النوبة .. إبداع فني وأدبي

من سمات الغناء النوبي أنه يعتمد على مشاركة الكورس المكون من النساء والأطفال والرجال.
إيقاعات نوبية
الموسيقى النوبية
العمارة النوبية

القاهرة ـ من حازم خالد
 
يعرض كتاب "الإبداع الفني والأدبي في بلاد النوبة" لمؤلفه عثمان الأمير عددا من أشكال الإبداع الفني والتراثي التي تشتهر بها النوبة، ومن هذه الفنون الموسيقى النوبية، حيث تتميز عن غيرها من أنواع الموسيقى المعروفة في البيئات العربية المحلية الأخرى بأنها امتداد للموسيقى المصرية القديمة، وهي موسيقى خماسية النغمات وتعتمد على شكل بدائي من أشكال آلات العزف الوترية، ويشير المؤلف إلى أن بعض المصادر تذكر أن هذه الموسيقى الخماسية تعود إلى عهد كوش بن حام.
وتتكون الموسيقى الخماسية النوبية بشكل عام من النغم، والنغم هو الذي يحدد اللحن والإيقاع، وفي نفس الوقت تعتمد ألحان موسيقى النوبة على نغمات السلم الخماسي، والذي تلتقي فيه الموسيقى النوبية مع الموسيقى الأفريقية وموسيقى الشرق الأوسط، وحيث يتكون السلم الخماسي من خمسة أصوات مختلفة، وفي السلم الموسيقي يكون الفراغان على الدرجتين الرابعة والسابعة، وهو ما يطلق عليه الاسم الخماسي الطبيعي، والذي يعد من أشهر السلالم وأوسعها انتشارا وتداولا، والذي يعتبر الدرجة الأولى والثالثة والخامسة فيه من المرتكزات الأساسية التي لا تخرج أبعاده عن الثانية الكبيرة والثالثة الصغيرة.
أما الإيقاعات النوبية فهي ليست مجرد نقرات يقوم بأدائها العازف، بل عادة ما تصاحب بأداء حركي يقوم بها الرجال والنساء من أهل النوبة على السواء، ومن المعروف أن فرق الإيقاع النوبي تتكون من عازفي الطار، والذي تكون وظيفته الأساسية عزف النقرات الأساسية أيضا للإيقاع، وهنا عازفا الطار الرفيع ذي القطر الصغير الذي يؤدي عليه العازف الزخارف في فراغات الإيقاع الأساسي، وهذا العمل يختص به رئيس الفرقة الذي يطلق عليه عازف "النجر شاد"، ومن ثم يصبح للإيقاعات النوبية خطان إيقاعيان متداخلان، وهو ما يعرف باسم "البوليريتم".
إيقاعات نوبية
ويشير المؤلف إلى أن الإيقاعات الأساسية في الموسيقي النوبية التقليدية تشمل كلا من: (الكومباش) و(الكيتشاد)، و(الله ليه لي)، والذي يسمى أحيانا بـ (الإيقاع الكنزي)، وأولن أرجيد، أي رقصة الكف، بالإضافة إلى إيقاعات أخرى مثل (السكي)، و(هل) و(فيزي).
كما يشير الكتاب إلى أن الموسيقى النوبية عرفت عددا من الآلات الموسيقية أقدمها ما أطلق عليه اسم (الصفارة) والتي يتم العزف فيها عن طريق النفخ، ثم الربابة ذات الوتر الواحد، ثم آلة الطمبور (كري أوكيسر)، وهى آلة وترية، ثم آلة العود التي أدخلت على الموسيقى في القرن العشرين، كما أدخلت آلات البند العربي مثل الأورج والجيتار، وبالتالي أصبحت الموسيقى مهجنة، وهو ما يشير له المؤلف بأنه كان عاملا من عوامل انتشار الأغنية والموسيقة النوبية.
