خزعل الماجدي يغوص في 'جحيم شكسبير'

العراقي خزعل الماجدي يعتبر ان شكسبير سبر أغوار الأعماق الإنسانية، ومختاراته المسرحية تشكل تجربة فريدة في إعادة قراءة تراجيديات الشاعر والكاتب الانكليزي البارز وتسيلط الضوء على غروب الحرية في بلاده وتصاعد شهوة السلطة والمال.

في تقديمه لمختاراته المسرحية التي تحمل عنوان "جحيم شكسبير"، الصادرة عن دار فضاءات في عمّان، يقول الشاعر والكاتب المسرحي العراقي خزعل الماجدي "إذا كان الشاعر الإيطالي دانتي قد كتب عن الجحيم والفردوس والمطهر في ملحمته الشعرية الأسطورية "الكوميديا الإلهية"، فإن شكسبير فعلها أيضاً في أغلب تراجيدياته الكبرى نزولاً وخوضاً في جحيم الحياة والأعماق الإنسانية، وليس في عالم الآخرة كما عند دانتي. وكذلك كانت كوميدياته خوضاً مرحاً في فردوس الحياة والداخل أيضاً، أما مسرحياته التاريخية فقد كانت نوعاً من المطهر بين هذه وتلك". 
تشكّل هذه المختارات المسرحية تجربةً فريدةً في إعادة قراءة وانتاج تراجيديات الشاعر والكاتب المسرحي الانكليزي البارز شكسبير ليصف جحيمهُ هو، ذلك المستعر فيه، وفي بلاده بين غروب الحرية وتصاعد شهوة السلطة والمال التي سيطرت عليها وما زالت، وبين تساقط نيازك الحروب على ربوعها. 
وإذا كان الماجدي قد تناول هذه الأمور في نصوصه المسرحية الأخرى مباشرة لينبش طبقاتها في بلاده وفي ذاته المتوقدة فإنه يقدم لنا هنا مسرحيات تتعاشق مع شكسبير، وتبتعد عنه بمعالجات جديدةٍ في أبنيتها الدرامية والدلالية، تُعد نصوصاً نادرةً في المسرح العربيّ.  تضم المختارات خمس مسرحيات هي "هاملت بلا هامت"، "سيدرا"، "ليدي ماكبث"، "بيرام وتسيبا"، و"هامنت". في الأولى أزاح الماجدي شخصية "هاملت" كلها، فلا تظهر نهائياً، وحاول أن يثبت أن الأشرار يتساقطون بفعل ما يرتكبون من الخطايا التي تجعلهم ينزلقون إلى مصيرهم المحتوم، فهم يعيشون الجحيم في حياتهم بسبب عطب فيهم، وأن الطبيعة تنتصر للخير، فتقودهم للموت وتصرعهم.  
يقول جبرا ابراهيم جبرا في قراءته للمسرحية "نحن إزاء مسرحية هي غير مسرحية هاملت، قطعاً، من حيث المرمى والنتيجة معاً. لكنها مسرحية بحد ذاتها تستبطن الكثيرَ من الزخم والعنفوان الشكسبيري، فتفلح في أن تُسقط من يدنا سلاحنا النقديّ ضدها، وتجعلنا نستمتع بها نصاً وديناميةً وفعلا مأساويا كلها مجتمعة معاً". 
وفي مسرحية "سيدرا" تناول الماجدي حادثة الطوفان ومصير البشر، مستنطقاً الأسطورة وشخصياتها (الملك زيو سيدرا، وزوجته ليليث، وأبنائه حام ويافث وهام، وأخيه عمرا) عبر نوع من التناص الضمني مع أبطال وأحداث مسرحية شكسبير "الملك لير"، حيث تصبح بنات الملك الثلاث أبناء سيدرا الثلاثة الذين يتحطمون بسبب شرورهم التي تعانق شرور امرأة تغويهم، ويبقى أحدهم مصاباً بالجنون يحكي الحقيقة ولا أحد يفهمه.  
