوصاً إذا أضفتَ إلى ما سبق الإشارة إليه، تقنية المدونة التي تطلق تيار السرد. وتصبحُ قواماً تنتظمُ به المُعطيات التي تنهضُ عليها هيكلة الرواية، ويكتسبُ عنصر الشخصية في تسلسل الأحداث دوراً محورياً في تزخيم حركة السردِ. هنا يتصدرُ فواز واجهة المشهد باعتباره صاحب المدونةِ التي سجلَ فيها شذرات من يوميات رحلته في أميركا، ومن ثُمَّ ما عاشه في سوريا عندما ينضم إلى جبهة النصرة، لذا فإنَّ السرد في بعض مفاصله يتخذُ منحى توثيقياً لرحلة فواز وتحولهِ من شخصية مُنغمسة في اللمذات إلى مُقاتل في صف الجماعات المُتطرفة.
السرد التلغرافي
ينفتحُ فضاء الرواية لشخصيات متنوعة وتتقاسمُ الأمكنة المُتباعدة وظيفة الإطار للحدث دون أن يكون ذلك على حساب انسيابية القصص التي تتوالى على مدار الرواية. وما يحققُ توازناً بين كل ذلك هو خفة السرد الذي يأتي أقرب مما يسمي بالتلغرافي إذ وفق الكاتبُ في توزيع مادته على مساحات مُحددة متحاشياً الإنسياق وراء الجمل المطولة والوصف المسهب. 

novel
إيراد تواريخ زمنية وعبارات محددة لخصوصية الأزمنة 

والأهم هو التواصل بين محتويات الرواية وخطاب العتبات، بدءاً من العنوان الذي يشيرُ إلى مدينة أريزونا حيث أمضي فواز شطراً من حياته هناك وذاق فيها طعم الحب ومرارة خسارة الحبيبة كلوديا. فلا تُغادرُ الأخيرة ذاكرة فواز وهو أصبحَ من المُبايعين بأبي محمد الجولاني. ضفْ إلى ذلك فإنَّ مفردة العنوان مع تحوير بسيط في الكلمة الأولى تحيلك إلى مخاوف الوالد من مواجهة مصير الكاتب الذي انتحر في ولاية أيداهو الأميركية. 
والشخص المشار إليه على لسان الروائي الكويتي هو أرنست همنغواي، وهذا ما يحدو به للإقامة خارج بلده إذ يتم الإحتفاء بمؤلفاته في بريطانيا ويصفهُ أحدُ النقاد الإنجليز بـ "بن جلون" الإنجليزي. والملاحظُ في المسلك السردي هو التلميح إلى تقنية الرواية داخل الرواية إذ يفهم بأنَّ الكاتب الكويتي بصدد كتابة رواية مُستقبلية بعنوان "الشتاء النووي" تتناولُ نهاية الحضارة جراء زلزال يصيب مفاعيل بوشهر. 
لا تنقطعُ قصة الراوي عبدالقادر مع خطيبته عواطف عن حيثيات السرد، واللافت هو توارد أشكال لغوية مُحاكية لما هو متداول في تطبيقات وسائل التواصل الحديثة. ما يعني أنَّ الفضاء الإفتراضي متداخل بلحمة النص، وهذا ما يظهر أكثر في الرسائل المُتبادلة بين الراوي وخطيبته، كما أنَّ المقطع المرئي الذي يتلقاه عبدالقادر من أخيه حيث تظهر امرأة سورية يركلها أربعة جنود مؤشرا للتطورات اللاحقة في الرواية. إذ يتموضعُ المتلقي موقع الراوي مُتابعاً من منظوره محتويات المدونة وهي عبارة عن يوميات فواز في سوريا.
المجهول
المغلف الذي يتضمنُ قصة فواز ورحلته إلى سوريا يكونُ نواة للرواية إذ تصلُ حزمة الأوراق إلى عبدالقادر عن طريق رجل غريب يخبرهُ بأنَّ الأمانة قد عثرت عليها قافلة الإغاثة في سيارة مسافر ضلّ طريقه في صحراء الأُردن، ولا يذكرُ الرجلُ تفاصيل الأمر يكتفي بأنَّ المُغلف تداول بين أيدٍ كثيرة قبل أن ينتهي إليه.
يشار إلى أنَّ الراوي يهمهُ إيراد تواريخ زمنية وعبارات محددة لخصوصية الأزمنة كما يكونُ السردُ أداة لنقل لمحتويات مرئية أو صوتية، وذلك من المؤثرات التي تكرس التنوع في أجواء الرواية، فبينما يتابعُ المتلقي الحديث بين الرجل الغريب والراوي في صيغة حوارية يتدخلُ صوت ليُعلنَ موعد الإفطار. هكذا تتناوبُ الأصواتُ في فضاء السرد.
إضافة إلى ما يردُ في المدونة يستعيدُ الراوي ذكرياته مع أخيه، وما شهدتهُ حياة الأخير من التحولات وتجربته العاطفية مع الأميركية كلوديا إذ ترك موت الأخيرة على مرأى منه بعد سقوطها من دراجة نارية جرحاً عميقاً في نفسيته بعد غياب كلوديا ومشعل تدخل حياته مرحلة جديدة، ويتجه أكثر إلى التدين، ويتعرف على شعلان السعودي الذي كان يتحدث أمام جمع من الطلبة عن إساءة تصرف عناصر الأمن الأميركي مع مبتعثين مسلمين على متن طائرة متجهة إلى واشنطن، يوردُ في هذا السياق أسماء الصحف التى تابعت الموقف ونشرت الخبر.
وكان ذلك بداية لصداقة فواز والمُبتعث السعودي، ويكتشفُ ابن عائلة النسر المسجد القائم بأسفل جبل تمبي، والغريب في الأمر هو كلام شعلان الذي يوحي بتضخيم رد الفعل على تفتيش الطائرة. إذاً يغدو المسجدُ ملاذاً لفواز  كما يمر عليه أشخاص يشاركون في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، الحدث الذي يلقي بظلاله على كل مناحي الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية طبعاً. ما يصعدُ التوتر في النص الروائي هو عنصر المُفاجأة التي تشدُ المتلقي إلى مدار الأحداث إذ يباغتُ فواز وهو في صفوف جبهة النصرة بوجود أحد عناصر المكتب الفيدرالي الذي كان مكلفاً بمراقبته بعد الثلاثاء الأسود. يقومُ بتزويد المقاتلين بالأسلحة. 

