النقد الفني للدراما المغربية بين التحليل الموضوعي والصخب الرقمي

اعمال رمضان 2025 تتلقى موجة من التعليقات المتسرعة والهجومية على منصات التواصل، حيث يطغى الطابع العاطفي والشخصي على التقييم الفني المنهجي.
الناقد ماهر منصو يدعو إلى التحليل العميق المبني على أسس نقدية واضحة

الرباط – بدأ النقد العشوائي للمسلسلات الدرامية في رمضان 2025 بالمغرب مع انطلاق الحلقات الأولى، فتحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى مسرح صاخب يضم جوقة من الآراء المتسرعة التي تفتقر إلى أي أساس منهجي أو تحليلي. يتسم هذا السلوك غالبًا بالهجوم الشخصي والشتائم وغياب التقييم الفني، كما حدث مع مسلسل" الدم المشروك" وأبطاله، أو مسلسل" رحمة"، أو حتى السيتكومات. وهذا لا يمكن اعتباره نقدًا بالمعنى الحقيقي للكلمة، إنما مجرد تعبير عن نزعات عاطفية متشنجة، أو تصفية حسابات شخصية، وربما حسد أو توجيه خارجي يهدف إلى التشويش على الأعمال المحلية. كما أن الإشارة إلى الاسم الشخصي تعد هجومًا، بينما الإشارة إلى أداء الممثل كشخصية تمثل مستوى آخر لا يتم فهمه أو تقديره من جهة الشمال.

ويأتي كتاب "نقد الدراما التلفزيونية.. بين مرجعيات المسرح والسينما" للناقد ماهر منصور كمرجع نظري يضع أسسًا واضحة للنقد الدرامي، مؤكدًا أن النقد الحقيقي يتطلب تحليلًا معمقًا يستند إلى مشاهدة تامة لجميع حلقات المسلسل، أو ما لا يقل عن خمس إلى عشر حلقات لفهم البناء الدرامي، وتقييم نقاط القوة والضعف، واستيعاب الرؤية الفنية الكلية للعمل، بعيدًا عن إطلاق أحكام متسرعة من حلقة افتتاحية لا تعكس بعدُ جوهر العمل. وهذا المنهج يتماشى مع نظريات الدراما الكلاسيكية التي وضعها أرسطو في فن الشعر، حين أكد على أهمية وحدة البناء الدرامي والتسلسل المنطقي للأحداث كمعايير لتقييم العمل الفني.

ويتجلى الفرق الجوهري بين النقد العشوائي والنقد المنهجي في غياب الأسس الفنية لدى الجمهور، الذي يسارع إلى إطلاق الأحكام على المسلسلات الرمضانية. والأصح هو البدء بتحليل العناصر الدرامية الأساسية، مثل البناء السردي، والأداء التمثيلي، والإخراج، وبقية العناصر المكونة للمنتوج الدرامي، كما أشار منصور في كتابه مستندًا إلى مرجعيات المسرح والسينما.

والحال اننا نجد تعليقات في المغرب سطحية، تتركز على الهجوم الشخصي ضد الممثلين أو انتقاد القصة دون سند تحليلي واضح. لكن الدراما التلفزيونية فن مستمد من تقاليد المسرح والسينما، وتتطلب مقاربة نقدية تأخذ في الاعتبار خصوصية الوسيط التلفزيوني، مثل الإيقاع السريع والتكثيف الدرامي اللذين يميزان المسلسلات عن الأفلام السينمائية أو المسرحيات. وهذا الطرح يتسق مع نظرية التلقي لـ هانز روبرت ياوس، التي ترى أن تقييم العمل الفني يعتمد على أفق توقعات المتلقي، لكن هذا الأفق يجب أن يكون مدعومًا بمعرفة فنية، وليس مجرد انطباعات عابرة. أما النقد العشوائي، الذي يفتقر إلى هذه الأدوات التحليلية، فهو مجرد ضجيج عاطفي أكثر منه حوارًا فنيًا بناء.