يقول الماجدي في تمهيده للمسرحية إنه اتخذ من حادثة الطوفان محوراً لها في مقابل "العاصفة" عند شكسبير. وهكذا أعاد تركيب التراجيديا الشكسبيرية في أسطورة أو ملحمة سومرية/ سامية قديمة، وتحرك وفق تصورات جديدة ليقول ببساطة إن العالم الذي حاول الطوفان أن يغسله من الشرور ما زال متسخاً ونحن بانتظار طوفان جديد. 
ورفع الماجدي في مسرحية "ليدي ماكبث"، أيضاً، شخصية ماكبث من قلب الأحداث، وجعله ضحية زوجته الشريرة التي أوحت له، عند شكسبير بكل جرائمه، فهي هنا ذات تركيب سادي، تمسك زمام المبادرة، وتمارس القتل ببرود وكأنها تلعب لعبةً من ألعاب القمار، وتتخذ من زوجها سلّماً للعرش، وتحوله من إنسان إلى مجرفة موت، وتتحكم به في تسعير شهوة القتل والسلطة والمال. 
واختلف الأمر في مسرحية "بيرام وتسيبا"، فقد أعاد حكاية "روميو وجولييت" عند شكسبير إلى أصلها في حكاية بابلية متأخرة اسمها "بيرام وتسيبا"، ماراً عليها على نحو معاصر. ويشير الماجدي إلى أنها توحي بحكاية سومرية أو أكدية معروفة هي حكاية "تموز وعشتار"، وتحديداً موت تموز عندما كان على موعد مع حبيبته عشتار وتأخرت عليه فخرج له خنزير بري وطعنه، وسال دمه على الأرض فتحولت شقائق النعمان من لونها الأبيض إلى اللون الأحمر المعروف به.  
أما في مسرحية "هامنت" فيلتقط الماجدي شخصيةً مدفونة في سيرة شكسبير العائلية هي إبنه الصغير "هامنت" ليفضح حياته، أي شكسبير، المعذبة بسبب خيانة زوجته له، واجداً جذر سرّ إبداعه فيها، وملقياً ضوءاً جديداً على مرجعية مسرحية "هاملت"، حيث يظهر شبح "هامنت" بعد موته بالطاعون الأسود وهو في عمر 11 سنة، على قبره ويودّ إخبار أبيه شكسبير بسرِّ يتعلق بأمه "هاثاواي" مفاده أن أمه كانت تخونه مع ثلاثة، لكنه لا يفصح عن هويتهم. وحين يدرك شكسبير أن الثلاثة هم إخوته (جلبرت وأدموند وريتشارد) يخرج ليواجه زوجته، فتعترف بعد أن يكاد يقتلها، وتتحجج بأنه كان يتركها وحيدةً منصرفاً لأعماله المسرحية وشعره. لكنه يرد عليها بأنها خانته مع ثلاثتهم وليس مع واحدٍ منهم لأنها تعاني من الشذوذ الجنسي، وأن بإمكانه فضحها، لكنه يتركها لعذاب الضمير ولوساخة جسدها. 
ينفض شكسبير، في نص الماجدي، أوهام الحب والزواج والوظيفة والدين والوطن والتاريخ، ولا يبقى له سوى الإبداع خلاصاً، ويشعر بأنه لا بد من أن يُعمّد من جديد بسبب ولادته الجديدة هذه، فيظهر له حفار القبور معمداناً، يعمده ويحفر له قبراً لقادم الأيام، وفي أثناء التعميد يهطل المطر ويظهر ولده "هامنت" في قوس القزح، وتتردد وصية حول تركه السرير الثاني لزوجته لتتذكر دائماً ما حصل. 
لقد أراد الماجدي هنا أن يشير إلى موضوع الخيانة من خلال قراءة تأويلية بين السيرة الحقيقية لشكسبير، وبين ما جرى في مسرحية "هاملت"، وهي قراءة مستوحاة من التطابق أو محاولة التطابق أو التوازي بينهما.