الموت للديكتاتور.. احتجاجات إيرانية ترفع شعارات سياسية والنظام مرتبك

الاحتجاجات حالياً هتافاتها سياسية موجهة ضد المرشد شخصياً الحرس الثوري بعكس هتافات نوفمبر كانت في غالبيتها مطلبية ثم جنحت نحو السياسة حيث يردد المحتجون: "الموت لفكرة ولاية الفقيه".

بقلم: بادية فحص

يبدو النظام الإيراني مرتبكاً حيال الاحتجاجات وردود الفعل، لذلك وللمرة الأولى أوعز على ما يبدو إلى إعلامه الرسمي بنقل وقائع الاحتجاجات

ما يزال عدد من المدن الإيرانية، يشهد احتجاجات شعبية غاضبة، إثر إعلان الجمهورية الإسلامية، مسؤوليتها عن حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية، بصاروخ أرض جو في سماء طهران، التي راح ضحيتها 176 راكباً، من بينهم 146 إيرانياً، 63 منهم يحملون جنسيات أجنبية.

فبعد ساعات من اعتراف إيران الرسمي بإسقاطها طائرة البوينغ الأوكرانية، بغير عمد وجراء خطأ بشري، شهدت محافظات إيرانية موجة احتجاجات شعبية جديدة، بدأت من العاصمة طهران وتوسعت لتضم مدن شيراز، أصفهان، أرومية، بابل، كرمان، همدان، رشت وساري وغيرها.

وبحسب مقاطع الفيديو المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي والمعلومات والأخبار المتداولة، يظهر أن شرارة الاحتجاجات انطلقت من حرم جامعة “أمير كبير” في طهران، التي نظم طلابها، عصر السبت، جنازة رمزية لضحايا الحادثة، انضم إليها، مخرجون وفنانون إيرانيون، علّقوا بسبب “الأوضاع الإنسانية” مشاركتهم في مهرجان “فجر” السينمائي، الذي يقام في هذا الوقت في طهران، وسرعان ما استقطبت هذه الحركة، عدداً من أهالي ضحايا الطائرة الإيرانيين، الذين توجهوا إلى الجامعة حاملين صور قتلاهم وشموعاً وورداً.

ومع حلول المساء، خرج الطلاب ومن معهم، في مظاهرة حاشدة من حرم الجامعة، بالتزامن مع خروج مظاهرتين طالبيتين أخريين من جامعتي “طهران” و “شريف”، والتقى الطلاب بالمحتجين، الذين كانوا قد احتلوا شوارع طهران، مستعيدين مشهد الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها إيران، منتصف نوفمبر الماضي، حيث رددوا شعارات سياسية، طالبوا خلالها بإسقاط النظام “الفاشل” و”الكاذب” ومحاسبة المسؤولين عن فاجعة تحطم الطائرة، وهتفوا ضد كل رموز النظام من محافظين وإصلاحيين ورجال دين وأمن، ومزقوا صور المرشد الأعلى السيد علي خامنئي وقائد فيلق “القدس” في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، ودارت معارك عنيفة بينهم وبين قوات مكافحة الشغب وعناصر من الحرس الثوري، الذين استعملوا لتفريقهم قنابل الغاز المسيل للدموع. 

النظام الإيراني لا يمتلك أي شجاعة أدبية للرد على مقتل سليماني، بطريقة مؤلمة أو”قاسية”، عملا بالشعار الذي أطلقه “الانتقام القاسي”، خوفا من رد أميركي أكثر قساوة، لذلك لجأ إلى الجريمة، آملا أن يؤدي مقتل مدنيين أجانب من جنسيات مختلفة، إلى تشكيل ضغط دولي على الإدارة الأميركية

ومع تقدم ساعات المساء، أخذت أعمال القمع تنحو نحو العنف شيئا فشيئا، فإلى جانب الإفراط في استخدام قنابل الغاز، عمدت عناصر الأمن المخولة قمع الاحتجاجات، إلى إطلاق الرصاص الحي عشوائيا باتجاه المظاهرات، فيما احتجزت فرقة تابعة للحرس الثوري السفير البريطاني في طهران روب ماكاير لثلاث ساعات، بعد مشاركته في إضاءة الشموع عن أرواح ضحايا الطائرة، بتهمة تحريض المواطنين الإيرانيين على التظاهر ضد حكومتهم.

