النسخة السودانية لتكتيكات نظام إسلامي متخبط

البشير: ارتباطنا كحركة إسلامية سودانية منبثقة من تنظيم الإخوان المسلمين ارتباط قوي. هم ساعدونا وساندونا من أجل تثبيت الإسلاميين في السودان. واستطعنا أن نعبر العديد من المؤامرات الإقليمية والدولية والداخلية.

بقلم: فرج العشة
محضر اجتماع لمجلس الأمن القومي السوداني "تسرَّبَ إلى مواقع الإنترنت"، تقول مجلة نيو إنغلش ريفيو إنها حصلت عليه. فرج العشة يسلط الضوء لموقع قنطرة على هذا المحضر، مشيرا إلى "تمكن الإخوان الإسلاميين من إدامة حكمهم في السودان منذ انقلابهم العسكري عام 1989، ثم انقلاب العسكر -بقيادة الفريق عمر البشير- على المنظر الفقهي الشهير حسن الترابي، معلنين عن توجه إسلامي مستقل عن الإيديولوجية الإخوانية".

تسرب إلى مواقع الشبكة العنكبوتية محضر اجتماع دوري لمجلس الأمن القومي المعروف رسميا باسم "اللجنة الاستخبارية والأمنية والسياسية السودانية لإدارة الأزمات". انعقد بتاريخ 18 يونيو / حزيران 2017 برئاسة الرئيس عمر البشير وعضوية أعمدة النظام الأساسيين متمثلين في رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الخارجية ومدير جهاز المخابرات ورئيس هيئة الاستخبارات والأمين السياسي للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) ورئيس البرلمان.

فقط في السودان بين الدول العربية استطاع الإخوان الإسلاميون الاستيلاء على السلطة وإدامة حكمهم منذ انقلابهم عسكري العام 1989 الذي خططت له الجبهة الإسلامية القومية بزعامة المنظر الفقهي الشهير حسن الترابي والذي انقلب عليه العسكريون بقيادة الفريق عمر البشير فيما بعد وأعلنوا عن توجههم الإسلامي المستقل عن الإيديولوجية الإخوانية. يقول الرئيس البشير من واقع محضر الاجتماع السري المسرَّب :"ارتباطنا كحركة إسلامية سودانية منبثقة من تنظيم الإخوان المسلمين إرتباط قوي. هم ساعدونا وساندونا من أجل تثبيت الإسلاميين في السودان. واستطعنا أن نعبر العديد من المؤامرات الإقليمية والدولية والداخلية".

ومذاك باتت السياسة الداخلية والخارجية موظَّفة (ميكيافليا) لخدمة بقاء الطغمة العسكريتارية المتأسلمة في السلطة والحفاظ على حكمها العضوض وليس خدمة لمصالح الدولة العليا. من هنا نفهم التقلبات الاستراتيجية في مواقف السياسة الخارجية السودانية من حيث تبديل التحالفات بتحالفات مضادة من منظور حسابات مغامِرة ومقامِرة في تقدير الموقف. فلسنوات ارتبط النظام السوداني بتحالف شبه استراتيجي مع إيران في مواجهة الضغوطات والعقوبات الأمريكية والغربية وعلاقات وثيقة خصوصية مع قطر الداعم السخي سياسياً ومالياً وإعلامياً للحركة الإسلامية (إخوان، حماس، حزب الله...) وبالطبع النظام السوداني بحسبانه صاحب المشروع الإسلامي السياسي الوحيد الحاكم في مضارب العرب. وإذ اندلعت انتفاضات "الربيع العربي" ابتهج النظام السوداني بوصول الإسلاميين إلى السلطة في تونس ومصر وليبيا.

نقل النظام السوداني تحالفه من (الثقل السعودي) إلى (الثقل التركي): "توجه عمر البشير في السودان إلى توثيق العلاقات مع تركيا الذي تُوج بزيارة إردوغان للخرطوم في أول زيارة لرئيس تركيا منذ الاستقلال عام 1956. نجم عن الزيارة هذه عقد اتفاقية تعاون استراتيجي يُتوقع منها أن يرتفع حجم الاستثمارات التركية والتبادل التجاري إلى أكثر من سبعة مليارات دولار. وحصلت أنقرة على امتياز استثمار شبه جزيرة سواكن السودانية على البحر الأحمر والمرجح أن تتحول إلى قاعدة تركية على البحر الأحمر إلى جانب القاعدة التركية بالصومال. وبذلك نقل النظام السوداني تحالفه من (الثقل السعودي) إلى (الثقل التركي)"، وفق ما يلاحظ فرج العشة.

وحيث: "لا يمكن أن نستمر في حلف فيه مصر السيسي. إذا رفعت العقوبات من حقنا إعادة علاقتنا مع إيران نظراً لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وليس من العقل قطع العلاقات معها وهي قوة كبرى تضمن الاستقرار في الشرق الأوسط ولها نفوذ إفريقي ولن تقف ضدنا يوماً. والتعاون يستمر سراً وهو ما نحرص عليه من أجل استقرارنا. وهناك تحالف قطري تركي إيراني".

لذلك لا بد أن: "ندعم كل التيارات لتدمير حفتر وضرب النفوذ المصري في ليبيا وانتشار دائم لقواتنا على الحدود الليبية والمصرية. ونستمر في مراقبة الوضع داخل الجنوب لحين رفع العقوبات الأمريكية وعدم فتح المعابر ورفع سقف إنتاج البترول حتى لا يتمكن سلفاكير من هزيمة معارضيه. ودعم الحركات المسلحة في السودان والجنوب ومصر. هدفهم عدم رفع العقوبات الأمريكية لكن فات عليهم امتلاك السودان معلومات (عن الإرهابيين) لا تستطيع أمريكا رغم إمكانيات التوفر عليها".

ويصل تصورهم في اجتماعهم السري حد التخطيط لابتكار وسائل يرونها تسهم في الحفاظ على النظام وإدامته إلى درجة اللجوء إلى اللعب بالظاهرة الداعشية (التي هي ظاهرة مخابراتية في الأصل) بمنطق "الذي تغلب به ألعب به". فيرسمون مخططاً على النحو التالي: "التنظيمات الإسلامية بعد خروجها من سوريا والعراق -لعدم وجود جبال أو غابات- فهم يريدون التوجه إلى آسيا وغرب إفريقيا، لابد أن نجد لهم حاضنة في جنوب السودان بمناطق بحر الغزال وغرب الاستوائية ليتواصلوا عبر إفريقيا الوسطى مع بوكو حرام، وجزء يمشي نغطي به ليبيا".

فهل يمكن للنظام السوداني الإسلاموي الوحيد في مضارب العرب أن ينجو من مآزق حكمه الشمولي بمثل هكذا عقل سياسي رغبي يتخبط في فوضاه السياسية داخليا وخارجياً بحيث تأتي توصيات مجلسه للأمن القومي متخبطة في تصورات مؤامراتية.

عن قنطرة الألمانية

مختصر مقال
السودان - قراءة في "وثائق رسمية مسربة