النقد الأدبي ضوء لا سوط

أساليب النقاد في التواصل النقدي تتباين مع الآثار الفنية، وتختلف من حيث القسوة أو اللين طبقًا لعوامل عدة مؤثرة أهمها فكرة الناقد نفسه حول طبيعة ومفهوم النقد الأدبي.

تتباين أساليب النقاد في التواصل النقدي مع الآثار الفنية المنقودة، وطبيعة هذا التواصل من حيث القسوة أو اللين، طبقًا لعوامل عدة مؤثرة، أهمها فكرة الناقد نفسه حول طبيعة ومفهوم النقد الأدبي.  
فيرى البعض أن النقد يجب أن يكون عاصفًا لا يرحم، وأن يلقى الضوء على عيوب النص المنقود دون الرفق أو التزيين، وأن النقد مثله مثل الشيء والوجع. وفي سياق تاريخي أدبي عندما صدر كتاب "الديوان" الشهير في النقد الأدبي، في النصف الأول من القرن العشرين، انتقد البعض قسوته وعنفه في نقد الاتجاه السابق عنه المتمثّل في المحافظين، وعلى رأسهم شوقي.
 ولكن مقدمة الكتاب ذاته أشارت لتبرير هذه القسوة في إرادة نهضة جديدة، لا ترى رفقًا ولينًا مع خصمها، وعليها أن تهدم كل مذهب يعترض دعوتها بلا هوادة، فيهدمونها على رؤوس أصحابها بالفئوس والمعاول، ويذرون بقاياها في الهواء.
وفي كتاب "شخصيات أدبية" للدكتور أحمد هيكل، أن  الرافعي كان يرى النقد كالشى والوجع للمنقود، فعندما كتب سلسلة مقالات عاصفة في نقد "العقاد" تحت عنوان "على السفود".
 يقول د. هيكل: "وهو عنوان كان قد بدأ يكتب تحته مقالات في نقد الشاعر عبدالله عفيفي، ثم تجمعت هذه المقالات – أهمها المقالات المتصلة بنقد العقاد – في كتاب تحت العنوان نفسه "على السفود" .. والسفود هو عود الحديد الذى يشوى عليه اللحم .. وهكذا أشار الرافعي إلى أنه لا ينقد فقط وإنما يشوى ويوجع ويكاد يحرق".
ويرى أدباء ونقاد أن الأديب إذا أطلق نصه للقراءة بنشرها ورقيًا أو رقميًا، فليتحمل آراء القراء والنقاد، وسيجد من يرجمه أحيانا بتعبير طالعته للروائي اليمني محمد الغربي عمران: "المبدع كالشيطان لا يحيا إلا بالرجم" وهو يحث ناقده دائما أن يرجمه ولا يكتفي فقط بذكر محاسن نصه، والا تكاثرت الأفات في هذا النص.
 فهذا الفريق يرى أن النقد الأدبي "مفرمة" للنصوص الأدبية تنضجها وتشدو الإصابة لبيان ما يعتريها من نقص بغيه الكمال.
 كما أطلق الأديب م. تامر حجازي على مجموعتة الأدبية على موقع الفيسبوك مفردة "المفرمة"، وهي مجموعة جادة، يعلق أعضاء المجموعة على نصوص يجرى نشرها بواسطة مسئول المجموعة بدون اسماء الكتاب، كما أجرت مسابقات أدبية بطريقة جمعت بين تصويب القراء وآراء النقاد. 
بينما ينتهج فريق سبيل "النقد الأدبي المتعاطف"، وكان من صك هذا التعبير الكاتب والناقد رولان بارت، حين أصدر كتابه "سوليرز الكاتب".
 فقال: "إن قراءتَه لا تنفصل عن صداقته لسوليرز، وهذا الأمر كما يؤكد ناتج التعاطف الثقافي بينهما، فقال: "لا أظن أن من الممكن الفصل بين محبتي له والطريقة التي أتكلّم بها عن عمله".
 ورؤيته تلك لا تنفي الموضوعيةَ، بل يرى أن كل نقد هو نقد متعاطف، فنظريةُ التعاطف تلك كما يرى هي قوة دافعة للنقد. 
وعلى درب رولان سار نقاد كثر شرقًا وغربًا، يقول الناقد فاروق عبدالقادر: "النقد الحقيقي يصدر عن الحب، لا عن البغض أو التعالي. والناقد الجدير بهذه الصفة هو من يقترب مِن موضوع عملِه بتواضع، ورغبة صادقة في تلمس مواطن الجمال والقوة قبل تقصي مواطن الضعف". 
ويصف أيضًا الناقد د. علي الراعي بقوله: "يرى إسداء النصح لأي كاتب واعد، فهو يلمح بالنصيحة، ولا يشهر به، مستغلًّا مكانته أو خبرته، كما نجح في ترسيخ مفهوم النقد كفن جميل يعمق العلاقات الطيبةَ بين مبدعين يقفان وجهًا لوجه: الأديب والناقد، فقدم لنا دروسا عملية في فن النقد التشجيعي الذي يرتب ويصافح بحب حقيقي، لا بصبر نافِد. مفرداته النقدية فيها الحب والألفة، سواء أعجبه العمل، أم لم يعجبه". 
أما الناقد والكاتب/ مصطفى عبداللطيف السحرتي، فيصف النقد بقوله الجميل: "النقد أمانة، وإيمان عميق بحب الحقيقة، والنقد زمالة وصداقة ووداعة يكشف عن جهود المنقود وحسناته وقدراته، ويوجهه في أدب ولطف إلى هفواته أو هناته، وهو في الوقت نفسه ذاته يكشف عن ثقافة الناقد، وعمق تفكيره، وتوازنه النفسي". 
يقول الناقد/ علي أدهم: "الناقد في العصر الحديث يتزود بأسلحة كثيرة من علم النفس وفلسفة الجمال وعلم الإجتماع والتاريخ، ولكن النقد بعد كل شيء أو قبل كل شيء مرده إلى الذوق والبصيرة، والناقد كالشاعر يولد ولا يصنع"
وعمومًا قضية النقد خلافية في الاساس، لكن أميل للرأي القائل بالنقد الأدبي المتعاطف، فالنقد الأدبي كما قال د. محمد الجوادي: "النقد ضوء لا سيف.. فلا تفكروا في النقد ألا يكون حاسما حازما صارما قاطعا، وإنما من الأولي به أن يكون مضيئا هاديا هادئا"، فالناقد مثلما قال طاغور: "أغوص في عمق محيط الضوء، لعلي أحصل على اللؤلؤة المطلقة"، وهذا عمل الأديب والناقد معه.