الناقد العراقي حسين سرمك يكتب عن 'الشعر ذاكرة الغضب'

قصيدة للجواهري أو مظفر النواب أو أمل دنقل مثلا، كانت في زمن تستثير طوفانا من النقمة والسخط بل التظاهرات في الوجدان والشارع العربي على حدّ سواء.

"نبرةُ الشَّاعر العربيّ المُبدع عبدالناصر الجوهري وإيقاع نصوصه الناقم المُحتدم افتقدناها في الشِّعْر العربي منذ عقود وتحديدًا منذ أن جعل الفهم المشوّه وأيضا المُغرِض للحداثة، ولقصيدة النثر خصوصًا الشعر العربي، شيفرة بين الشعراء في أبراجهم العاجية مودّعين الزمن الذي كانت فيه قصيدة للجواهري أو مظفر النواب أو أمل دنقل مثلا، تستثير طوفانا من النقمة والسخط بل التظاهرات في الوجدان والشارع العربي على حدّ سواء، تحية لشاعر الأمّة الثائر، شاعر الكرامة العربية عبدالناصر الجوهري".
بهذه الكلمات علَّق الناقد العراقي الكبير الدكتور حسين سرمك منذ خمسة أشهر في موقع "الناقد العراقي" الالكتروني في 18 يوليو/تموز 2020، التي خطها عني بعدما وصلته قصيدتان مني الأولى بعنوان "الشِّعْرُ ذاكرةُ الغضبِ" والتي نشرها بالموقع بنفس التاريخ السابق ذكره، والقصيدة طويلة مطلعها:
لأنَّكَ مُسْتوطنٌ؛
تجْهلُ الأرْضَ، أو أُمَّهاتِ التَّواريخ
فالأرْضُ ليستْ لنا نُزلًا
فُنْدقًا
واستراحةَ كهْلٍ قعيدْ
لأنَّكَ مُسْتوطنٌ عابرٌ
خاتلتْكَ الظُّنونُ
حسبْتَ بظنِّ المُهاجر أنَّكّ صرْتَ بها سيِّدًا
تسْحقون العبيدْ
توَعَّدتَ فينا الصَّغارَ
وأغْفلتَ شعْبًا
بعِشْق النِّضال ألان الحديدْ
فماذا تُريدْ؟
أتحْسبُ أنَّا نيامًا
وللشِّعْرِ لسنا نُجيدْ؟
هَوَ الشِّعْرُ ديوانُ إرْثِ العربْ
أتأخذُ أرْضي
وترتعُ فيها أمامي
وتأتي تُجرِّم ثأْري
وخيْلي إذا ما غَضِبْ؟
فأنتَ المُخرِّبُ جئْتَ تُفخِّخُ بالزِّيْف ساحَ الأدبْ
فيكْفيكَ أنتَ اعتياد الكذبْ
فأنْتَ قلبْتَ الحقائقَ ..
نحْنُ أصْحابُ أرْضٍ سرقتمْ رُباها
ولسنا مُثيري الشَّغبْ
فهذي حقائبُ طفْلٍ طوى المجْدَ
بين الكُتبْ
تعوَّد عند الذِّهابِ اختصار الطريق إلى المدرسةْ
ويخْترعُ العيْشَ بين مُجنْزرةِ الموتِ
لا يشْتهي دُمْيةً
يشْتهي فرسًا كي يكون له فارسه
تخلَّصَ من دانةٍ أسْقطتْها عليِه جُيوشكَ
تخْشاهُ دومًا
تُحاول أنْ تُخْرسه
أتمْسحُ كفَّكَ بالزَّيتِ
ظنًّا بأنَّ عطايا السَّماءِ ستسْرى لديْكَ
وإلْهامُكَ يومًا يفيضْ
أتحْسبه في نزالِي ..
يباركُ ذاك اليَرَاع البغيضْ
تجيئون شذَّاذَ أفْقِ العواصم
تسْتنجدون بمُسْتوطناتٍ تُهجِّر فينا
أنا حارسُ الأرْض
مَنْ أنْتَ حتى لنسْلي تُبيدْ؟
فمن ذا يُخيفُ غُلامًا بصيدا
تخضَّب بالطِّينِ
كفَّن بالأمْس ألْفَ شهيدْ؟
أما القصيدة الأخرى المُرسلة له بموقع الناقد العراقي أيضا بعنوان: "تعيشُ يا عِراقُ في عُيوننا":
إذا دعاني الشِّعْرُ يا عِراقُ 
فيكَ أحْتمي
نعمْ .. فمنْ غيرهما  السَّيَّابُ  
والجواهريُّ
حاضران في دمي
فأنتَ يا عِراقُ دومًا مُلْهمي
حبيبتي لديكَ تشْبهُ الفُرات..
في لحْظةٍ
و لحظةٍ أُخْرى تكون أنْتَ في السَّماءِ..