هنا يعودُ العميل الأميركي إلى تذكير فواز بتأييد بلاده للمجاهدين في حربهم ضد السوفييت، ولا يستغرب إذا تحولت سوريا إلى رقعة الشطرنج بعد أفغانستان، وفي ذات السياق ترشحُ المعلومات عن نظرية المؤامرة في واقعة سبتمبر، ويغطي السردُ وقائع الحرب السورية، وانشقاق الجماعات المسلحة، ولا يلجأُ المؤلفُ إلى الرمز في تسمية الأحزاب والدول الضليعة في تغذية نار الإقتتال، وتحيل بعض التفصيلات إلى نصوص أخرى منها ما عاشه وائل من مأساة إبادة أفراد أسرته وهو يشاهدُ نهايتهم من مخبئه في جوف البرميل، وهذا يذكرك ببطلة "بلادماء" للإيطالي أليساندرو باريكو غير أنَّ نقمة وائل على النظام يتمُ إستغلالها حيث يفجر نفسه في سيطرة مدخل معلولا.
ما يراهُ فواز في بلدة معلولا يُعيد كلوديا إلى ذهنه. وماتصفحُ عنه هواجس فواز هو توتره الذي تعبر عنه أسئلته حول خيوط الحرب المُتشابكة والمفارقات التي تداهمه في مواقف زعماء الجماعات المُسلحة، فكان يرى في أحدهم مواصفات الدجال. 
تتواصل متابعة المدونة إلى أن ينتهي النص الموازي برحلة فواز مع لميا إلى الأردن، كما تنضاف نهاية أخرى إلى بنية الرواية بنجاح العلاقة بين الراوي وعواطف، وانتقال المُغلف إلى الوالد. 
يُذكرُ أنَّ صاحب الرواية قد أشار سابقاً إلى أنَّ خبراً صحافياً عن موت زوجين قد ضلا الطريق كان حافزاً لشروع كتابة عمله الأول فضلا عن التفاعل مع المصدر الخبري والتطبيقات التكنولوجية الحديثة التي تأخذ حيزاً واسعاً في مساحة الرواية تحتلُ لوحة "النجوم" لفان كوخ مكانة مهمة في متن الرواية. 
أخيراً لا بدَّ من الإشارة إلى أن الرحلة من ثيمات مشتركة في معظم الروايات التي تناولت الحرب السورية، وهذا ما تجده في "الذئاب لا تنسى"، "الموت عمل شاق"، "سيرة الفراشة".