الوضع في المدن الإيرانية الأخرى، التي شاركت بموجة الاحتجاجات الجديدة، لم يكن بأفضل حال من طهران، فقد شهد جامعاتها التي انطلقت منها المظاهرات، وشوارعها التي غصت بالمحتجين، مواجهات شرسة مع قوات مكافحة الشغب وعناصر الحرس الثوري، الذين استخدموا القوة المفرطة لقمع المحتجين.

والملفت للنظر، في الاحتجاجات المندلعة حالياً، أن غالبية هتافاتها سياسية، وموجهة ضد المرشد شخصياً، وضد تنظيم الحرس، بعكس هتافات احتجاجات نوفمبر الماضي، التي كانت في غالبيتها مطلبية، ثم جنحت نحو السياسة، حيث يردد المحتجون هتافات، مثل: “الموت لفكرة ولاية الفقيه”، “خامنئي ظالم”، “الحرس هو داعش”، “اخجلوا واستقيلوا”، “الموت للديكتاتور”، “الحرس غير كفوء وعار على الشعب”.

في المقابل، يبدو النظام الإيراني، للمرة الأولى، مرتبكاً حيال ردود الفعل المحلية والدولية، لذلك وللمرة الأولى أيضاً، أوعز على ما يبدو إلى إعلامه الرسمي، بنقل وقائع الاحتجاجات وإن بطريقة ملطفة، فقد ذكرت وكالة “إرنا” أن مئات من المعترضين، تجمعوا أمام سور جامعة “أمير كبير” في طهران، اعتراضاً على المماطلة في إعلان الحكومة مسؤوليتها عن مقتل 146 مواطناً إيرانياً في فاجعة تحطم الطائرة الأوكرانية، فيما خصصت “هيئة الإذاعة والتلفزيون” مساحة مختصرة، لنقل وقائع إضاءة الشموع عن أرواح الضحايا على سور جامعة “شريف”، وأفادت في خبر آخر أن تقاطع “ولي عصر” وهو أطول جادة في طهران، يشهد حشوداً كثيفة احتجاجاً على الأسباب التي أدت إلى وقوع الكارثة.

من جهة أخرى، أعلنت الحركة الطالبية، التي تقود هذه الاحتجاجات والاحتجاجات التي سبقتها، لائحة اتهامية بأسماء المسؤولين المباشرين عن كارثة تحطم الطائرة، على رأسهم المرشد الأعلى السيد علي خامنئي، قائد تنظيم الحرس الثوري، رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني، وزير النقل والمواصلات، مسؤولو منظمة الطيران المدني المحلي، رئيس أركان القوات المسلحة، السلاح الجوي والقوة الصاروخية للحرس الثوري، ومنظمة “خاتم الأنبياء” التابعة للحرس أيضا، واعتبرت أن التكتم عن إعلان تفاصيل الحادثة، لمدة ثلاثة أيام، ومحاولات التنصل من المسؤولية، هي جريمة إنسانية، لا تقل بشاعة عن جريمة استهداف الطائرة.

في حين، اعتبر صحافيون معارضون، أن استهداف الطائرة، لم يأت عن طريق الخطأ كما ادعت الجمهوية الإسلامية، بل هو استهداف متعمد وعن سابق رصد وتصميم، حيث أن النظام الإيراني لا يمتلك أي شجاعة أدبية للرد على مقتل سليماني، بطريقة مؤلمة أو”قاسية”، عملا بالشعار الذي أطلقه “الانتقام القاسي”، خوفا من رد أميركي أكثر قساوة، لذلك لجأ إلى الجريمة، آملا أن يؤدي مقتل مدنيين أجانب من جنسيات مختلفة، إلى تشكيل ضغط دولي على الإدارة الأميركية، تجنيه إيران هدوءا على جبهاتها العسكرية والسياسية، وفي الوقت نفسه، تكون قد لقنت المجتمع الدولي الداعم للموقف الأميركي منها، درسا قاسيا، وهذا هو الفرق بين عقلية الدولة وعقلية العصابة، حيث تلجأ الأولى إلى الرد بينما تؤثر الثانية الانتقام.

في كل الأحوال، المدن الإيرانية التي تشهد احتجاجات، لم تهدأ ولم تنم حيث وصل المحتجون ليلهم بنهارهم. توسعت رقعة الاحتجاجات لتضم مدناً جديدة، في جميع أنحاء البلاد، ويسجل الزخم الأكبر لهذه الاحتجاجات في جامعات طهران وأصفهان وشوارعهما.

نُشر في صفحة درج اللبنانية