ملْء أنجمي
حبيبتي قبَّلتها في ساحةِ التَّحرير
وارتبكْتُ من ضحْكةِ المساءِ الباسمِ
والمطْعمُ التُّركيُّ أضحى لوحةً
خطَّتْ على جدرانه
قلبًا بجُرْح الأسْهُمِ
واسترسلتْ في وصْفها حبيبتي
عَنِ العِراقِ تحْكي
وتبْكي من رَحَى تألُّمي
سحرُ الشَّناشيْل يحوِّطُ الأزقَّةَ التي قد غُيِّبتْ
بين الجمالِ الحالمِ
والشُّرفاتُ غازلتْ في الجوار بعْضها
رائحةُ الشَّاي تعانقُ الزُّجاجَ
من جدارٍ قائمِ
فكيف يا عراقُ يجمعُ الثَّرى ولداننا
ولا أذوقُ بالتَّساوي حاصلاتِ المنْجمِ؟
عريشةُ الأيام هل ضاقتْ بنا
لتُنْزعَ انتفاضةٌ للعِشْقِ مِنْ مُتيَّمِ؟
والإحْتجاجاتُ التي حصنَّتها فيها أرى حبيبتي
حبيبتي غريبةٌ
دعْها إليكَ تنتمي
كما حبيبتي لديكَ لم تكنْ غنيمةً في المغْنمِ
أخي لَوِ اشتدَّ الوطيسُ يا عراقُ في أمْعائه
هل تُراهُ ماسكًا
وقت البِلَى بمعْصمي؟
فلو تفرَّقنا يجىءُ الذِّئبُ يرْعى
في القطيعِ النائمِ
ففجوةٌ بين التَّواريخ تبينُ
واللئامُ لم تجدْ إشارةً
مِنْ عند قصَّابِ العدوِّ الغاشمِ
تعيشُ يا عراقُ في عيوننا
فليس غيركَ الإمامُ
أنتَ صدْرُ المُعْجمِ
والنُّورُ أنتَ رغم هبَّات الغبار المُعْتمِ
وأنتَ حادي القوافل البعيد دربها
مُسْتقبلًا بالحُبِّ أفواجَ اللُّجوءِ
حين عُدْنا بين أحْضان الدِّيار نرْتمي
فأنْتَ في عام الرَّمادةِ المميت جدْبهُ
خبْزُ الفقير المُعْدمِ
حبيبتي
أخشى عليها مِنْ تقارير العميل المُجْرمِ
أخشى على عظام أمُّي من لصوص النِّفطِ
من فتوى لداعشيٍّ جاثمِ
فيا عِراقُ يا أخا الزَّهراءِ
أخشى أنْ يُريقَ سيْفهمْ دماءنا
ينْدسُّ في حراككَ السلميِّ كلُّ مُجْرمِ
أخشى على قبْر الحُسين مِنْ يزيد الظّالمٍ
هلَّا أرحْتني
يدا العبَّاس لا أنامُ مِنْ فرْط الصُّراخ المُؤْلمِ
فالمُتنِّبي حاصروا أبياته
من فاتكٍ وللنِّزال لم يزلْ بمُرْغمِ
هلَّا أرحْتني
فراياتُ الخِلافِ تفْتدي قلبَ الثَّرى
فما حِجاجُ النَّاقمِ؟
كُنْ حُجةً ياسيِّدي
كنْ سُلَّمي
كُنْ دائمًا سقيفةً تجمِّع الأعْراقَ
في يديكَ ينْبوعُ الخلاص الدائمِ
كُنْ للجراحاتِ معينَ البلْسمِ
كنْ دائمًا للبائسين مثل زاد الحاتمِ
كُنْ مُلْجأً
لتسْتجيرَ عنده حبيبتي
مِنْ حُلكةٍ،
مِنْ كلِّ خوفٍ قاتمِ
غدًا نفوزُ كلُّنا
غدًا تفوزُ بالقرارِ الحاسمِ
فأنْتَ للعِدا لَظَى جهنَّمِ
كتبها وكنت لم ألتق به من قبل يومًا، ولا يعرفني ولا أعرفه وكنت فقط أرسلُ له على الإيميل وكأنه استشف ما كتبته من نصوصي المُرسلة له، ربما لأنه كان مُتميزًا بالتحليل النفسي للنصوص التي يُخضعها إلى منهجه النقدي، ثم جاءني نبأ وفاته المفاجيء - الذي أوجعني -  بعد إصابته بعجزٍ كلويٍّ إثر مضاعفات إصابته بفيروس كورونا، وفي يوم السبت الموافق 26 ديسمبر/كانون الاول 2020، توفاه الله بإحدى مستشفيات تركيا.
رحم الله الدكتور حسين سرمك حيث حمَّلني أمانةً لم أكن أستحقها بكلماته عن ملامح تجربتي الشِّعرية ثم رحل عنِّي، رحم الله الطبيب والناقد العراقي د. حسين سرمك الذي فاز بجائزة نقابة الأطباء لأفضل كتابٍ طبيٍّ "المشكلات النفسية لأسرى الحرب وعائلاتهم" مناصفة عام 2002، أحمد له أنه كتب عنِّي ولم يعرفني إلا من نصوصٍ أرسلتها له بحس وضمير الناقد والإعلامي الواعي النزيه، أشكر الشعر العربي الأصيل الذي جمعني به، رحمة الله عليه كان من مواليد محافظة الديوانية 1956‪  حاصل على بكالوريوس طب وجراحة عامة عام 1980 من كلية الطب في جامعة بغداد وحاصل على ماجستير في الطب النفسي والعصبي عام 1990 من جامعة عين شمس في القاهرة
وهو عضو اتحاد الأدباء والكتاب في العراق، وعضو جمعية الطب النفسي العراقية، وأشكر أستاذي الدكتور حسن سرمك الذي حمَّلني وصيةً ستظل محفورةً في ذاكرتي ووجداني طوال العمر. ‬