الناقدة الأردنية رفقة دودين ومقاربة أسئلة الإبداع النسوي

المؤلفة وظّفت في تحليل الروايات منهج النقد النسوي الذي يفترض في النصوص معايير متعددةً، من أهمها تبنيه لقضايا المرأة وبناء معرفة بذلك.
الرواية النسوية شكلت مدونةً للفكر الاجتماعي في مختلف تمثلاته الرمزية
رفقة دودين روائية وقاصة، إلى جانب كونها ناقدةً

اتخذت الناقدة الأردنية الراحلة الدكتورة رفقة دودين أمثلتها، في كتابها "خطاب الرواية النسوية العربية المعاصرة"، من خلال بعض الروايات النسوية أبرزها "وصف البلبل" لسلوى بكر، "الوطن في العينين" لحميدة نعنع، "خشخاش" لسميحة خريس، "الميراث" لسحر خليفة، "من يرث الفردوس" للطفية الدليمي، "سمية تخرج من البحر" لليلى العثمان، و"ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي. ووظّفت في تحليل هذه الروايات منهج النقد النسوي، الذي يفترض في النصوص معايير متعددةً، من أهمها تبنيه لقضايا المرأة وبناء معرفة بذلك، بوصف الأدب حاملاً معرفياً تُصاغ فيه المعرفة بلغة تنقله إلى مستوى الأثر الجمالي الذي يحقق أدبية النص.
وقد سعت دودين، في تمهيدها للكتاب، إلى ضبط المصطلح النقدي، وحدود اشتباكه مع الحقول المتعددة فكراً ونقداً، ووجدت نفسها في ما يتعلق بذلك أمام ثلاث قضايا، الأولى: القضية النسائية "Feminism"، وهي الممثلة للموقف السياسي حينما ينادي بتحرر المرأة، الثانية: مصطلح الأنثوية "Fenaleness" لذي يُعنى بالفروق البيولوجية بين النساء والرجال، والثالثة: مصطلح النسوية "Femininity"، وهو مصطلح مؤسس في الإبداع النسوي، ويعني مجموعة من الخصائص التي تحددها الثقافة والشروط الاجتماعية والاقتصادية؛ راسمةً بها الأدوار بين الرجال والنساء.
درست دودين، في الفصل الأول "الرواية النسوية العربية: الريادة على طريق تشكيل هوية ثقافية"، الرواية النسوية العربية عبر مسيرتها التطورية منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة العربية، الذي يُحدّد عادةً بالنصف الأول من القرن التاسع عشر، بما يثبت مشاركة المرأة العربية للرجل في حقل الريادة، خاصةً باعتبار رواية زينب فواز "حسن العواقب"، الصادرة عام 1894، أول رواية عربية، وهي سابقة لرواية محمد حسين هيكل "زينب" بأكثر من خمس عشرة سنة. وألقت دودين الضوء، في الفصل الثاني "إشكاليات الرواية العربية: ثيمات أساسية”، على أهم أسئلة الإبداع الروائي النسوي العربي، مبينةً مدى ملامسة هذا الإبداع لقضايا المرأة ومشكلاتها، ومدى تحقيقه للذات النسوية المحكومة بمفهوم تحرير المرأة بموازاة جهود الإصلاح السياسي، استناداً إلى ميراث التفرقة، الذي هو ميراث تراكم عبر زمن طويل، وتعايش فيه الأيديولوجي والأسطوري والأنثروبولوجي، وأن خلخلة بنى هذا الميراث الثابتة كانت من مرامي الروايات التي درست كنماذج دالة، والتي استنبطت علاقاته المتراتبة في بنية المجتمع العربي الأبوي (البطرياركي)، وطوباوية الفكر الذي يربط بين تحرر المرأة وتحرر المجتمع. كما وقفت دودين في هذا الفصل أيضا على الإشكالية المتعلقة بجسد المرأة بوصفه هويةً متجددةً تتجاوز معايير الاختلاف الجنسي باتجاه آفاق إنسانية رحيبة.

قد سعت دودين في تمهيدها للكتاب إلى ضبط المصطلح النقدي وحدود اشتباكه مع الحقول المتعددة فكراً ونقداً 

أما في الفصل الثالث، وهو فصل الدراسة الفنية الذي يحمل عنوان "البناء السردي في الرواية النسوية العربية"، فقد درست دودين توظيف الأمكنة المغلقة (البيت، المقهى، والسجن)، والمفتوحة (البحر، والمدينة) في الروايات من زاوية الفكر النسوي المتمثل في البناء الروائي الذي يمزج الواقع بالمتخيّل، ويعيد النظر في المسلمات المرجعية التي يتشكّل منها مفهوم المكان من زاويتي الخاص والعام باتجاه منظور جديد يمزج بينهما. وكذلك الأمر في ما يتعلق بالزمان الذي درسته الناقدة وفق دائرية الزمن النسوي المفارق للزمن الذكوري الخطي الغائي، والمرتبط بظواهر زمنية تعيشها المرأة بما يضمن تكرارها كظواهر الحمل والحيض، وهو زمن سردي خالد، حسب رأيها، يُعلي من شأن الزمانية الأنثوية، التي تُرصَد بوصفها خارجةً عن المنظومة الزمنية الخطية المهيمنة، ويرفع من شأن تقنيات السرد بالبوح والذاتية، إضافةً إلى دراسة تقنيات الزمن السردية المتعارف عليها في الدراسات النقدية، مثل الاسترجاع والاستباق والمشهد، ومحاولة رصد خصوصية توظيفها في المتون الروائية.
توصلت دودين في خاتمة الكتاب إلى عدد من النتائج أبرزها أن الدراسات النسوية، تنظيراً وتطبيقاً نصيّاً، لم تصل بعد إلى حدود الاستقرار كنظرية مستقلة بمنهجية ذات استراتيجيات محددة، وتنظيراتها تتقاطع مع الجهود الفكرية المختلفة على صعيد الفكر والنقد معاً، ولا سيما النقد الثقافي ودراسات ما بعد الكولونيالية، وأن الروايات العربية في مرحلة التأسيس شهدت مشاركة فاعلة للنساء، من خلال روايات تصدّر فيها المشترك الأنثوي في تفاصيله الكثيرة والصغيرة، مفسحةً المجال لصوت نسوي غالباً ما اتخذ شكل بطولة فردية مطلقة، الأمر الذي جعل هذه الروايات تدخل حيز شكل فني آخر هو: السيرة الذاتية.
كذلك شكّلت الرواية النسوية مدونةً للفكر الاجتماعي في مختلف تمثلاته الرمزية، وخاصةً حين يتعلق بترسيم دور المرأة في المجتمع، مثبتةً المقولة التي ترى أن المرأة هي حارسة للتقاليد. ونبع التوظيف الخاص للزمكانية الأنثوية في الرواية النسوية من الحس الأنثوي الراشح عن تجارب نسوية تعايشها المرأة وحدها، ومن اتصال هذا التوظيف بالمجال الخاص في منظومة تقسيم الأدوار في المجتمع.
يُذكر أن رفقة دودين روائية وقاصة، إلى جانب كونها ناقدةً، صدرت لها ثلاث روايات هي "أعواد ثقاب"، "مجدور العريان" و"سيرة الفتى العربي في أميركا"، ومجوعة قصصية بعنوان "قلق مشروع"، وكتاب نقدي  درست فيه توظيف الموروث في الرواية الأردنية المعاصرة.