أما الشكل الآخر من الفنون النوبية فهو الغناء النوبي، حيث كان النوبيون يتحدثون في الماضي باللغة المصرية القديمة، ثم اللغة المرية نسبة إلى دولة (مروي)، كما استعاروا بعض الحروف القبطية وأضافوا إليها حروفا من اللغة الديموطيقية، لذلك أصبحت اللغة النوبية لغة قراءة وكتابة، وأضافوا لها ثلاثة حروف هي: (تشاي- نقاى- نجاى)، فأصبح عدد حروف اللغة النوبية (24) حرفا، وتعددت بذلك لهجات أهل النوبة من (الكنوز والفاديجا والعرب والمحس والسكوت)، ولذلك فإن النوبين يتحدثون ويغنون بثلاث لهجات، هي: (الكنزية والفاديجية والدنقلاوية)، بالإضافة إلى العربية، كما يشير المؤلف إلى أنه عبر تاريخ النوبة تنوع غناء أهلها بين غناء الطمبور وأغاني الطار.
كما يشير المؤلف إلى أن من سمات الغناء النوبي أنه يعتمد على مشاركة الكورس المكون من النساء والأطفال والرجال، فيتكون من خط أساسي ميلودي واحد، ولكن في نفس الوقت يتم تأديته من خلال مناطق صوتية متعددة، ومعظم الغناء النوبي يصاحبه الرقصات ونقرات الكف، والتي تتميز بالسينكوب والسكتات والتداخل الإيقاعي، وهو ما جعل المجتمع النوبي قادرا على أن يخرج للعالم عدد من أشهر الفنانين الذين يتميز غنائهم باللون النوبي ومذاقه الحلو المميز.
ويذكر المؤرخون المتخصصون أن النوبة القديمة كان لها طراز فني لكل فن من فنونها الشعبية، ويمثل هذا الفن خلاصة كل مرحلة تطور لمنطقة من مناطق النوبة خلال الفترات التاريخية التي تتابعت خلالها الثقافات المختلفة على سكان النوبة وأهلها، وحيث تميزت ثلاث مجموعات سكانية من بين أهل النوبة هم الكنوز والفادجة والعرب، وهو ما جعل لكل مجموعة سكانية من هذه المجموعات الثلاثة خصائص مميزة لمدرستها الفنية.
ولكن الكتاب يشير إلى أنه مع تهجير بلاد النوبة أربع هجرات متباعدة ما بين أعوام 1902، وهو العام الذي شهد إنشاء خزان أسوان، وبين عام 1964 وهو تاريخ إنشاء السد العالي، فإن تلك الهجرات غيرت من أشكال الفنون والحرف النوبية، ولم تعد هذه الفنون والحرف الشعبية قادرة في ظل الظروف الجديدة على الاستمرار في الإنتاج بنفس الجودة والثراء.
وفي نفس الوقت يشير الكتاب إلى أن الموروث الضخم للفن النوبي يسجل للمرأة النوبية إنتاجها الإبداعي الضخم والمتنوع، فقد هيأت العوامل الجغرافية والبيئية والمجتمعية التربة الصالحة للمرأة النوبية لتفجير طاقتها الإبداعية، فجاءت أشكال الإبداعي النسوي في النوبة مرتبطة بخيوط التقاليد الحضارية الموروثة من البيئة التي تعيش فيها، وحيث تميزت المنتجات الفنية التي تنتجها المرأة النوبية على الدوام بأنها تعتمد على الثراء في الزخارف والألوان، خاصة للملابس التي تعتمد على تنوع الخامات المستخدمة فيها وتنوع أساليب الأداء في إنتاجها.
كما تتميز العمارة النوبية بأنها تقوم على فكرة استخدام الوحدات الزخرفية البارزة والغائرة في الواجهات التي تعتمد بدورها على تكرار الوحدات الزخرفية بشكل هندسي منتظم، ولتلوين المساكن استخدم النوبيون الأكاسيد الطبيعية المتوفر في البيئة كالأكسيد الأحمر والأصفر، حيث إن من المعروف أن الفنان المعماري النوبي قد عمد إلى الإكثار من استخدام وحدات الزخرفة في مداخل البيوت النوبية، بينما اكتفي الفنان المعماري النوبي بتكرار أشكال من المثلثات على أبواب البيوت النوبية التقليدية.
يذكر أن كتاب "الإبداع الفني والأدبي في بلاد النوبة"، لمؤلفه عثمان الأمير، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويقع في نحو 203 صفحات من القطع الكبير. (خدمة وكالة الصحافة العربية).