ويؤدي هذا النوع من الهجوم غير المبرر إلى تشويه صورة الأعمال الدرامية المغربية قبل أن تتبلور ملامحها الفنية الكاملة. ففي حين يدعو منصور إلى التركيز على عناصر مثل الدور الذي يجسده الممثل ومدى انسجامه مع الشخصية، وثنائية الحوار والبناء الدرامي الثلاثي كمعايير لتقييم العمل، يميل الجمهور إلى تجاهل هذه الأبعاد المنطقية والتركيز على تفاصيل هامشية أو شخصية، مثل مظهر الممثل أو علاقاته الشخصية. وهذا السلوك يكون مدفوعًا إما بحسد من نجاح عمل معين، أو ربما بتوجيه خارجي يسعى إلى تقويض الإنتاجات المحلية لصالح أجندات تجارية أو سياسية، مما يحرم الأعمال من فرصة تقييم عادلة تستند إلى معايير موضوعية. وهنا يمكن الاستفادة من نظرية الصراع الدرامي لـ هيجل، التي ترى أن جوهر الدراما يكمن في التوتر بين القوى المتصارعة داخل العمل، وليس في الصراعات الخارجية التي يفرضها الجمهور على العمل نفسه. فالنقد العشوائي، بهذا المعنى، يحول الصراع من داخل النص إلى خارجه، ويشتت الانتباه عن القيمة الفنية الحقيقية، حتى لو كانت رمزية.

ويبرز كتاب "نقد الدراما التلفزيونية.. بين مرجعيات المسرح والسينما" كمرجع نظري أساسي لفهم كيفية بناء نقد درامي متكامل. إذ يقسم منصور تحليله إلى فصول، مثل البناء الدرامي، الذي يركز على ترابط الأحداث وتطور الشخصيات، ومتتاليات المشاهد وترتيب اللقطات، الذي يبحث في العلاقة بين الأداء التمثيلي وتأطيره. وهذه الأدوات التحليلية تتجاوز الانطباعات العابرة، وتوفر إطارًا منهجيًا مستمدًا من الإرث النقدي للمسرح والسينما. ويمكن ربط منهج منصور بنظرية الوحدات الثلاث لأرسطو (البداية، الوسط، والنهاية)، مع تعديلها وتكييفها لتناسب طبيعة المسلسلات التلفزيونية متعددة الحلقات. لكن يظل النقد العشوائي مجرد ضجيج رقمي لا يسهم في تطوير الدراما المغربية، بل يعيق تقدمها بسبب غياب الرؤية النقدية البناءة، التي تجمع بين إبراز نقاط القوة وانتقاد نقاط الضعف بموضوعية.

وينبغي على الجمهور أن يدرك أن النقد الفني عملية تحليلية، تبيّن نقاط القوة ونقاط الضعف، وجودة الأعمال الدرامية أو زيفها. ويؤكد منصور أن فهم العلاقة المتشابكة بين الدراما التلفزيونية والمسرح والسينما يمكن أن يشكل مدخلًا لقراءة المسلسل بدقة، بعيدًا عن الحكم عليه من حلقة واحدة. وهذا النهج يتطلب صبرًا ووعيًا، وهو ما ينقص تعليقات السوشيال ميديا، التي تحولت إلى ساحة للتنمر والشتائم، بدلًا من أن تكون منصة للحوار الفني المثمر. وهذا ناتج عن فشل تلك الأقلام المدونة في الاستناد إلى نظرية المسافة الجمالية لـ إدوارد بولو، التي تدعو إلى الانفصال العاطفي عن العمل لتقييمه بموضوعية، وهو ما يتعارض مع الانفعالات اللحظية التي تسيطر على النقد العشوائي.

ويُعرف النقد الفني في مقاله التوضيحي نقاط الضعف ونقاط القوة في العمل الدرامي أو السينمائي، أما تلك الأقلام التي تهاجم قبل أن تشاهد، فهي ليست ناقدة وفق مفهوم وقواعد ونظريات النقد، كما هو متعارف عليه في مدرسة فرانكفورت أو نظريات الدراما الكبرى. بينما يجب أن تكون الإشارة إلى اسم المخرج أو الممثل كشخصية بعيدة عن الأدوار التي يجسدها محددة، فنقول إن مخرج فيلم كذا قد أخفق أو أبدع في جانب معين، ونقول إن فلانًا قد أبدع أو أخفق في تجسيد شخصية كذا، مع توضيح الأسباب. وهذا ما يسمى نقدًا وتحليلًا، أما النعت بالصفات الشخصية، فهو في الحقيقة يكشف عن افتقار القلم لأدوات التحليل، سواء كان ذلك من تلك الصفحات شبه الفنية التي تتسول الإعجاب والتعليقات والمتابعات، أو تلك الأقلام التي تسعى إلى أن يُقال عنها إنها متابعة للأعمال الدرامية في رمضان، وهلم جرا.